• logo ads 2

المستشار الدكتور محمد جبريل يكتب.. نشأة النقود وتطورها وحمايتها تشريعياً

alx adv
استمع للمقال

علي الرغم من تعدد أشكال و أنواع النقود تاريخياً إلا أنه من المتفق عليه أن الإنسان قد عرفها منذ آلاف السنين ، وقد مرت النقود بمراحل مختلفة خضعت خلالها للتطور التدريجي حسب طبيعة وظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي سادت كل مرحلة من مراحل التطور ، فقد عرف المجتمع البشري نظام المقايضة أولاً ؛ لأنها كانت تفي حينها باحتياجات الإنسان البدائي ، ومع التطور التدريجي أصبحت المقايضة عاجزة عن الوفاء باحتياجات البشر ، فدفعتهم الحاجة إلي اختراع وسيلة أسهل لتداول السلع والخدمات وهي النقود والتي بدأت باختيار سلعة معينة ذات قيمة وقبول عام بين الأفراد لتكون معيار للمبادلة بغيرها من السلع والخدمات للقيام بدور النقود مثل القمح أو الشعير أو الماشية ، ويطلق علي هذا النوع من النقود ، النقود السلعية .

اعلان البريد 19نوفمبر

وفي مرحلة من مراحل تطور النقود السلعية تم استخدام العملات الذهبية كمخزن للقيمة ، ووحدة حساب ووسيط للتبادل لما للذهب من خصائص مرغوبة ، بحسبانه ذو قيمة سوقيه ثابتة في حد ذاته ، مع سهولة التقسيم ، والمعيارية الثابتة التي لا يُختلف عليها .

النقود الائتمانية :

 

وفي مرحلة آخري دفعت الحاجة المجتمع نحو النقود الائتمانية ، ويقصد بها النقود التي يتم تداولها عند قيمة أعلي من القيمة السلعية للمادة المصنوعة منها وفي بعض الأحيان تكون القيمة السلعية للمادة المصنوع منها النقود قليلة جداً كما هو الحال بالنسبة للنقود النحاسية ولكنها مع ذلك تظل اقل من القيمة النقدية لها .

ويمكن تفسير احتفاظ النقود الائتمانية بقيمة شرائية أعلي من قيمة السلعة المصنوعة منها ، بأن السلطة النقدية في الدولة تقوم بالحد من إصدار مثل هذه النقود ، وذلك عن طريق منع حرية تحويل السلعة إلي نقود واحتكار هذه العملية فقط علي السلطات النقدية للدولة واعتبار ذلك حكراً عليها فقط وفرض عقوبات صارمة بحق كل من يحاول إصدارها أو تقليدها .

النقود النائبة :

ثم ما لبث أن تطور الأمر إلي ما يعرف بالنقود النائبة ، وهي تلك النقود التي تصنع عادة من الورق وهي عبارة عن شهادات وإيصالات إيداع قابلة للتداول وبمقدار قيمة الوحدات النقدية المعدنية أو ما يعادلها من سبائك ، والنقود الورقية ليس لها ذات المقدار المعين للسلعة ، وإنما تمثل في التداول قدراً من المعدن النفيس يعادل ما تحتويه وحدة العملة السلعية ، فهي تمثل قيمة المعدن النفيس، والنقود النائبة تشبه النقود السلعية في بعض النواحي ، فالكمية التي يمكن إصدارها تتوقف علي كمية النقود السلعية أو ما يعادلها من سبائك تتخذ كرصيد لها ، وكذلك من حيث التكلفة ففي كلتا الحالتين تتميز عن النقود السلعية ببعض المزايا ،منها أن استخدام النقود النائبة يجنب سك العملة المعدنية التي تكون غالباً أعلي من تكاليف إصدار العملة الورقية ، كما أن النقود الورقية تجنب ما كانت تتعرض له النقود السلعية من التلف و التآكل ، أو سرقة أجزاء منها بواسطة المتعاملين بها ، ومن جهة آخري فإن نفقات نقل العملة الورقية أسهل بكثير إذا ما قورنت بتلك العملات التي كانت تصنع من المعادن الثقيلة كالنحاس أو الفضة ، ومع ذلك وبالرغم من مميزات النقود النائبة إلا أنها عرضه للتزوير والغش ، إلا إذا كانت مصنوعة من نوع خاص من الورق يصعب تزويره ، كما أنها قابلة للتلف نتيجة الاستعمال المتكرر و كثرة التداول .

النقود الإلكترونية :

ونصل بعد ذلك للنقود الإلكترونية : ولقد عرف القانون رقم 194 لسنة 2020 في مادته الأولي النقود الإلكترونية بأنها : ” قيمة نقدية مقومة بالجنيه المصري أو بإحدى العملات المصدرة من سلطات إصدار النقد الرسمية مستحقة على المرخص له بإصدارها، وتكون مخزنة إلكترونياً ومقبولة كوسيلة دفع .

وهذه المرحلة الحديثة فى سلم التطور النقدي قد ارتبطت بالتقدم التكنولوجي، والطفرة المعلوماتية، وربط العالم كله إلكترونياً من خلال شبكة الإنترنت، وفيها يتنازل المتعاملون عن تداول الأوراق النقدية أو حتى الأوراق التجارية فى سداد التزاماتهم وتحصيل مستحقاتهم، ويتم التداول من خلال مدفوعات رقمية ، فبطاقات الائتمان التي تستخدم فى الدفع لا تتداول بالكيفية التى يتم تداول الأوراق النقدية أو التجارية بها، فالمشترى لا يعطى البائع كارت الائتمان الخاص به ثمناً لبضاعته، ولكن يتم استخدام مجموعة من البيانات المشفرة على الكارت لسداد الالتزامات مباشرة ، وعلى الرغم من أن خدمة تحويل الأموال قد بدأت فى الولايات المتحدة الأمريكية فى عام 1918 وذلك عندما قامت بنوك الاحتياط الفيدرالي بنقل النقود بواسطة التلغراف، فإن الاستخدام الواسع للنقود الإلكترونية لم يبدأ إلا فى عام 1972 عندما تأسست دار المقاصة الآلية فقد تولت هذه المؤسسة عملية إمداد خزانة الولايات المتحدة الأمريكية وأيضاً البنوك التجارية ببديل إلكتروني لإصدار الشيكات، وعلى غرار هذا النظام، انتشرت أنظمة متشابهة فى أوروبا، ونتج عن هذا استخدام النقود الإلكترونية بصورة كبيرة حيث تتم المدفوعات فى النظم المصرفية العالمية بطريقة إلكترونية من خلال عدد من شبكات الكمبيوتر القائمة بين البنوك .

أما البطاقات البلاستيكية الإلكترونية التي تعد الصورة الرئيسة للنقود الإلكترونية، فلم تعرف إلا فى عام 1970 على يد مخترع ياباني اسمه KunitakaArimura
وبالقياس المنطقي على المراحل التي مر بها التطور النقدي، يتبين أن الخطوة التالية فى تطور التعامل بالنقود الإلكترونية هي توقف البنوك عن تحويل الأرصدة فى صورتها المادية، والاكتفاء بتحويل بيانات رقمية من عميل لصالح عميل آخر، وهو ما يتم الآن بصورة جزئية عندما تقوم البنوك بعمليات مقاصة واسعة تتوقف خلالها عن التحويل المادي للأرصدة ، وقد تراجع دور التسوية النقدية باستخدام أوراق البنكنوت لتمثل 17% من إجمالى حجم النقود عالية السيولة M1 فى العالم، و 7% فقط من إجمالي حجم M3 فى نهاية ديسمبر عام 2000 .

العملات المشفرة :

وفي طفرة متطورة من مراحل البشرية تظهر العملات المشفرة ، وهي وفقاً للتعريف الوارد في المادة الأولي من القانون رقم 194 لسنة 2020 بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي ، هي عملات مخزنة إلكترونياً غير مقومة بأي من العملات الصادرة عن سلطات إصدار النقد الرسمية، ويتم تداولها عبر شبكة الإنترنت
وهذه العملات المشفرة هي الشكل الأحدث للنقود الالكترونية، وهى تكتسب قيمتها من حجم التعاملات داخل ما يعرف بالـblock chain أو سلسلة الكتلة، التي تقيم نظاماً متكاملاً للتداول يقبل عملة معينة، ويسّخر فى سبيل ذلك تقنيات شديدة التعقيد لحماية سرية وتدفق وتسوية العمليات و حجم التعاملات الذي يتحكم في المعروض النقدي من البنكنوت التقليدي .

و ما يشهده الواقع في المضاربات التي تتم على هذه العملات الافتراضية المشفرة ، وخصوصاً “بيتكوين” أكسبت هذا النوع من العملات سمعة غير طيبة ، نظراً لما يحدث فيها من عمليات النصب و الاحتيال وعدم الشفافية التي تمارس فيها بسبب عدم الرقابة عليها ،ولكن من المعلوم بالضرورة لدي المختصين أن المضاربات والتقلبات لازمتان ضروريتان في أسواق تداول العملات والنقود أي كان نوعها ، وتزداد التقلبات كلما كان هناك درجة عالية من السرية وعدم اليقين .

و ربما تشهد الأعوام القليلة القادمة تراجعاً كبيراً فى دور البنوك المركزية ورقابتها وهيمنتها علي العملات والنقود الرسمية لصالح سلاسل كتل تمر خلالها تعاملات نقدية تقدر بتريليونات الدولارات ، وعلي العالم كله أن يستعد لتلك الطفرة المزهلة ، بوضع أسس لحوكمتها، والحد من احتمال النص والاحتيال فيها ، ومنع فرص غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتهرب النقدي و الضريبى من خلالها عبر التعاملات التي يتم تسويتها بنقود افتراضية .

التفرقة بين النقود الرقمية و العملات المشفرة :

يلاحظ أن القانون رقم 194 لسنة 2020 بشأن إصدار قانون البنك المركزي والجهاز المصرفي في مادته الأولي قد فرق بين النقود الإلكترونية ، والعملات المُشفرة، حيث اعتبر أن للنقود الرقمية قيمة نقدية، مُقومة بالجنيه المصري، كما أنه قد اعترف بها وقبلها كوسيلة للدفع ،و هي في الواقع إضفاء الطابع الإلكتروني على العملة القانونية، بما في ذلك البطاقة المصرفية المشتركة، والبنك الإلكتروني، والنقد الإلكتروني، وما إلى ذلك ، وكان ذلك نتاج التحول العالمي إلى الثورة الرقمية، والتي بدأت معها القطاعات المفصلية في الحياة اليومية في مواكبة التطورات في شكل التغيرات التي أحدثتها التكنولوجيا الجديدة ، ويعزي السبب في سرعة انتشار استخدام النقود الإلكترونية على نطاق واسع في المرحلة الحالية، في أنها تقلل من تكاليف معاملات العملة العادية إلى حد كبير، وتتمتع بالسهولة واليسر في الاستخدام ، فلا تخضع للقيود والروتين الذي تخضع له العملات التقليدية ، مما يؤكد أنه من الممكن أن تحل الأموال الإلكترونية محل العملة التقليدية .

وفيما يتعلق باستخدامات النقود الإلكترونية ، فإن للنقود الإلكترونية وظيفة التحويل والتسوية، وهي الوظيفة الأساسية للنقود الورقية أو المعدنية ،ويمكن لهذا النوع من نشاط تسوية التحويل أن يحل محل معاملة التحويل النقدي تماماً ويقلل من تكلفة النقود الورقية في عملية المعاملة ، بالإضافة إلى ذلك، فإن النقود الإلكترونية لها وظيفة الإيداع والسحب ، حيث يمكن تحقيق وظيفة الإيداع والسحب بالكامل بهذه النقود الالكترونية .
أما بالنسبة للعملات المُشفرة فليس لها قيمة نقدية، و أنها غير مُقومة بأي من العملات الصادرة عن سلطات إصدار النقد الرسمية، ولم ينص المشرع على أن هذه العملات المُشفرة مقبولة كوسيلة للدفع، حيث أنه يتم تداولها عبر شبكة الإنترنت فقط .

والفرق الظاهر بين العملة الافتراضية والعملة الإلكترونية، هو الفرق في المُصدر للعملتين ؛ فالعملة الافتراضية لم تصدر عن بنك مركزي أو جهاز مصرفي ، ولا تخضع لأي رقابة أو تنظيم رسمي ، فهي مجرد إضفاء الطابع الإلكتروني على العملة غير القانونية، ويمكن فهمها ببساطة على أنها العملة المتداولة في العالم الافتراضي ونتاج تطور مجتمع الإنترنت .
ومما سبق يتضح أن من أهم عيوب العملات المشفرة أنه يتم تمثيلها رقمياً لقيمة محددة ، وأنها تخرج عن سيطرة السلطات المركزية ، كما أنها تفتقر للمركز القانوني للعملات القانونية ، وأنها أيضاً تؤدي وظيفة ائتمانية علي غرار العملات القانونية كوسيلة للتبادل وكوحدة حساب وكمخزن قيم .

ولذلك فإن العملات المشفرة والنقود الرقمية تكتنفها عدة مخاطر منها :-

– أن المنصات والشبكات التي يتم بواسطتها إصدار وتداول هذه النقود لا تخضع لأي تشريعات أو تنظيمات أو قواعد ، فإذا تعرضت لخسائر فلا يوجد أي إطار قانوني لحمايتها ، ويؤمن استرجاع الأموال التي يتم التعامل بها .

– أن هذه العملات والنقود الرقمية غير مصُدرة أو مكفولة من أي بنك مركزي أو جهاز مصرفي ، وبالتالي فهي معرضة لتقلب حاد وسريع في أسعارها التي يمكن أن تتدني إلي قيمة الصفر .

– أن العمليات التي تتم بناء عليها تعاملات العملات المشفرة والنقود الرقيمة قد تدخل في أنشطة إجرامية مثل غسل الأموال أو تمويل الإرهاب أو الدعارة أو تجارة السلاح .

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار