هل يسد الذكاء الاصطناعي عوار الغباء الفطري؟
من يرسم خط مستقيم بيده ، لن يحصل علي النتيجة التي سيحصل عليها إذا رسم هذا الخط باستخدام مسطرة ، فالخط المرسوم بدون مسطرة سيكون متعرج وغير مستقيم .
ومن يرسم دائرة بيده ، لن يحصل علي النتيجة التي سيحصل عليها إذا رسم الدائرة بالفرجار ، فبدون الفرجار ستكون الدائرة منبعجة وغير منتظمة .
لعل هذه النتيجة تقودنا إلي القول بأن أعمالنا التي تؤديها بالاعتماد علي معارفنا وتجاربنا الطبيعية ، لن تكون في جودة ودقة أعمالنا التي نعتمد في أداءها علي تقنيات الذكاء الاصطناعي ، فهذه الأخيرة حتما ستكون أفضل من أعمالنا المؤداة بمقدرتنا الطبيعية .
وهكذا يتضح أن الذكاء الاصطناعي قد ساهم في سد بعض القصور في القدرات الإنسانية، ويسر بعض الصعوبات، و حل بعض المشكلات، إلا أن ذلك ليس علي إطلاقه ، فالإجابة علي السؤال المطروح ليست إجابة مطلقة ولكنها إجابة نسبية، بمعني أن الذكاء الاصطناعي لن يسد كل ثغرات العجز الإنساني ، بل قد يؤدي إلي ازدياد الغباء الفطري في بعض الجوانب .
فمن الغباء أن نستخدم الذكاء الاصطناعي فيما لا حاجة لنا به، فمن يستخدم عكاز ليستند إليه وساقيه سليمتين، فإن ذلك يكون من عجب العجاب .
ومن يستخدم نظارة طبية دون حاجة لذلك، وكانت عينيه سليمتين، فإن ذلك ينبأ عن إعاقة ذهنية تستحق العلاج .
كما أنه من الغباء أن يسيطر علينا الذكاء الاصطناعي، ويقودنا دون أن نسيطر عليه ، فمن المنطقي أن يكون الإنسان هو السيد علي أدواته، وليس عبدا لها .
فمن الغباء الأبدي أن يسعي الإنسان إلي إخضاع نفسه لقوي خارجية غير ذاتية، فتتحكم في كل خطواته، وتدبر كل تصرفاته، فيصبح الإنسان مجرد منفذ لما يخطط له ، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي هو النموذج الموثوق به والذي يمد الإنسان بالنصيحة والمعرفة ، فهو لا ينسي ، و لا يخطئ، ويتذكر ما يعجز الإنسان عن تذكره، ويقوم بأعقد العمليات الحسابية في لحظات، ويستطيع القيام بجميع المهام بصورة أكثر كفاءة وأكثر دقة وفي وقت أقل .
ولذلك بدأ يثبت في يقين الإنسان أن الذكاء الاصطناعي هو الحل الذي لا بديل له ، وأن العقل البشري أصبح قاصراً في تلبية متطلبات الحياة ، فبدت قدراتهم البشر وأفكارهم ومعلوماتهم غير متناسبة مع تطورات العصر ، في حين لم يتشككوا أبداً في قدرة النظام الذي خلقوه بأنفسهم وأوجدوه بعقولهم ونتاج فكرهم ، فيتم ترقية هذا الذكاء الاصطناعي لكي يعلو على مرتبة العقول البشرية ، ويصبح مصدر الحكمة الإنسانية والمعرفة ومنظومة القيم الحاكمة للمجتمع ، ومن هنا يصبح الذكاء الاصطناعي هو القائد ، والمدبر والمخطط الذي يأمر فيطاع .
ومع تعاظم دور الذكاء الاصطناعي وسيطرته على حياة الناس ، فقد بدأ يبرز نوع من اليقين بأهمية هذه التقنيات ، وبأنها ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها ، فقد يظن أن البعض أن الحياة بدون هذه التقنيات غير ممكنة ، ولم يتخيل البشر كيف يعيشون بدون ذكاء اصطناعي .
وفي الحقيقة فقد ظهرت الألفة والحميمية بين البشر وتقنيات الذكاء الاصطناعي ، فبدأت المجتمعات في إظهار الثقة العمياء بالآلة ، وبدلاً من استنهاض الفكر وتدريب الذكاء الفطري ، اتجهنا إلي الآلة لنقعد في جوارها ونلزمها كالتزام الدرويش بالمقام ، فنلتمس الأمن والأنس بالاقتران معها ، وبدلاً من استشعار الراحة النفسية بالتواجد مع الأصدقاء والأهل والأقارب ، بدأ البشر يلقون راحتهم النفسية مع الموبايل والروبوت وغيرها من تقنيات الذكاء الاصطناعي الذي يوفر لهم الراحة النفسية في جو يفهمهم أكثر من غيرهم من البشر، وبدأ يرشح لهم الأفكار والأفلام والموسيقى والذكريات التي يجدون فيها سعادتهم البالغة .
ولا شك أن من يلتمس نظارة طبية ، أو سماعة أذن ، أو عكاز للمساعدة من الإعاقة التي تعاني منها ، فله العذر ، أما من يلتمس ذكاء اصطناعي ليفكر ويخطط له ، فذلك هو الغباء الفطري بعينه .