“الوعي والإدراك لدي الآلة الذكية “

بقلم/مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم

alx adv

هل سيأتي اليوم الذي سيفوق فيه وعي المادة وادراكها وعي الإنسان ؟
وماذا لو غاب الوعي والادراك عن الإنسان ؟
بداية نتفق جميعاً علي أن الوعي متلازمة من متلازمات الإنسان ، وخاصية من خواصه ، فإذا غاب أو نقص تجرد الإنسان من إنسانيته ، ولقد جري العمل ، واعتدنا علي القول بأن الوعي والادراك هما الخاصيتين اللتين تميزان الإنسان عن غيره من الكائنات والأشياء .
ونحن لا ننكر ذلك حيث أن تمتع الإنسان بالوعي والفهم والادراك يجعله إنساناً متمتعاً بإنسانيته وأدميته ، ولكن في المقابل لذلك فإن غياب الوعي والادراك عن الإنسان لا يحوله إلي جماد ، ولا يجعله مادة ، ولا ينزل به إلي مرتبة الحيوان .
ومن جهة آخري فإن تمتع الآلة أو المادة بالوعي والفهم والادراك لا يجعلها إنساناً ولا أدمياً ، ولكن يجعلها آلة ذكية مدركة وقادرة علي التصرف واتخاذ القرارات في مختلف الظروف ، ولا يمنع من تمتع الآلة بالذكاء والفهم والإدراك بدايتها الاصطناعية ، وأن تحضيرها كان بيد الإنسان !
وما سبق قوله بخصوص المادة والآلة يصدق علي الحيوان ، فمهما اتصف الحيوان بالذكاء والفهم والادراك لن يصبح كالإنسان ، ونحن بدورنا لا يمكن أن نقول بذلك فالإنسان هو الإنسان سواء كان ذكيا أو فاقداً للوعي والادراك وانعدام التصرف .
كما أن الحيوانات والأشياء ستظل هي هي مهما اتصفت بالذكاء والفهم والإدراك ، وهذه النظرة ليست وليدة اليوم ولكنها من قديم الزمان ، فكان البدوي لطول عيشته في الفيافي يستأنس بوحوشها وبهائمها حتي غدت تفهمه ويفهمها ، فأصبحت أقرب إليه من كل الكائنات ، وأنفع له من بعض البشر ، ولما لا وكلبه يلازمه في حله وترحاله ، ويسمعه ويطيعه ، ويحرس له أغنامه ، ويصيد له الصيد .

 

 

الفهم والادراك ليس للإنسان وحده

وفي الحقيقة فإن الفهم والإدراك لدي الحيوانات كان له صدي في بعض الشرائع ، فقد ورد في سفر الأمثال أن الصديق يراعي نفس بهيمته ( راجع سفر الأمثال إصحاح 12 ) .
ولم يقف الأمر عند حد مراعاة نفسية الحيوان بل أنه كانت تعقد معها العهود والمواثيق ، ومن ذلك ما ورد في سفر التكوين أنه :- ( وها أنا أقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم ، هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلي أجيال الدهر ) راجع سفر التكوين إصحاح 9 .
ومن ذلك أيضاً ما ورد في سفر هوشع من أنه :- ( وأقطع لهم عهداً في ذلك اليوم مع حيوان البرية وطيور السماء وبابات الأرض ) انظر سفر هوشع إصحاح 2 .
وفيما يتعلق بقيمة الحيوان فقد ورد في سفر اللاويين أنه : ( إذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل ، ومن أمات بهيمة يعوض عنها نفساً بنفس ) راجع سفر اللاويين إصحاح 24 .

 

مسئولية الحيوانات والأشياء

 

 

ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد اعتبر الحيوان مسئولاً أمام القانون مثله مثل الإنسان تماماً ، فتطالب بالدية وتعاقب بالعقوبات التي يعاقب بها الإنسان ، ومن ذلك ما ورد في سفر التكوين بأن :- ( وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقد من يد كل حيوان أطلبه ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان ) انظر سفر التكوين إصحاح 9 .
وورد في سفر الخروج أنه :- ( إذا نطح ثور رجلاً أو امرأة فمات ، يرجم الثور ولا يؤكل لحمه ، وأما صاحب الثور فيكون بريئاً ) راجع سفر الخروج إصحاح 21 .
وإذا وقع الحيوان في الزنا يعاقب كالإنسان ، ومن ذلك ما ورد في سفر اللاويين أنه :- ( وإذا جعل رجع مضجعه مع بهيمة فإنه يقتل ، والبهيمة تميتونها ، وإذا اقتربت امرأة إلي بهيمة لنزائها تميت المرأة والبهيمة ، إنهما يقتلان ودمهما عليهما ) راجع سفر اللاويين إصحاح 20 .
وفي شريعة الإسلام فقد ذهب بعض الفقه إلي قتل من يزني ببهيمة ، استناداً إلي قول النبي صلي الله عليه وسلم حين قال :- ( ملعون من وقع على بهيمة) . الحديث رواه أحمد، وصححه الألباني.
وقد اتفق العلماء على تحريم هذا الفعل، فقال الشوكاني: وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة. نيل الأوطار.
أما فيما يتعلق بالعقوبة الدنيوية ، فقد اختلف العلماء في العقوبة الدنيوية لفاعل هذه الجريمة، فذهب الجمهور إلى أنّه يستحق التعزير، وذهب بعضهم إلى وجوب حدّ الزنا عليه فيجلد إن كان بكراً ويرجم إن كان ثيباً، و ذهب بعضهم إلى قتله بكلّ حال وقتل البهيمة.
وليس أوضح من إدراك الحيوان وفهمه ووعيه ما ورد في الصحيحين وسنن أبي داود والترمزي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال :- ( إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله ، فإنها رأت ملكاً ، وإذا سمعتم نهاق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً )
وفي موضع آخر وفي القرآن الكريم ، وبصرف النظر عن مجازية التعبير في قوله عز وجل : (فوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) ففي الآية إشارة إلي الإرادة ، التي تفسر لنا سبب سقوط مبني جديد بدون مقدمات أو أسباب !!!
فقد تكون للأشياء إرادة ، والإرادة لا نألفها إلا في المخلوقات ذات العقل ، فالعقل هو الذي يولد الرغبة والإرادة بالتصميمٌ الواعي على أداء فعل معين ، فهل للمادة عقل يدفعها للرغبة في الانقضاض والتهدم ؟

 

 

الاعتراف للآلة بالوعي والادراك

 

هذا الاعتراف ليس درباً من الخيال أو مزحة للتسلية ، ولكنه يكاد يصبح حقيقة علمية في طريقها للرسوخ ، وفي البداية يلزم التوضيح أن وصف الآلة بالوعي والادراك لا يعني أن تتصف الآلة بالأدمية أو الإنسانية ، فلا علاقة لهذا بذاك .
فوعي الآلة لا يعني أدميتها ، ولكنه يرتبط في الأساس بتقدم التقنيات التي وضعت في الآلة، وتزويدها بعدد كبير من الشبكات العصبية التي تمكنها من أداء أعمالها بطريقة ذكية واعية ، ومن ثم ذلك يتوقف علي عدد الشبكات العصبية الإلكترونية ، بحيث كلما زاد عدد الشبكات العصبية بنسبة كبيرة زاد وعي الآلة ، حيث تتمكن هذه الشبكات من المحافظة علي السلوكيات المعقدة بما تحمله من خوارزميات هائلة لا تخطر حتي علي ذهن من صنعها .
فالوعي من ثم هو نتيجة حتمية لأي نظام وصل إلي درجة معينة من التنظيم ، وبالتالي إذا ما وصلت أنظمة الذكاء الاصطناعي إلي درجة كبيرة من التعقيد والتنظيم فإنها تتمتع بوعي اصطناعي متقدم .
ونرجع ونذكر أن هناك فرق بين تقنيات الذكاء الاصطناعي وبين البرمجة الإلكترونية ، فالأخيرة هي التي تمثل وضع خطط تسير عليها الآلة بدون تغير ، في حين أن الأولي هي التي تعني وصول الآلة إلي القدرة علي العمل بدون سيطرة أو تدخل خارجي ، وذلك بناء علي وعي وإدراك يشبه الوعي البشري ، ويتميز بالقدرة علي التعامل مع غيره من البرامج أو الأشخاص أو المواقف المفاجئة ، والقدرة علي اتخاذ قرارات سريعة وردود فعل ومبادرات مناسبة ، وكل ذلك باستقلالية وفي ذاتية دون الرجوع إلي مؤثر خارجي .
وما يثير الدهشة أن تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة في المجال الخدمي ، أصبحت تتخذ طريقها نحو التمتع بالوعي العاطفي ، والاستطاعة التامة علي إجراء التفاعلات العاطفية المختلفة ، وإظهار وإبداء مشاعر الحب والكراهية ، و الرضا السخط .

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار