• logo ads 2

مستشار دكتور محمد جبريل يكتب: القانون والأطباء وكورونا

alx adv
استمع للمقال

 

تنص المادة 35 من قانون أخلاقيات مهنة الطب البشري في فرنسا علي أنه:” يحق للطبيب أن يرفض تقديم عنايته لأسباب مهنية أو شخصية، ولكن يشترط لذلك إلا يكون الموضوع مستعجلاً أو أن يكون الرفض يشكل عدم احترام للواجبات الإنسانية “.

اعلان البريد 19نوفمبر

وبالرغم من حرية الطبيب في ممارسة مهنته، إلا أنه مكبل بواجب إنساني، وأدبي تجاه مجتمعه ومرضاه؛ ويلزمه هذا الواجب بعلاج كل من يطلب منه ذلك في الحدود التي لا تعرضـه هـو شخصـياً، أو غيره للخطر.

كما أن القواعد العامة في القانون تجرم الامتناع عن تقديم المساعدة، ولذلك تدخل المشرع الفرنسي بتجريم الامتناع عن تقديم العون والمساعدة في قانون العقوبات القديم بإضافة المادة 63 عقوبات والتي نصت علي أن : ” يعاقب كل من يمتنع إرادياً عن أن يقدم لشخص – في خطر – المساعدة أو العون الذي يمكن أو يقدمه بفعله الشخصي أو يطلب الغوث، طالما أن ذلك لا يشكل خطراً عليه أو علي غيره …..” وفي قانون العقوبات الجديد فقد جاء نص المادة 223-6 ليؤكد نفس المعني .

ويتضح من ذلك أن الالتزام بتقديم العلاج يتحدد بنطاق محدد، وفي ظروف معينة مثل توافر حالة الاستعجال، أو وجود المريض في حالة خطرة تستدعي التدخل السريع والفوري من قبل الطبيب، أو حالة الطبيب المحتكر أي الذي لا يوجد سواه لإسعاف وعلاج المريض من مرض معين، وكذلك إذا كان المريض في مكان ناء، أو في وقت متأخر، ولم يكن هناك سوي طبيب معين لعلاجه .

وهنا يبرز السؤال الأول :هل توجد مبررات لامتناع الطبيب عن تقديم المساعدة والعون الطبي ؟

كما في حالة الضرورة، وفي حالة توافر الحق في الانسحاب من العمل، وعدم توافر اشتراطات العمل ، وذلك علي النحو الآتي:

1- حالة الضرورة:

اعتقاد الطبيب أن تقديم المساعدة والعـون الطبي للمـريض قد يعرضه هو شخصياً للخطر الذي يتمثل في انتـقال العـدوى بالمرض إليه من الشخص المريض .

وهو ما يمثل حالة الضرورة التي تعد سبباً موضوعياً للإعفاء من المسئولية الجنائية ، فهي تمثل نموذج للصراع بين المصالح المتناقضة، إذ يجد الشخص نفسه أو غيره مهدداً بضرر جسيم علي النفس علي وشك الوقوع به أو بغيره، فيضطر إلي ارتكاب فعل غير مشروع لوقاية نفسه أو غيره من هذا الخطر، وهنا يسمح القانون بالتضحية بمصلحة من أجل مصلحة أخرى ولقد أجاز القانون حالة الضرورة حماية لمصلحة الغير، ولمصلحة الجاني علي حد السواء .

ويدخل في نطاق الضرورة الإكراه المعنوي الذي يؤثر في الإرادة، فينفي الركن المعنوي من الجريمة، فلا تقوم المسئولية الجنائية .

وإذا كان تطبيق المادة 223-6-2 من قانون العقوبات الفرنسي الجديد تفرض علي أصحاب المهن – التي تقتضي منهم التعرض للخطر – التزاماً بالتدخل لمواجهة الخطر، إلا أنه لا يمكن الإلزام بمستحيل، وذلك لأنه طبقاً للمادة 223-6-2 لا يسري الالتزام بتقديم العون والمساعدة إلا إذا كان تنفيذه لا يعرض أحداً للخطر، سواء للمنفذ نفسه أو للآخرين، ويعد ذلك تطبيقاً لحالة الضرورة التي تعد من موانع المسئولية .

2- حق الانسحاب من العمل المنصوص عليه في قانون العمل:

يمكن إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية عن الامتناع عن تقديم المساعدة؛ استناداً إلي حق الانسحاب المنصوص عليه في قانون العمل في المواد 231-8 والتالية لها من القانون الصادر في 23ديسمبر سنة1982 وطبقا للمادة 231-8-1 ” لا يعاقب ولا يخصم من راتب العامل إذا انسحب من العمل استناداً إلي أسباب معقولة تعرض حياة العامل أو صحته لخطر كبير، وطبقاً للمادة ( 231-8-2 ) لا يجـوز لصاحب العمل أو من يمثله أن يطلب من العامل مواصلة العمل في ظل وضع يكمن فيه خطر جسيم وشيك الوقوع، وبالطبع لا يشكل استخدام الحق الوارد في قانون العمل في هذه الحالة جريمة جنائية .

3- عدم توافر الاشتراطات القانونية للقيام بالعمل:

– كما في حالة عدم توافر وسائل الوقاية من العدوى في محل العمل، كما أن تعامل الطبيب مع المريض من علي بعد وفقاً لمقتضيات حال المريض التي تقتضي البعد لمسافة ليست قصيرة عنه، قد تؤدي إلي عرقلة عملية العلاج، لعدم إمكانية فحصة بصورة سليمة ودقيقة.

– ضرورة توفير قدر من الحرية للطبيب في ممارسة عمله، وعدم إجباره علي القيام بأي عمل لا يريد القيام به لأسباب شخصية أو موضوعية

وهنا يبرز السـؤال الثاني: هل هذه المبررات تؤدي إلي إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية حال امتناعه عن تقديم المساعدة أو العون الطبي لذوي الأمراض الخطيرة؟ خاصة وأن هناك من التشريعات الجنائية قد تغاضت عن إلزام الطبيب بتقديم المساعدة أو العون الطبي مطلقاً ، كما أن التشريعات التي نصت علي تجريم الامتناع عن المساعدة قـد اشترطت انعدام الخطر علي الطبيب أو علي الغير .

وبعد عرض الأساس القانوني الذي يمكن الاعتماد عليه لإعفاء الأطباء من المسئولية الجنائية لعدم تقديم العون والمساعدة نجد أن الاعتماد علي حالة الضرورة لا يؤدي إلي إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية لعدم انطباق شروط حالة الضرورة ، حيث يشترط القانون أن تكون الجريمة التي وقعت هي الوسيلة الوحيدة لتفادي الضرر، بمعني أن الجاني لا يكون في حالة ضرورة إذا كان بإمكانه تفادي الضرر بغير الالتجاء إلي جريمة الامتناع عن المساعدة وحيث أن الطبيب يمكنه تفادي الخطر الذي يمكن أن ينشأ عن معالجته للمريض ناقل العدوى الذي يحتاج للتدخل السريع عن طريق أخذ الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال العدوى، خصوصاً أن الأمراض المعدية معظمها يمكن تفادي العدوى منها ، ولا تنتقل عن طريق الاختلاط اليسير، ومن ثم فلا يمثل خطر انتقال العدوى خطراً جسيماً يمكن أن يشكل حالة ضرورة، ونفس الشئ ينطبق علي حق الانسحاب من العمل حيث لا يستدعي الخوف من انتقال العدوى الامتناع عن المساعدة في ظل وجود سبل وإجراءات الوقاية من انتقال العدوى.

ومن ثم تكون الإجابة علي السؤال السابق هي النفي؛ فلا يفلت من يمتنع عن تقديم المساعدة أو العون الطبي من المسئولية الجنائية حال امتناعه عن تقديم العلاج،

ولا يستفيد أصحاب المهن الطبية من النصوص الواردة في قوانين تنظيم ممارسة المهنة والتي تسمح للطبيب أو من في حكمه – في غير الحالات المستعجلة- بالاعتذار عن علاج المريض؛ لأن هذه النصوص تقصر ذلك على حالة وجود أسباب مهنية أو شخصية تبرر الاعتذار عن العلاج أو الرعاية، ولا يعد من هذه الأسباب توقع انتقال عـدوى المرض إلى الطبيب المعالج .

وإن كان القانون لم ينصف الأطباء خلال أداء واجبهم ، فإن ضمائرهم الحية تجعلهم عند حسن الظن بهم في كل موقف بدون إلزام قانوني.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار