من بين الحين إلى الأخر يتعرض العالم لبعض الأزمات المالية التى تتنوع ما بين أزمات مصرفية ، أزمات الأسواق المالية الدولية وأزمات المديونية الخارجية الممثلة فى عدم مقدرة الدول على سداد مديونياتها الخارجية نتيجة أرتفاع مستويات التضخم، عجز الميزان الجارى والتوسع المفرط فى الإقتراض. والقاسم المشترك والمسبب لأغلب تلك الأزمات إختلالات فى سياسات وإجراءات إقتصاديات الدول الكبرى التى تؤثر على أقتصاديات تلك الدول بشكل مباشر ولكن يكون لها الأثر الأكبر على أقتصاديات الأسواق الناشئة ومنها مصر. فالأزمات المالية عبارة عن حالة من الأنخفاض الحاد فى الأسواق المالية الدولية يصاحبها إنهيار مفاجىء فى بعض المتغيرات المالية الرئيسية مثل حجم الأصدارات من الأوراق المالية ، أسعار الأسهم والسندات ، قيمة القروض والودائع المصرفية وأيضا أسعار الصرف. وفى الغالب تؤدى تلك الأزمات إلى حدوث إنهيار فى أسعار الأصول الملموسة (العقارات والأراض) والأصول المالية (الأسهم والسندات) والأوراق المالية بشكل عام نتيجة المضاربة على أسعار تلك الأصول وتداولها فى الأسواق المالية بأسعار مبالغ فيها Overpriced لا تعكس قيمتها الحقيقة Fair Price ثم إلى تكوين فقاعة سعرية تنهار فيها الأسعار السوقية لهذه الأصول فى أى لحظة.
فالأساس فى علم التمويل هو الأستثمار فى الأصول بغرض الحصول على عائد يعوض المستثمر عن فترة الأنتظار التى أرتضى التخلى فيها عن أموالـه وإتخاذ قراره للإستثمار فى الأصل وتأجيل أنفاق هذا المبلغ فى حينه Deferred Consumption ويعوض المستثمر أيضا عن إحتمالية إرتفاع معدلات التضخم (أرتفاع أسعار الأصول خلال فترة الأستثمار( ومع إختلال تلك المعادلة تحدث المضاربات بمعناها الواسع مدعومة بجشع أصحاب رؤوس الأموال وتنهار الأسواق فى أى لحظة محدثة أزمات مالية على مستوى الدولة أو عدد من الدول مثل الأزمة المالية بجنوب شرق أسيا. ولعل وجود رؤوس الأموال الساخنة Hot Money يساعد على إنتقال تلك الأزمات عبر الدول بسرعة فائقة حيث تنتقل تلك الأموال عبر البلدان للأستثمار فى الأصول معتمدة على وجود إختلالات سعرية على نفس الأصل أذا كان يتم التداول علي ذات الأصل فى أكثر من مكان أو الأستفادة بتحقيق عوائد سريعة مرتفعة وخاصة فى الأسواق الناشئة التى تعتمد على تسعير بعض الأصول المالية مثل أذون الخزانة Treasury Bills بأسعار مرتفعة نسبيا لجذب تلك الأموال.
أن الأزمات المالية ما هى الأ نتاج لهشاشة وسؤ إداء وإدارة النظام المالى الحالى سواء على مستوى العالم أومستوى البلد على حد سواء. ومن أهم تلك الأزمات أزمة الكساد الكبير فى عام 1929 والتى أستمرت عشر سنوات وبدأت بالأنهيار الكامل ببورصة وولستريت بأمريكا وتم أشهار الأفلاس لنصف البنوك الأمريكية ووصل عدد العاطلين إلى 15 مليون شخص تقريبا وقد أثرت على باقى دول العالم تباعا. أزمة عام 1973 حيث قررت الدول المصدرة النفط وهم أعضاء منظمة الأوبك منع تصدير البترول لأمريكا وحلفائها من الدول الغربية وصنفت تلك الأزمة بأنها ازمة ركود تضخمى. أزمة أسواق شرق أسيا 1997 التى بدأت فى تايلاند وأمتدت إلى باقى دول جنوب شرق أسيا بسبب الأفراط الغير مسبوق فى الديون. وأزمة الرهن العقارى فى عام 2008 بأمريكا. وأزمة الديون الأوربية عام 2008 حيث أعلن عدد من الدول فى منكقة اليورو عجزهم عن السداد مثل البرتغال ، اليونان ، قبرص وأخيرا أمتدت لتصل أسبانيا. وحاليا أزمة سلاسل الأمتداد والتموين بسبب جائحة كورونا وأدت وما زالت إلى أرتفاع معدلات التضخم على مستوى العالم وبدرجات متفاوتة إلى معدلات غير مسبوقة وأخير أزمة الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعيتها على الأقتصاد العالمى ومنها مصر.
وقد دفعت تلك الأزمات جميعها صانعى السياسات المالية والنقدية على مستوى العالم إلى تحديث المستمر للأنظمة الرقابية ، السياسات والإجراءات الكفيلة بالحفاظ على الإستقرار المالى العالمى ، إدارة التكلفة Cost Management للتحكم فى عجز الحساب الجارية للدول ، بناء سيناريوهات التحليل والتوقع بإستخدام نماذج الصدمات المالية على الأجل القصير والمتوسط ، تفعيل أنظمة وحلول مالية مبتكرة ، أتباع سياسات إدارة المخاطر ولا يحقق تلك السياسات غير متخصصي التمويل. فنحن فى حاجة ماسة لمهندسى التمويل Finance Engineers والإسراع فى إتخاذ القرارت التمويلية العاجلة دون التأخير الذى يكلف الكثير والكثير لإستمرارية المشروعات للأجيال القادمة وتحقيق التنمية المستدامة.
وللحديث بقية أذا كان فى العمر بقية ،،،،،،،
دكتور/ حسن حافظ القصرى
الرئيس التنفيذى والعضو المنتدب للشركة المصرية المالية للتصكيك السيادى
أستاذ التمويل المساعد غيرمتفرغ – كلية إدارة الأعمال الدولية
الجامعة المصرية اليابانية للعلوم والتكنولوجيا