ما زالت العملات المشفرة تعاني أزمات ثلاث ، وهي أزمة عدم الاعتراف بها ، وعدم الثقة فيها ، وعدم ثبات قيمتها، وترجع هذه الأزمات إلي الطبيعة الفيزيائية لهذه العملات و التي لا تتمثل في مادة محسوسة في الواقع ، فهي عملة افتراضية رقمية مشفرة متمثلة في أرقام مدونة في الحاسبات الآلية و تتداول عبر الإنترنت فقط دون وجود لها في الواقع إلا من حيث الأثر .
كما إنها تُعد عملة غير نظامية ولا تقف ورائها أية جهة تنظيمية أو مركزية تدعمها أو تضمنها ، فهي تصدر من أشخاص مجهولي الهوية ، ولا تربطهم صلة أو رابطة إلا المنصات الإلكترونية ، ويتم تداولها بأسماء مستعارة وغير حقيقية ، ولا يوجد غطاء يقابلها ويغطي قيمتها ويحفظ حقوق أصحابها عند التعرض لمخاطر النصب والاحتيال ، فهي تفتقر للأصول التي تحميها من الانهيار ، فلا توجد أصول لها من السبائك والنقود الذهبية ولا العملات الأجنبية أو سندات الخزينة .
وإلي جانب ذلك فإن هشاشة الأسس التحتية للعملات المشفرة أدي إلي عدم ثباتها ، وقلة استقرارها ، فهي لا تخضع لأي نوع من التحكم في أسعارها غير العرض والطلب ، ولأنها مجرد أرقام مقيدة في أجهزة الحاسب الآلي ، ولا تستند إلي أي غطاء قانوني أو سلعي فهي عرضه للتذبذب ، وعرضة للانقلاب المفاجئ في أسعارها في فترة زمنية وجيزة مما يعرض مصالح المتعاملين فيها للخطر .
ولذلك فإن التعامل في العملات المشفرة والنقود الرقمية يؤدي إلي عدة مخاطر قد تصيب اقتصاد البلاد ، ومن هذه المخاطر ما يلي :
أن التعامل في هذه العملات المشفرة والنقود الرقمية يؤدي إلي إضعافِ قدرَةِ الدولة على الحفاظ على عُمْلتِها المحليَّة والسَّيطرة على حركة تداول النَّقد ، بسبب ما تسببه من زعزعة الثقة في العملات والنقود الرسمية ، وكذلك فقد الدولة لاستقرارها وصلاحيَّتِها في إِحْكَامِ الرِّقابَة علي عملاتها ونقودها الرسمية ، فضلًا عن التأثير سلبًا بشكلٍ كبيرٍ على السِّياسَة الماليَّة بالدول، وحجمِ الإيرادات الضريبية المتوقَّعةِ، مع فتح المجال أمام التهرُّب الضَّريبي .
ومن جهة ثانية: فإن التوسع في استخدام العملات المشفرة والنقود الرقمية سيكون له تأثير سلبي علي النقود الرسمية ، وإضعاف دور البنك المركزي والجهاز المصرفي ، حيث أن انتشار التعامل في هذه العملات المشفرة سينتج عنه حالة من العزوف عن العملات الرسمية ، وهو ما يؤدي إلي التضخم بسبب توفير وسائل تبادلية إضافية عن طريق هذه العملات ، والعزوف عن استعمال العملات الرسمية يعني الزيادة للمتوافر من النقود الرسمية ، وبالتالي التأثير علي أهمية البنك المركزي والجهاز المصرفي وتهميش دوره .
كما أن زيادة حجم العملات المشفرة والتي تدخل في عمليات التبادل والمقايضة بالرغم من أنها لم تدخل في حسابات البنك المركزي ؛ إلا أنها تتداول خارج النظام المصرفي مما يؤدي إلي الزيادة في المعروض من العملات والنقود الرسمية .
ومن جهة ثالثة : فإنه لا يفوتنا ما لهذه العملات المشفرة من تأثير علي السياسة المالية للدولة بسبب تاثيرها علي حجم إيرادات الدخل من الضرائب ، وذلك لصعوبة مراقبة الصفقات والتبادلات التجارية التي تتم من خلال الإنترنت من دون وسيط ، مما يزيد من فرص الإفلات من دفع الضرائب المستحقة .
كما أنه من جهة رابعة: فلا شك أن التعامل في العملات المشفرة والنقود الرقمية سيزيد من الفجوة بين الاقتصاد الحقيقي الذي يتم فيه إيجاد وتبادل السلع والخدمات ، وبين الاقتصاد الموازي الذي تباع وتشتري فيه المنتجات المالية لغرض وحيد وهو تحقيق الربح السريع من فروقات الأسعار فيما يشبه المراهنات ، وهو الأمر الذي يخل باتزان السوق ، ويزعزع الأمن المالي والاقتصادي في البلاد .
وأخيراً نشير إلي أن إصدار هذه العملات المشفرة والنقود الرقمية من قبل أشخاص يطلق عليهم منقبين أو معدنين ، يعد اعتداء سافر علي حق البنك المركزي والجهاز المصرفي الوطني في الاستئثار حصرياً بإصدار العملات والنقود الرسمية والتحكم فيها وتنظيمها وإلغائها .