يحتفل المصريون بظاهرة تعامد الشمس على معبد الكرنك في الأقصر يوم 21 ديسمبر من كل عام، من الساعة السادسة وحتى الثامنة صباحاً، وهي الظاهرة التي تعكس جانباً من عظمة المصري القديم، الذي كان على دراية بعلم الفلك وحركة الشمس بشكل دقيق.
كشف الدكتور بسام الشماع، أستاذ علم المصريات، بعضاً من الحقائق المذهلة حول تعامد الشمس على معبد الكرنك، وما يمثله “التوقيت” و”المكان” من دلالات تعكس جانباً من عظمة قدماء المصريين.
وأشار “الشماع”، حسب موقع “سكاي نيوز عربية“، إلى دلالة التوقيت في 21 ديسمبر من كل عام (يتغير التاريخ إلى 22 ديسمبر كل أربع سنوات، في السنة الكبيسة)، على اعتبار أن ذلك التاريخ يمثل فلكياً بدء فصل الشتاء (فصل الإنبات عند قدماء المصريين)، مشيراً إلى أن ذلك يعكس جانباً من تطور وكفاءة المصري القديم العالية في دراسة الأجرام السماوية وتحركات الشمس والنجوم وحتى الكواكب، فقد استطاع قدماء المصريين في الدولة الوسطى معرفة خمسة كواكب على الأقل منهم فينوس والمريخ، وأعطى لهم المصري القديم أسماء خاصة.
ومن عظمة ودلالة “التوقيت” ينتقل عالم المصريات بالحديث عن “دلالة المكان”، بالإشارة إلى أن “معابد” الكرنك هي المكان الأمثل لمثل تلك الظاهرة، لما للكرنك من أهمية خاصة؛ فهو بيت الإله آمون رع (إمِن رع بالهيروغليفية)، وهو المعبود الخفي عند المصري القديم، وتعتبر معابد الكرنك أكبر مركز ديني في ذلك الوقت في مصر، ومن ثمّ فإنه من الطبيعي جداً أن تتشكل هناك العلاقة بين قرص الشمس وبين (إمن رع).
ويتحدث عن الاختلاف بين تعامد الشمس على معبد الكرنك، وتعامدها على معبد أبو سمبل، بالإشارة إلى أن معبد أبو سمبل هو معبد واحد ومنحوت في فترة واحدة، وبالتالي أجريت عليه دراسات فلكية محددة لتعامد الشمس، بينما الكرنك شهد إضافة مبانٍ أخرى على مدار العصور وحتى عصر الرومان، وحتى البطالمة أضافوا معابد داخل الكرنك.
العبقرية تكمن في أنه مع كل تلك البنايات المختلفة ظلت الظاهرة موجودة، وتستطيع أشعة الشمس النفاذ داخل المعبد ليكون لها علاقة بالطقس الديني بأن تسير على المحور الرئيسي الخاص بالمعبد “وهنا تبزغ العبقرية الخاصة بالفلكي المصري القديم ومن جاء بعده.. ويمكن القول إن تلك الظاهرة معروفة على مدار آلاف السنين؛ بدليل أنه عندما تم البناء داخل الكرنك حتى أيام البطالمة تمت المحافظة عليها.. ولم يأت مبنى ليحجب الشمس”.
ويتطرق عالم المصريات بالحديث عن ظاهرة ملفتة لدى تعامد الشمس على معبد الكرنك، موضحاً أن “هناك علاقة رائعة -تستمر لأكثر من يوم- بين قرص الشمس ومدخل المعبد.. تتركز الشمس في توقيت معين فوق مدخل الكرنك، بحيث يمكن للواقف أمام المدخل من الخارج رؤية صرح على اليمين وآخر على اليسار والشمس تتركز بينهما فوق المدخل في المنتصف.. وهو تصميم يشبه كلمة (آخت) في الهيروغليفية، وهي كلمة بمعنى (الأفق) كان يرسمها المصري القديم بتل على اليسار وآخر على اليمين وبينهما شمس.
وبالتالي فإن هذا المشهد يمثل كلمة (آخت) بما يعكس عظمة البناء المصري القديم، ومن هنا يكوّن مبنى مدخل الكرنك كلمة “الأفق” على أرض الواقع، بحيث أن المشاهد لهذا المنظر البديع يرى الأفق فعلاً، حيث السماء والشمس.
ويوضح أن القول بأن ظاهرة تعامد الشمس ليست مقصودة في حد ذاتها، مردود عليه بأكثر من دليل، من بين تلك الأدلة أنه في نفس التوقيت تتعامد الشمس في قصر قارون بالفيوم، على رغم أن كل منهما بني في عصرين مختلفين، أي أن هذه الظاهرة معروفة ومقصودة في حد ذاتها، موضحاً أن “المصري القديم عندما كان يبني لم يكن يبني اعتباطاً، فقد كان يختار ويحدد مواقع بعينها وارتفاعات بعينها كي يواكب الظاهرة الفلكية التي يريدها أن تؤدى، فقد كان دارساً لظاهرة الانقلاب الشمس والاعتدالين”.