الشيخ محمد صباح السالم حفظك الله
تحية الأمل بغد أفضل، ومن يعرفك يعرف أنك ما تسلمت منصبا الا وتركت فيه بصمة إيجابية، وأنك من القلائل الذين يتمتعون بفكر ثاقب ورؤية صافية وأسلوب إدارة علمي، وانك كنت من أوائل الذين حذروا من سير الاقتصاد في البلاد على سكة واحدة وتخوفت من تكرار تجارب كثيرة عالمية اعتمدت على “الهون ابرك ما يكون” من دون سعي حقيقي لتنمية مستدامة أساسها الاستفادة الأمثل من القدرات… كل القدرات.
الشيخ محمد
اعانك الله على تحمل المسؤولية وأنت اهل لها. سليل بيت حكم تشربت الإدارة بالفطرة وتكسبت الخبرة بالعلاقات اليومية مع رموز تاريخية نترحم عليها وأخرى نتمنى لها طول العمر. ابن المسيلة ودسمان، ترعرعت تحت جناح والد أمير وعم أمير وأربعة اخوال امراء. زد على ذلك تجربتك الشخصية في المسار الدراسي الذي اخترته والطريق الأكاديمي الذي مشيته والمجال العملي الذي ارتضيته والخبرة الديبلوماسية والحكومية التي صقلتك.
وارث أصول الحكم في الجينات، وحاصد الخبرة في التجربة الغنية. لكن العاملين المذكورين لا يكفيان لممارسة المسؤوليات الجسام أو لمواجهة التحديات التي تنتظرك. ونحن نعترف قبلك أن الظروف التي نعيشها ليست مثالية وان أحدا لا يملك عصا سحرية لوقف التراجع وإعادة الكويت الى الريادة التي كانت عليها… انما الاجتهاد والإرادة والعزم لطالما كانت عناوين مسارك، وحسبك أنك فعلت ما تمليه عليك طاعة الله وراحة الضمير.
ومرة أخرى، من يعرفك يدرك أن فلسفتك في العمل قائمة على الفريق النوعي، ولذلك صار واضحا أنك لم تقبل هذه المسؤولية الا لكونك تريد اختيار فريق عمل متناغم يعمل وفق برنامج واضح. مواصفات أعضاء الفريق النزاهة والاحترافية والخبرة بعيدا من المحاصصة التقليدية والمحسوبيات. الوزير الناجح والمستشار الكفؤ والمدير المتألق هو ناجح وكفؤ ومتألق لأنه يجمع هذه الصفات لا لأنه رجل او امرأة ولا لأنه من هذه القبيلة او تلك او هذا المذهب او ذاك او هذه المنطقة او تلك. اختيار الفريق مسؤوليتك الأولى كي تتمكن من العمل وفق برنامج تلتزم به الحكومة وتحدد له تواريخ محددة للإنجاز.
بعد ذلك، نتمنى ألا تقع في الخطأ الجسيم الذي وقع فيه اسلافك. أي أسلوب التعامل التقليدي مع مجلس الأمة، حيث الصوت العالي يحسم جزءا كبيرا من العلاقة باتجاه الترهيب ثم التطويع. لا نريد للحكومة المقبلة ان تكون أسيرة المجلس وهي الظاهرة الممتدة عبر سنوات. نعلم ان الإرث سيثقل كاهلك وأنك غير مسؤول عن مساره سابقا انما لا بد ان “يعلق” أحد الجرس، وينقل العلاقة بين السلطتين إلى تعاون حقيقي لخدمة التنمية لا على قاعدة معاملات “اللا مانع” او الصفقات والتسويات او القوانين الشعبوية التي ترهق الخزينة.
وهناك ظاهرة تعاظمت في الفترة الأخيرة وتم تسويقها عند المسؤولين، قوامها ان من يسيطر على البرلمان هم مجموعة صغيرة من أصحاب الصوت العالي الذين يتبعهم نواب كثر، وأن التسويات التي تتم من خلالهم كافية لإقناع الغالبية وهذا خطأ كبير، إذ ان المجلس زاخر بمجموعة من النواب الشبان الذين نتمنى ان تضع يدك في يدهم وهم أصحاب أفكار مميزة وتجربة تشريعية جيدة ويمكن الاستفادة منهم الى اقصى حد بدل ان يكونوا ضحية أي اتفاق بين الحكومات ومجموعة محددة اقنعتها بأنها صاحبة القرار وحاملة مفاتيح التعاون.
وإذا كانت القاعدة الثابتة ان الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل فأنت أكثر من طبق هذه القاعدة في المناصب التي تسلمتها لإيمانك بقدراتهم وطاقتهم الإيجابية وحيويتهم وقدرتهم على العمل والانجاز، والنواب الشبان يستحقون التعاون المثمر من قبلكم لإقرار تشريعات فاعلة.
والمجال هنا لا يكفي لتعداد التمنيات والآمال بإصلاح سياسي يبدأ من اصلاح النظام الانتخابي، وبإصلاح اقتصادي عماده الثورة الإدارية المطلوبة والـ”مؤجلة دائما”، وبإصلاح قانوني يسمح بتحويل الكويت مركزا ماليا ويخفف من القيود على التوسع الاستثماري والمالي… ونحن أكثر الناس ايمانا بأن كل هذه الإصلاحات تشكل هاجسا دائما لكم سواء كنتم خارج السلطة أو داخلها.
الشيخ الدكتور محمد صباح السالم
في عهد والدكم المغفور له بإذن الله الشيخ صباح السالم عاشت الكويت أزهى عصورها على كل المستويات، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ورياضيا وفنيا وثقافيا… اليوم جل ما نتمناه ان يعاد ذلك التاريخ من خلالك لنردد جميعا: من شابه اباه فما ظلم
* ناشر صحيفة الراي الكويتية