شعبة الأدوية: مصر تستورد نحو 90% من مدخلات الصناعة وكتابة “الاسم العلمي” تُحد من الأزمة
الحق في الدواء: هناك فساد وتلاعب ومجاملات في التسعير
شعبة الصيدليات: ينبغي المراقبة السليمة لتوزيع الدواء داخل السوق
صيادلة القاهرة: الأزمة مصطنعة من بعض الشركات
كتب- أسامة عبد الله/ عبد المجيد عبد الله
شهدت أسعار الأدوية في السوق المحلية ارتفاعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة، تأثراً بأزمة تغيير أسعار الصرف في البلاد، وزيادة تكلفة المواد الخام ومستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج، والتي يتم استيرادها نظراً لعدم وجودها في مصر.
وتشهد معظم الصيدليات على مستوى محافظات الجمهورية نقصاً في عدد من أصناف الأدوية خلال الفترة الأخيرة، والتي تهم الكثير من المواطنين واختفاء البعض الآخر، والتي تمثل أهمية كبيرة لحياة بعض المرضى، الذين يعتمدون عليها في علاج العديد من الأمراض المزمنة والمشاكل الصحية.
وشهدنا خلال الأيام الماضية العديد من الشكاوى واستغاثات مؤخراً على منصات التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، و”إكس”، “تويتر”، بسبب ارتفاع أسعار العديد من الأدوية واختفاء بعضها من الصيدليات وندرتها في السوق مثل: (أدوية السكر والكبد والكلى والغدة الدرقية، والسرطان).
ووفق شعبة الأدوية بغرفة القاهرة التجارية، على لسان الدكتور علي عوف رئيس الشعبة، أسعار الأدوية في مصر زادت بشكل كبير لعدد من الأصناف خلال الفترة الأخيرة، فقد وصلت زيادات الأسعار في 2000 صنف دوائي منذ أواخر العام الماضي وحتى الآن، من أصل قرابة 17 ألف صنف متداول في السوق المصرية، بنسبة 20%، موضحاً أن أسعار الأدوية قفزت مدفوعة بالزيادة الكبيرة في تكاليف استيراد مدخلات الإنتاج، التي قفزت أسعارها بعد الزيادات المتتالية لسعر الدولار منذ أبريل 2022.
وقال عوف، إن مصر تستورد نحو 90% من مدخلات الأدوية المُصنعة محلياً من الهند والصين لانخفاض التكلفة، متابعاً: يعمل 180 مصنعاً في قطاع الأدوية بحجم عمالة مباشرة وغير مباشرة يصل إلى نصف مليون عامل.
وتابع عوف أن صناعة الدواء في مصر استراتيجية لا غنى عنها، بدليل أن مصر خلال جائحة كورونا امتلكت مخزوناً استراتيجياً من الدواء، مشيراً كما أن نسبة الزيادة في الأسعار نفسها تختلف حسب نوع الأدوية، فمثلاً أدوية الأمراض المزمنة تكون أقل في نسب الزيادة لأن المريض يستخدمها باستمرار، أما في حالة الأدوية غير المزمنة، أو المكملات الغذائية التي قد يستغنى عنها المريض فنسبة الزيادة تكون أكبر قليلاً.
وأكد رئيس شعبة الأدوية، أن الزيادات الأخيرة في الأسعار لم تُحقق المستهدف بالنسبة للشركات، ومن ثم تحتاج الاتفاق مع هيئة الدواء الجهة المختصة عن مراجعة الأسعار على آلية جديدة لتحريك الأسعار، لافتًا إلى أن هناك أموراً كثيرة أسهمت في الزيادة من عمالة تحتاج إلى نفقات ومصاريف، بالإضافة إلى سعر الصرف وزيادة سعر الدولار، كذلك أسعار كافة المستلزمات اليومية للمواطن المصري.
وعن أزمة نقص أدوية الغدة الدرقية وبعض أدوية الأنسولين، أكد عوف أن المواطنين اعتمدوا على المنتج المصري في دواء الغدة وذلك ضمن خطة الدولة لتوطين الصناعة منذ 2014، موضحاً أن أدوية “الضغط والأنسولين والسكر” موجودة في الأسواق، وهناك أنواع محددة من حقن الأنسولين أُشيع أنها تساعد على التخسيس ولهذا يتم سحبها بكثرة من الصيدليات، منوهًا بأن كل دواء في مصر له مخزون استراتيجي من 3 لـ6 أشهر.
وأضاف أن هناك أكثر من صيدلية تابعة للدولة تتوفر بها كل الأدوية بالروشتة والرقم القومي، ومن 4 أشهر كانت أدوية الغدة تشهد سحباً كبيراً واليوم متوفر البديل بنفس المادة الفعالة والكفاءة، وأدوية الغدة تقاس كل شهر، ولو لم تعط النتيجة لن تستمر في السوق.
وتابع أنه بالنسبة للأدوية التي ليست لها بدائل موجودة في صيدليات الشركة المصرية لتجارة الأدوية، يتم صرفها بالروشتة وبطاقة الرقم القومي للمواطن، أما الأدوية التي لها بدائل ، المواطن يسأل عنها بالاسم التجاري، بالرغم أنها متوفرة بالاسم العلمي من شركات كثيرة، وهو ما يزيد من المشكلة ولا بد من تغيير هذه الثقافة.
وعن حل أزمة نقص بعض الأدوية في السوق المحلي، أكد رئيس شعبة الأدوية، أن الحل لا بد من تغيير ثقافة المجتمع وعادات الأطباء في مصر، وعلى سبيل المثال “الطبيب الذي تعود على دواء أو عقار معين يبدأ أن يتفهم المتوفر الاسم العلمي ولا يعتمد على الاسم التجاري مثلما يحدث في كافة الدول الأوروبية وفي مصر أيضاً بمستشفيات التأمين الصحي ووزارة الصحة، وهذا الأمر يحل الكثير من مشاكل أزمة نقص الأدوية.
وتابع أن الفترة الماضية شهدت نقصاً في بعض الأدوية المستوردة، بالإضافة إلى أن أزمة البحر الأحمر وإغلاق باب المندب خلال الفترة الأخيرة، أدت إلى زيادة تكلفة الشحن والتأمين وزيادة على الصناعة، لكن هناك بدائل محلية يمكن أن تحل محلها، كما أن الأدوية الأجنبية التي لا بديل لها توفرها الشركة المصرية لتجارة الأدوية التابعة للحكومة المصرية وتصرفها للمرضى بموجب “وصفة طبية معتمدة أو بالرقم القومي”.
وفى سياق متصل يقول محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، إن مصر تشهد منذ 2022 زيادات متتالية في أسعار الأدوية، وهى زيادات عالية تصل لـ 30% وفي بعض الأحيان 120%، ومؤخرًا زادت أسعار 1650 صنفاً دوائياً عن العام الماضي، وهي نسبة كبيرة، وهذا يرجع لإشكالية مهمة جداً وهي أن صناعة الدواء تعتمد على خامات مستوردة تأتي من الخارج بما يمثل 90% أو 92% من الأدوية، وبالتالي فإن السوق الحالية مرتبطة بسعر الصرف.
وأضاف فؤاد أن الدواء يتم تسعيره جبرياً ولا يجوز تحريك سعره إلا عن طريق مجلس الوزراء أو بقرار من المجلس، ولكن منذ تأسيس هيئة الدواء في 2019 تم منحها اختصاص تحريك السعر وليس زيادة السعر.
وأكد أن شركات الأدوية تكبدت خسائر كبيرة، وبالتالي هناك اتفاق شفهي ضمني بين الشركات بالحصول على بلوك معين من الأدوية، بشرط عدم التوقف عن الإنتاج أو التوزيع ويتم تعويض الخسائر.
ولفت إلى أن من وجهة نظره أن هذه العملية في الحقيقة يوجد بها فساد وتلاعب ومجاملات في التسعير، على سبيل المثال لا يعقل أن يكون هناك صنف بـ 10 جنيهات ويباع ومطلوب في السوق بهذا السعر، ثم فجأة يصبح بـ 100 جنيه، ما الذي حدث لكي يرتفع بهذه النسبة، لافتاً إلى أن الشركات لا تطرح الدواء من أجل عيون المواطن ولكن هدفها الأول المكسب.
من ناحيته يقول الدكتور عادل عبد المقصود، رئيس شعبة الصيدليات السابق بغرفة القاهرة التجارية، إن السبب الرئيس في نقص الأدوية بالسوق يرجع إلى قلة العملة الأجنبية وتحديداً الدولار، فنحن نستورد الخامات بجانب العديد من المواد الأخرى، التي يتم تصنيع الأدوية والمنتجات المحلية من خلالها.
وأضاف عبد المقصود أن هناك عدداً من الشركات والمصانع، التي تحظى بفائض مالي من الناحية التصديرية بالنسبة للدواء، والتي من الممكن أن تكون في غير حاجة لهذا الفائض من العملة الصعبة، حيث من الممكن الاتفاق والتعاون مع مثل هذه الشركات والمصانع والاستفادة من هذا الفائض.
