تغيرت قواعد السياسة في منطقة الخليج ، لم تعد أسيرة الأنماط الواحدة والتحالفات الواحدة. ولم يعد الانفتاح على دول جديدة ومنظومات دولية جديدة من باب الانحياز أو عدم الانحياز، بل صارت مصالحنا كدول وشعوب هي المعيار الذي على أساسه نلتقي او نتباعد مع الآخرين… ومن أهم هذه المصالح التنمية الاقتصادية الحقيقية التي تعطينا المكانة التي نستحق دولياً.
قررت دول الخليج، وفي الطليعة منها المملكة العربية السعودية، أن التغيير الداخلي من أجل مستقبل أفضل لا يمكن أن يتحقق من دون تغيير في السياسات الخارجية والعلاقات الدولية. وكان منطقياً لصاحب الرؤية سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي اتخذ خيارات صعبة أشبه بعمليات جراحية في الداخل أن يغير قواعد اللعبة في الخارج بما يخدم العبور إلى المستقبل، فنحن في قلب الممرات الاستراتيجية الدولية في ما يتعلق بالثروات وخطوط الملاحة… ونحن الأقدر على رسم المبادئ وفرض الشروط وليس تلقي المطالب.
هذه المبادئ ترجمت في استضافة المملكة لقاء قمة جمع الرئيس الأميركي بزعماء خليجيين وعرب. وترجمت في استضافة المملكة لقاء قمة جمع الرئيس الصيني بزعماء خليجيين وعرب. وترجمت في المشاركة الفاعلة لدول خليجية في اجتماع البريكس وانضمام بعضها الى المجموعة الاقتصادية القوية ورسم أدوار جديدة لها. وترجمت في المشاركة الفاعلة للمملكة والإمارات في قمة مجموعة العشرين في الهند التي أقرت خط التجارة الدولي الجديد بين الشرق والغرب. وترجمت في النشاط الذي لا يتوقف سواء عبر المشاركات في قمم اقتصادية محددة على مستوى العالم، أو في لعب أدوار للوساطة وتهدئة الأزمات، وتنويع مصادر التجارة والصفقات بما في ذلك مشتريات الأسلحة وغيرها… وترجمت في سياسة تصفير الأزمات مع دول الإقليم على قواعد الشرعية الدولية وحسن الجوار ونقل ملفات النزاع أو التعاون من البعد الدولي إلى البعد الثنائي.
شاركت الكويت في جزء من هذه الفعاليات الكبرى وغابت عن بعضها… إنما كيف يمكن أن تنتقل من الغياب أو المشاركة الى… الشراكة ؟
ليس سراً أن الكويت تعيش ركوداً داخلياً على مختلف الصعد يتبعه تراجع طبيعي في الدور الخارجي لظروف كثيرة لا نريد الخوض فيها الآن لأن الأولوية لاقتراحات الحلول لا للإطالة في التشخيص. وإذا كان النجاح يلهم في فكرة التعميم فلا بد أن يكون المسار السعودي الحالي هو النموذج المُقتدى.
من هنا، لا خيار سوى وضع اليد الكويتية في يد المملكة من أجل تكامل اقتصادي وتعاون تنموي. الشقيقة الكبرى كما يقال «من لحمنا ودمنا» وأثبتت في أكثر المراحل الوجودية وليس المفصلية فحسب بأنها ضامن صادق للعلاقات على قاعدة أن «الحياة والموت تساوت عندنا بعد احتلال الكويت، وما عاد فيه كويت وفيه سعودية، كلهم واحد يا نعيش سوا يا نموت سوا». حسب الكلام الخالد لخادم الحرمين الشريفين الراحل فهد بن عبد العزيز.
السعودية دولة مواقف ورؤية وخبرة وحققت في السنوات الأخيرة من إنجازات داخلية وخارجية ما تعجز دول أخرى عن تحقيقه في عقود. والكويت دولة تميزت سابقا بكونها منارة الخليج وستتميز مجدداً بدورها. والسير بخطى متلاصقة مع شقيقتنا الكبرى لا رهان فيه ولا مغامرات ولا شكوك ولا محاذير بعكس أي رهان آخر على أي طرف إقليمي ودولي. ومن نافل القول إن ما يجمعنا مع المملكة يكاد يكون استثنائياً في كل شيء، من التاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية والامتداد السكاني والعمق الاستراتيجي إلى المصالح المشتركة والتجارب التي أثبتت قوة العلاقة في امتحانات المحن والرخاء.
للشراكة متطلباتها، والتكامل الاقتصادي مع السعودية مصلحة كويتية بالدرجة الأولى، فكلما اتسعت الرؤية ضاقت التباينات، وكلما كبر بيت التعاون اشتد عود ساكنيه وصعب اختراقه.
التكامل الاقتصادي مع السعودية ليس كلاماً عاطفياً أو شعاراً سياسياً، بل هو المسار الذي سيفتح آفاقاً جديدة على صعد الأسواق الاقليمية والعالمية، ويوجه الاستثمارات إلى مناطقها الصحيحة، وينعش مسارات التجارة، ويحقق معدلات تنموية غير مسبوقة، ويعيد ترسيخ معادلة التوازن بين الدور الخارجي الكويتي وقوة الاقتصاد الداخلي… والأهم أنه سيشكل قاعدة أمن وأمان بفعل الحجم الهائل للقدرات المتكاملة التي تضمن النهوض عند كل تعثّر، فالتجربة السعودية الحالية مصدر إعجاب واقتباس من دول العالم الصناعي التي تراقب وتحكم على الأرقام والمعدلات وليس على التصريحات.
في لقائه الأخير مع شبكة «فوكس» الإخبارية الذي ميزته الأرقام، بدا الأمير محمد بن سلمان أكثر تصميماً على تسريع العمل وتوسيع الرؤية. وصف المملكة بأنها أعظم قصة نجاح في هذا القرن.. والتكامل الاقتصادي مع المملكة لا يعني أن نكون فصلاً في هذه القصة بل شركاء في العنوان ومسارات التنفيذ.