تصدر محكمة النقض، غدًا الخميس، الحكم في الطعون المقامة على أحكام إعدام محمد عويس و21 آخرين، من عناصر تنظيم بيت المقدس الإرهابي، الصادرة من محكمة جنايات أمن الدولة العليا، ومعاقبة 118 آخرين بالسجن المؤبد والمشدد، في اغتيال محمد مبروك الضابط بقطاع الأمن الوطني، وارتكاب 53 عملية إرهابية أخرى في ربوع البلاد.
كيف بدأت قصة الضابط الخائن وإلى أين انتهت؟
تحقيقات قضية “أنصار بيت المقدس” أوضحت غاية الجماعة الإرهابية من قتل الضابط المقدم محمد مبروك. كان شاهدا في قضية التخابر مع جهات أجنبية ضد مصر، وكاشفا عن أول رئيس يتخابر ضد الدولة المصرية بمساندة قادة جماعة الإخوان الإرهابية، وقادهم جميعا إلى أحكام بالمؤبد والسجن المشدد بعد عملية اغتياله.
قضية التخابر مع قطر كان المسؤول عنها أمين الصيرفي سكرتير برئاسة الجمهورية أثناء فترة حكم الرئيس المعزول محمد مرسي -متوفى- اتفق مع الجماعة للحصول على وثائق وتقارير مهمة من أجهزة مخابراتية وأمنية تمس الأمن المصري، والاحتفاظ بها لتهريبها لإحدى الدول العربية.
وقال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم – آنذاك – في تصريحات تلفزيونية إن تحريات الأمن الوطنى توصلت إلى أن المتهمين في القضية اتفقوا فيما بينهم على الاستيلاء على العديد من الوثائق والتقارير والمستندات ذات الصلة بتسليح القوات المسلحة والأمن القومى، وتكليف القيادى الإخوانى أمين الصيرفي – المحبوس حاليا على ذمة القضية رقم 479 /2013 حصر أمن دولة عليا- ، بصفته سكرتيرا برئاسة الجمهورية بتهريب تلك الوثائق من داخل الخزانات الحديدية المخصصة لحفظها بقصور الرئاسة إلى أحد أوكار التنظيم، تمهيدا لإرسالها لأحد أجهزة المخابرات السابق رصد تعاملها مع هؤلاء المتهمين في ذلك الوقت والتابعة للدول التي تدعم مخططات التنظيم الدولى للإخوان.
وأضاف وزير الداخلية الأسبق أن الهدف استكمال مخطط جماعة الإخوان الإرهابية لإفشاء أسرار البلاد العسكرية ذات الصلة بالأمن القومى المصرى وزعزعة الأمن والاستقرار وإسقاط الدولة المصرية، مشيرا إلى أن التنظيم الدولى للجماعة الارهابية أصدر تكليفات إلى أمين الصيرفي سكرتير الرئاسة وقتها بالتخلص من التقارير الواردة للرئيس المعزول محمد مرسى – متوفى- من جهاز المعلومات السرى للتنظيم الإخواني.
المتهم محمد عويس كان ضابطا بوحدة مرور السلام، أمد الجماعة الإرهابية بخطوات وحركة صديقه المقدم محمد مبروك، وفي 18 نوفمبر 2013، استشهد بطلقات غادرة في مدينة نصر.
لم يفت دقائق على استشهاد ضابط الأمن الوطني، وكتب محمد عويس منشور على صفحته يترحم على صديق دربه، ذكر فيها: “حسبي الله و نعم الوكيل.. يا حبيبي يا مبرو.. يا صديق و أخي و رفيق الحياة.. لا نزكيك علي الله و نحتسبك من الشهداء”
تفاصيل الاتفاق المبرم بين أنصار الجماعة الإرهابية والضابط محمد عويس كشف عنها النقاب تحقيقات القضية 432 لسنة 2013 أمن دولة عليا، المعروفة إعلاميا بقضية “أنصار بيت المقدس”.
وقال صاحب الأربعين عاما في التحقيقات إن الضابط “مبروك” كان دفعته فى كلية الشرطة فى نفس السرية فى السنة الثانية من الدراسة، مؤكدا أن “مبروك” كان خفيف الظل ومن ضمن أصدقائه المقربين، وظل التواصل بينهما قائما حتى بعد انتهاء الدراسة.
وأضاف أنه كان يعمل في الإدارة العامة لمرور القاهرة ولم يكن ملتزما دينيا وكان يعتاد شرب الخمر وتعاطى مخدر الحشيش حتى وفاة والده فى 20 مايو 2005، فقرر التوقف عن شرب الخمر وبدأ فى الصلاة متقطعا، وكان يشجعه زميله الضابط تامر بدوي بإدارة التخطيط والبحوث.
بدأ صديقه في دعوته للصلاة وبعدها عرض عليه حضور دروس لأحد مشايخ الفكر السلفي الجهادي محمد حلمي بشقة صديق له يدعى تامر العزيزي بجوار كنيسة سانت فاتيما فى مصر الجديدة.
حضر ضابط المرور 15 درسا عن السيرة النبوية وعذاب القبر وكيفية الوضوء الصحيح وبعض العبادات، واستمر ذلك حتى عام 2006 ومن بعدها انشغل في حياته الخاصة وخاف من حضور الدروس الدينية بعدما تم القبض على زميله بدوي لعلاقته بتامر العزيزي المتشدد دينيا.
خلال ثورة 25 يناير عادت العلاقات وثيقة بين الضابط محمد عويس و تامر العزيزي حينما أحرقت أقسام الشرطة واتصل به الثاني للإطمئنان عليه، من بعدها دعاه ليراه في شقته بسانت فاطيما وأكد له أن ما يحدث في مصر من علامات يوم القيامة خاصة مع تزامن الثورات في باقي الدول العربية- على حد قول الضابط في التحقيقات.
وأكد المتهم ذهابه مع العزيزي لتلقى دروس على يد شخص يدعى الشيخ نشأت أحمد، كان يعقدها فى مسجد الإيمان بمكرم عبيد أسبوعيا بعد صلاة المغرب، وكانت الدروس تتحدث عن كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية.
تعرف “عويس” على شخص يدعى محمد بدوي سبق التحقيق معه في جهاز أمن الدولة من قبل عن طريق صديقه تامر العزيزي، وأضاف الاثنين على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، من بعدها بدأوا يسألونه عن الضباط الذي يظهر معهم في الصور وكان من بينهم الضابط المقدم محمد مبروك.
وكان يرد على تساؤلات صديقه الجديد “بدوي” مؤكدا في التحقيقات: “كنت أظن أن سؤالهم عن ضباط الأمن الوطنى كان بهدف إبعادهم عن القطاع كنوع من الانتقام ولم يتوقع أنه من الممكن أن يهددوا حياة أى أحد من زملائه”.
بعد ثورة 30 يونيو 2013 تواصل العزيزي مع عويس مرة أخرى وأخبره أن ما يحدث في البلاد لا يروق له باعتبار أن محمد مرسى الأقرب إليه في وجهات النظر عن الإسلام.
وفي نوفمبر 2013 سمع “عويس” باغتيال صديقه الضابط محمد مبروك، ومع ضبط عدد من الإرهابيين اعترفوا أنه من أرشدهم عن بيانات تخص ضابط الأمن الوطني، وواجهته النيابة في التحقيقات بأنه حصل على أموال مقابل الإرشاد عن تفاصيل تخص صديقه، وفق اعتراف متهمين آخرين.
الضابط محمد عويس ضمن 37 متهما محكوم عليهم بالإعدام شنقا، في قضية “أنصار بيت المقدس” بتاريخ 2 مارس 2020، وأسند إليهم اتهامات بارتكاب جرائم تأسيس وتولى قيادة جماعة إرهابية، تهدف إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والاعتداء على حقوق وحريات المواطنين، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعى، والتخابر مع منظمة أجنبية المتمثلة فى حركة حماس الجناح العسكرى لتنظيم جماعة الإخوان، وتخريب منشآت الدولة، والقتل العمد مع سبق الإصرار والترصد والشروع فيه، فضلا عن إحراز الأسلحة الآلية والذخائر والمتفجرات.
من بين هؤلاء المتهمين الإرهابي هشام عشاوي الذي نفذ بحقه حكم الإعدام في 4 مارس 2020، لإدانته في ذات القضية، ومحاولة استهداف موكب وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم، ومشاركته في استهداف عدد من رجال الجيش والشرطة.
الضابط محمد مبروك ولد عام 1974، ثم تخرج في كلية الشرطة عام 1995، ثم التحق بجهاز أمن الدولة عام 1997 حتى مايو من عام 2011 ثم نقل إلى جهاز الأمن الوطني بمديرية أمن الجيزة، واستشهد على يد الإرهابيين في نفس عام فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.