وتابع أن هناك نواقص عديدة في الأدوية ظهرت خلال الفترة الأخيرة، منتقداً شخصيات تمثل قطاع الصيدلة والدواء تظهر على القنوات الفضائية ووسائل الإعلام يومياً تنفي أن هناك نقصاً، وهذا الأمر غير صحيح كما يقال مثل “النعامة التي تدفن رأسها في الرمال”، مشيراً إلى أنه يجب الاعتراف بأن هناك نقصاً بالفعل وعلينا معرفة الأسباب.
وأضاف أن من أهم عوامل وأسباب نقص الأدوية عدم إمكانية الاستيراد نظراً لشُح العملة الأجنبية “الدولار” وهي المشكلة التي تؤرق مصانع الأدوية في مصر، لافتاً إلى أن مصر تنتج 92% من الأدوية المحلية والباقي يتم استيراده من الخارج، ومعظم الأدوية المستوردة يوجد جزء كبير منها له بدائل محلية لكن المشكلة في نقص وعجز المادة الخام بسبب الشُح الكامل للعملة “الدولار” في الاستيراد، بالإضافة إلى عدم التواصل بين هيئة الدواء والقطاع الصيدلي، لمعرفة وضع العنصر الدوائي والوقوف على أسعاره ومتابعتها.
وتابع عبد المقصود أن هناك عوامل أخرى منها عدم المراقبة السليمة 100% لأسلوب توزيع الدواء داخل السوق المصرية لأن لدينا منتج “محلي، مستورد”، قائلاً: عندما تأتى كميات مستوردة بأقل من احتياجات السوق المصرية تتحكم فيها مجموعة معينة، ونظراً لأزمة العملة فيكون على سبيل المثال حصة الصيدلية قطعة واحدة ولكن هناك “جهات مشبوهة” تعلن عن وجود 600، أو 1000 عبوة لديها، فيلجأ إليها الصيدلي لشراء عبوة أو ثلاث فتباع له بأضعاف ثمنها، وإذا كان ثمن العبوة الحقيقي 100 جنيه تباع له بـ500 جنيه، متسائلاً من أين حصلت هذه الجهات على هذه الأدوية؟ وكيف تترك هكذا للتحكم في سوق الأدوية؟.
وطالب رئيس شعبة الصيدليات السابق، بالالتزام بما جاء في الدستور المصري، بأنه يجب على السلطات التنفيذية الالتزام بالتوازن في المراكز القانونية بمعنى عند خروج قانون أو قرار من وزير أو رئيس مجلس الوزارء أن يطبق على جميع الفئات ولا يستثنى فئة عن أخرى.
وعن حل أزمة النواقص، خاصة أن هناك مرضى لا يمكنهم الاستغناء عن بعض الأدوية المهمة مثل “الضغط، القلب، السكر، الكبد، السرطان”، أكد أنه يجب اجتماع عاجل بين رئيس هيئة الدواء المصرية الجديد مع شيوخ وخبراء مهنة الصيدلة وقطاع الدواء الذين يمارسون العمل على أرض الواقع ويشعرون بالمشكلة وأيديهم في العمل، وليس مُمثلين عن قطاعات بعيدة عن الدواء والصيدلة، مشيراً إلى أن المكان الرسمي والمصدر الوحيد والشرعي لبيع الدواء هو الصيدليات وليست المستشفيات لأن المريض يعرف الصيدلية، منتقداً قرار بعض المسئولين في أحد القطاعات التابعة لهيئة الدواء بتوزيع بعض الأدوية المهمة على المستشفيات الخاصة والعامة.
وأردف أن هناك قراراً من هذا القطاع بالهيئة موزع على الشركة المصرية لتجارة الأدوية المعنية بالتوزيع على الصيدليات وفروعها المنتشرة في كافة المحافظات، بأن هذه الأدوية لا توزع أو تباع إلا على المستشفيات، وهذا الأمر حدث معي بالفعل، وبسؤال عن هذا الأمر في أحد فروع الشركة المصرية لتجارة الأدوية التي أتعامل معها أكدت أننا نوزع لـ 2 من المستشفيات الأولى رفضت الاستلام بدعوى أن الشركة تطلب الأموال نقداً “كاش” ولا توجد سيولة الآن، وبالتالي تظل الكمية التي يتم صرفها من الهيئة بالشركة مخزنة والسوق في أشد الاحتياج إليها نتيجة لقرار غير مدروس وبدون رقابة من قطاعات الهيئة المسئولة عن الدواء في مصر وهنا تظهر مشكلة النواقص وارتفاع الأسعار، مطالباً رئيس الهيئة الجديد الدكتور على الغمري بضرورة التحرك والجلوس مع خبراء المهنة والمتعاملين بالسوق الحر لمعرفة مشاكل سوق الدواء والاستماع إليهم حتى يتم حل الأزمة على حد قوله.
وأشار إلى أنه يجب تسجيل كافة الأصناف الدوائية الجديدة بهيئة الدواء، فهناك العديد من الأصناف التي يتم تسجيلها بهيئة الغذاء، مما يعني إمكانية صرفه من المحال التجارية، وكذلك التلاعب بالأسعار ووضع كل تاجر السعر وفقاً لأهوائه، لذلك لابد من ضرورة عمل تسعيرة من جانب الجهات المختصة، ووضع تسعيرة واتخاذ الإجراءات القانونية لمن يخالفها.
وفى سياق متصل، قال الدكتور أسامة كمال، صيدلي حر بسوهاج ومالك إحدى الصيدليات، إن وجود نواقص بالصيدليات، يسمح بتوافر أدوية مغشوشة ويفسح لها الطريق، لافتاً إلى أن الأدوية المغشوشة انتشرت مؤخراً بسبب تزايد انتشار البيع عبر الإنترنت والواتس آب، من مصادر مجهولة.
وأوضح كمال، أن كل عبوة دواء يتم بيعها داخل الصيدلية بها هامش ربح محدد، وفق قرار وزاري وهو 25% للأدوية المحلية و18% للأدوية المستوردة، وتوجد قائمة من الأدوية الأساسية هامش ربحها 20%، ويتم تصنيف الأدوية باعتبار الأساسية وغير الأساسية.
وقال الدكتور محمد رضوان، صيدلي بمنطقة العجوزة، إن البيع بتسعيرتين يسبب حرجاً للصيدلي، فكيف له أن يقوم ببيع صنف بـ100 جنيه، وصيدلي آخر يبيعه بـ 80 جنيها، لافتاً إلى أن ذلك يجعل المشتري متشككاً في صدق الصيدلي.
أوضح رضوان، أن قرار انتهاء الصلاحية “الاكسبيرد” لم يفعل من جانب شركات الأدوية، وأن الصيدلية تمتلئ بالأدوية الاكسبيرد، مما يؤثر على ميزانية الصيدلية في عمليات السحب من المخازن بسبب السيولة المالية.
ووصف الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة صيادلة القاهرة، نقص بعض أنواع الدواء بأنه “أزمة مصطنعة”، وأن وراءها بعض الشركات، تتعاقد مع أطباء لوصف منتجاتها للمرضى، وينصحون مرضاهم بعدم قبول البديل.
وأوضح رمزي، أن طلب المرضى لنوع معين من الأدوية، يدفع الصيدليات لطلب المزيد منه، لكن ومع أي خلاف بين الأطباء والشركة المتعاقدة معهم، يكفون عن كتابة نفس النوع من الدواء، فيتعرض للركود فجأة، وقد يظل حتى تنتهي صلاحيته.
وأكد رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة صيادلة القاهرة، أن بعض الشركات تبيع الدواء للصيدليات بـ “زيرو خصومات”، وهو ما يعني في قاموس الصيادلة أنه بدون أي هامش ربح، ونتيجة لهذا تحجم الصيدليات عن شرائه، وعندما يسأل المرضى عنه، يقال لهم: “ناقص في السوق”.
وأضاف أن “95% من المواد الفعالة والخام المستخدمة في صناعة الدواء تستورد من الهند والصين، مشيراً إلى أن مصر بها أكثر من 300 ألف صيدلية.
وطالب رمزي بإلزام الأطباء بكتابة الاسم العلمي على الروشتة، لا الاسم التجاري، معتبراً أن هذا يكفي لحل 95% من مشاكل نقص الدواء بالأسواق.
وأوضح أن إلزام الصيدلي ببيع الدواء بسعره القديم يدفعه للإنفاق من رأس ماله لشراء الدواء بسعره الجديد، وهو ما أثر بالسلب على اقتصاديات الصيدليات وقطاع التوزيع، لافتاً إلى أهمية تصحيح قرار الواش أوت أو الأدوية منتهية الصلاحية، لدى الصيدليات، وإلزام الشركات بتنفيذه.
وحسب تصريحات لـ رئيس هيئة الدواء، الدكتور علي الغمراوي، فإن الهيئة تبذل قصارى جهدها للتعامل مع ملف الغش في الدواء، من خلال تطوير منظومة متكاملة للتتبع والرقابة، من أجل ضبط السوق المحلية.
وأضاف الغمراوي، في تصريحات صحفية، أن الهيئة تضع مقترحات لتطوير الأداء، مؤكداً التزام الهيئة بمتابعة جهود ضبط أسعار الدواء في الأسواق.
وقال رئيس الهيئة إن رؤية الهيئة تتضافر في مواصلة الجهود للتعامل مع ملف الغش في الدواء، وذلك من خلال تطوير منظومة متكاملة للتتبع والرقابة، لافتا إلى حرص الهيئة على تطوير الأداء بمجال صناعة الدواء المصرية.