اقتصاد

لماذا لايؤدى رفع سعر الفائدة إلى تخفيض التضخم على أرض المحروسة؟ محاولة للفهم

alx adv

 

يأتى التضخم، و هو الزيادة المضطردة فى الأسعار، عن طريق الخلل بين كلا من كميات العرض و الطلب من السلع و الخدمات. فالزيادة المستمرة فى الطلب مع ثبات أو انخفاض مقدار المعروض من السلع من المتوقع ان يؤدى الى ارتفاع الأسعار (التضخم). كذلك فإن انخفاض الكميات المعروضة من السلع و الخدمات مع ثبات رقم الطلب أو زيادته من شأنه أيضا أن يؤدى إلى ارتفاع الأسعار (التضخم). و على ذلك، يقدم الفكر الاقتصادى مدخلين اساسيين لمعالجة ظاهرة التضخم، على الأقل من الناحية النظرية، و هما: مدخل تخفيض الطلب العام على السلع عن طريق رفع سعر الفائدة و مدخل زيادة المعروض من السلع و تسهيل توافرها فى الأسواق. و سوف نتناول فى هذا الجزء المدخل الأول بشىء من الايضاح.
حينما تقوم البنوك المركزية بزيادة سعر الفائدة بهدف تقليل المعدل العام للتضخم (يعرف ذلك بأنه جزء من السياسة النقدية التى تتبناها البنوك المركزية) فان ذلك يقوم على الفرض الرئيسى التالى:
* سوف يترتب على رفع سعر الفائدة ارتفاع تكلفة التمويل لكل المشتريات التى يتم شراؤها بالاقتراض من البنوك أو بالتقسيط سواءً كانت هذه سلعًا (استهلاكية أو معمرة) أو خدمات. مما يؤدى بالتلقائية الى انخفاض الطلب على تلك السلع و انخفاض أسعارها.

و الآن، اذا كانت النظرية الاقتصادية تقدم هذا الحل السحرى البسيط لكبح جماح التضخم فلماذا لا يؤتى ذلك ثماره المرجوة فى كل الحالات و الظروف كما هى الحالة على أرض المحروسة؟
دعنا نجتهد معا فى الاجابة على هذا السؤال.
يعد مدخل رفع سعر الفائدة مؤثرا فى المجتمعات التى يتم فيه تمويل غالبية المشتريات (إن لم يكن جميعها) عن طريق الاقتراض من البنوك ابتداءا من الاقتراض لتمويل شراء او بناء العقارات، او لشراء السيارات و السلع المعمرة، و القروض التى يحصل عليها الطلاب لتغطية تكاليف دراستهم، و انتهاءا ببطاقات الائتمان التى هى فى الاساس تمويل عن طريق الاقتراض باسعار فائدة باهظة.
و يعتبر المجتمع الامريكى هو المثال الواضح لهذه الحالة.
فيكفى أن نعلم بأن إجمالى قيمة الديون على الافراد فى الولايات المتحدة الامريكية قد وصل ذروته ليصل الى 14.96 تريليون دولار خلال عام 2022 و ان متوسط اجمالى الديون للفرد الامريكى قد بلغ 58604$ و للأسرة الامريكية 158209$ و أن حوالى 77% من الأسر الأمريكية مدينين على الأقل بشكل من أشكال الديون، لعرفنا ان المواطن الامريكى يعانى من المديونية بسبب ممارسة الاقتراض و ان نمط إنفاقه لا يتناسب مع مستوى دخله الذى يحصل عليه فى الاجل القصير.
كذلك فان ثقافة استخدام كروت الائتمان Credit Cards تعد أحد السمات الرئيسية فى التعاملات اليومية فى كل مناحى الحياة بالولايات المتحدة الامريكية. ولك أن تتخيل ان كل الجهات الحكومية و غير الحكومية تفضل من يدفع لها عن طريق كروت الائتمان، و ان من ينفق عن طريق كارت الائتمان يحظى بكل ترحيب و احترام بينما من يحمل نقدية يشار اليه بكل أنواع الريبة و الخوف بسبب عدم الأمان من جهة أو احتمال الاتجار فى الممنوعات من جهة اخرى.
و قد ترتب على هذه الثقافة نحو استخدام بطاقات الائتمان إلى ان نسبة مستخدمى بطاقات الائتمان قد بلغت حوالى 90% فى عام 2021 و بلغ اجمالى مبالغ كروت الائتمان المتعامل فيها خلال الربع الاخير من عام 2022 الى 986$ بليون دولار بزيادة غير مسبوقة بحوالى 61$ بليون دولار خلال ربع سنة واحد مقارنة بالربع الثالث من نفس العام. و كنتيجة لهذه الثقافة أيضا، بلغ
متوسط مديونية الفرد عن المبالغ التى لم يتم دفعها لبطاقات الائتمان حوالى 7279$ فى ديسمبر 2022. و أن متوسط سعر الفائدة الذى يتم دفعه عنها فى حالة عدم سداد المبلغ المستحق قبل فترة السماح قد وصل خلال الربع الاول من عام 2023 الى رقما قياسيا لم يصله من قبل و هو 20.92% و ان حوالى 65% من مستخدم هذه البطاقات لا يمكنهم السداد خلال فترة السماح (حسب إحصائيات نوفمبر 2022).
كل ذلك يوضح بصورة جلية درجة ارتباط مستوى سعر الفائدة فى الولايات المتحدة الامريكية بنمط و مستوى الإنفاق على كافة السلع و الخدمات على المستوى الفردى و بالتبعية على المستوى القومى. فأى زيادة فى سعر الفائدة، حتى و لو كانت طفيفة، من شأنه أن يؤثر بشكل مباشر على تغيير نمط الانفاق و بالتالى تخفيض حجم الانفاق (الطلب) على السلع و الخدمات مما ينعكس بالسلب على مستويات الاسعار و كبح جماح التضخم.

و هنا يكمن الفارق الرئيسى بين طرق تمويل المشتريات فى الحالة الامريكية و الحالة المصرية التى تعتمد بشكل اساسى على التمويل النقدى لغالبية المشتريات التى يقوم بها الافراد بهدف الشراء او البناء العقارى، شراء السيارات، شراء السلع الاستهلاكية و المعمرة، الانفاق على الخدمات. فلا وجه للمقارنة بين التمويل بالاقتراض و التمويل النقدى الذى يتم على ارض المحروسة و الذى يمكن بسهولة أن يتم تفهمه لأسباب دينية و اجتماعية و ضريبية لا تشجع على التمويل بالاقتراض. و من شأن كل ذلك أن يفسر عدم حساسية مستوى الإنفاق على السلع و الخدمات (الطلب) للتغيرات فى سعر الفائدة. فعلى سبيل المثال و ليس الحصر، مازالت حتى الآن غالبية الصفقات الكبرى الخاصة بالقطاع العقارى و تجارة الاراضى و شراء السيارات تتم فى شكل نقدى و ان كان من الناحية الشكلية يتم القيام بها لدواعي الامان عن طريق البنوك، إما عن طريق تحويل الاموال بين الحسابات أو الايداع المسبق للاموال دون أن يكون ذلك عن طريق الاقتراض من البنوك لتمويل هذه الصفقات.

الخلاصة:
يمكننا الآن أن نصل إلى نتيجة منطقية مؤداها أن ظروف التمويل النقدى لغالبية المشتريات على أرض المحروسة و التى ترجع الى أسباب عديدة منها الدينية و الاجتماعية و ربما الضريبية، ووجود العديد من الانشطة الاقتصادية الغير مسجلة (الاقتصاد غير الرسمى)، كل ذلك من شأنه أن يحد من قدرة سياسة رفع سعر الفائدة على تخفيض مستوى التضخم أو حتى السيطرة عليه على أرض المحروسة. بل و انه يمكننا القول أيضًا بأن تبنى سياسة رفع سعر الفائدة دون مراعاة للأنماط و الظروف المختلفة فى مناطق مختلفة من العالم، حسب التوصيات المطلقة التى تقدمها المنظمات الاقتصادية العالمية، لا يعد فعالاً فى العديد من الحالات.
المصدر: اعتمدت الاحصائيات التى وردت فى هذا التحليل على التقارير التى ينشرها The Federal Reserve Bank of New York

حمى الله المحروسة من كل سوء .. و الله من وراء القصد.

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار