• logo ads 2

الخروج من الأزمات

مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم يكتب:

alx adv
استمع للمقال

لا أحب أن أضع نفسي في موضع الناصحين والمحللين ، فالأزمات لا تحتاج إلي التنظير الكثير ، والتحليل المطول ، فكلنا يشعر بالسأم من الاقتصاديين ونظرياتهم العلمية ، وتحليلاتهم الاقتصادية ، وتنبؤاتهم المستقبلية ، وكلنا يتعجب عن سبب فقرهم ، وعدم استفادتهم من نظرياتهم .

اعلان البريد 19نوفمبر

الأزمات تحتاج إلي قرارات وليس إلي نظريات ، وتحتاج إلي حلول وليس إلي تحليلات ، وهذه القرارات وهذه الحلول تنبع من كل فرد علي حده ، فمن العجيب أن يضع المنظرون والمحللون حلولاً لمجتمع كبير ، وينسون وضع حلول لأزماتهم الشخصية ، فمن باب أولي البدء بأنفسهم ، وهكذا كل فرد عليه البدء بحل مشاكله وأزماته العادية ثم العائلية ثم الأبعد فالأبعد . [ إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ الرعد: آية 11 .

وعلي الفرد أن يستخدم كل الحلول المادية والروحية للخروج من أزماته ، فله أن يطبق النظريات العلمية والتحليلات الاقتصادية كما يشاء ، ولكن عليه أيضاً أن يُقبل علي التنفيذ بشجاعة للحلول العملية ، فيستخدم في ذلك كل ما أوتي من وسائل مادية تحت يده يتيحها الشرع والقانون .

ومن ذلك حسن التدبير وعدم التبذير، وإنقاص المتطلبات ، والحد من الرفاهيات ، وعدم المبالغة في تلبية الاحتياجات ، والتخلص من بعض العادات المكلفة ، والاعتماد علي الذات في بعض الأعمال لتوفير النفقات ، ولا مانع في هذا الوقت للمرفهين أن يخشوشنوا .

وكما أن للإنسان أن يستخدم الحلول المادية المتاحة ، فله أيضاً أن يستخدم الحلول الروحية ذات الأفق الأرحب ، والمدي الأوسع ، فمن العجيب أن الإنسان يمتلك الكثير من هذه الحلول الروحية التي تجلب البركة ، ولكن يعزف عن استخدامها فلا يستفيد منها ، وقد يكون ذلك بسبب عدم وجود المرشد الماهر الذي يصف له هذه الوسائل بكل شجاعة.

وما أكثر المرشدين ولكنهم أغمضوا أعينهم ودسوا رؤوسهم في تراب الخوف حين عرفوا مصدر الأزمات ،وراحوا يمسكون في ذيلها ، وعكفوا علي وصف الوسائل الرديئة من الحلول ، في حين تركوا كنوز من الوسائل الناجعة لحل أكبر الأزمات ، ويمكننا وضع تصور لهذه الحلول فيما يلي :

أولاً :- بداية حلول الأزمات هو معرفة سببها ، فهل نكون من عالم آخر إذا قلنا أن الأزمات مصدرها وسببها كثرة الذنوب ، نعم من يقول بأن -كثرة الذنوب هي سبب أزماتنا – سيرمي و يتهم بالدروشة والصوفية والسلفية إذا قال ذلك !!

مع أن كثرة الذنوب تزيل النعم وتجلب النقم ، فما زالت ذنوبنا تحاصرنا .

( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) آية (30) : الشوري .

ويسوق البعض حجته ويقول أن جل الأغنياء ملحدون ولا يعترفون بالحلال و لا بالحرام ، ونرد بأن من عرف الله وعرف الحلال والحرام مثلنا سيصاب بالجزاء المذكور ، وعليه فنحن نفسياً وروحياً نخضع لهذا الحساب ونقتنع به ونؤمن به ، فاللهم ارزقنا توبة يا رب العالمين .

ثانياً : التوبة : فمن أقوال علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع بلاء إلا بتوبة ، فالعبد له أسباب وأعمال، والله أعطاه أدوات يعرف بها الضار والنافع والخير والشر؛ فإذا استعمل عقله وأسبابه في الخير جازاه الله على ذلك بالخير العظيم، وأدر عليه نعمه، وجعله في نعمة وعافية بعدما كان في سوء وشر؛ فإذا تاب إلى الله وأناب واستقام؛ فالله جل وعلا بجوده وكرمه يغيّر حاله السيئة إلى حالة حسنة، وهكذا إذا كان العبد على راحة واستقامة وهدى، ثم انحرف وحاد عن الطريق، وتابع الهوى والشيطان، فالله سبحانه قد يعاجله بالعقوبة، وقد يغير عليه سبحانه وتعالى؛ فينبغي له أن يحذر وأن لا يغتر بأنعم الله تعالى عليه .

ثالثاً : المداومة علي الأذكار : فقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ بالله من الكفر والفقر ومن عذاب القبر. وكان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة، وأعوذ بك أن أظلم أو أظلم، ويأمر بذلك . رواه الإمام أحمد وغيره.

وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فإذا برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة، فقال: يا أبا أمامة مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: هموم لازمتني وديون يا رسول الله، فقال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.

قال: فقلت ذلك، فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى ديني.

وخلاصة ما نقول أن علي كل فرد إصلاح ذاته أولاً ، وله أن يتخذ من الوسائل كل وسيلة صالحة لإصلاح ذاته طالما كانت مشروعة ، ويأخذ بالأسباب كلها طالما كانت متاحة ، ومع الأخذ بكل هذه الأسباب المادية يبدأ في الأخذ بالأسباب الروحية والمعنوية الثابتة ، فهي مجربة وكلها بركة ، ولعلها تكشف بإذن الله هذه الغمة التي ليس لها من دون الله كاشفة.

ودمتم..

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار