قدم منذ أيام قليلة معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام (GIPRI) طلباً إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، للتحقيق معها بتهمة التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي , وفى دراسة حديثة للمفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان (تجريد إسرائيل من الداعمين لها بمحاكمة المتواطئين معها , واستقلال جريمة التواطؤ فى النظام العقابى الدولى لجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين)
ونعرض لدراسة الفقيه المصرى فى نقاط مهمة أهمها أن كل من يقدم العون أو التحريض أو المساعدة بأى شكل فى جرائم الإبادة الجماعية وضد الإنسانية وجرائم الحرب يسأل فردياً أمام الجنائية الدولية , وإشكالية التواطؤ فى الإبادة الجماعية فى فكر النظام الجنائى الدولى , والمتواطئون ليس لديهم خطة الإبادة الجماعية، لكنهم يعلمون أنها النتيجة المتوقعة لأفعالهم . وكيف يتحقق التواطؤ في الحرب العدوانية دون تطلب شرط القيادة ؟
ما هو نوع التواطؤ الذى نسبه معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام ( GIPRI) ضد رئيسة المفوضية الأوروبية بشأن جرائم حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين ؟
يقول الدكتور محمد خفاجى ” بإمعان النظر فى طلب معهد جنيف الدولي لأبحاث السلام ( GIPRI) المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، للتحقيق معها بتهمة التواطؤ في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفي قطاع غزة انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي تمثل فيما يلى :
1-الدعم غير المشروط الذي تقدمه السيدة أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية لإسرائيل فى المجالات العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية والسياسية مما كان من شأنه أن مكّن إسرائيل من ارتكاب جرائم حرب والإبادة الجماعية المستمرة في غزة. وفشلها في اتخاذ إجراءات في الوقت المناسب نيابة عن المفوضية الأوروبية المساعدة في منع الإبادة الجماعية على النحو الذي تقتضيه اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948. خاصة بعد أمر التدابير المؤقتة الذي أصدرته محكمة العدل الدولية فى 26 يناير 2024 ضد إسرائيل.
2- تواطؤها أيضاً في انتهاكات المواد 6 و7 و8 من نظام روما الأساسي من خلال مجموعة من الأفعال الإيجابية بصفتها الرسمية كرئيسة للمفوضية الأوروبية. تشمل الأفعال الإيجابية ما يلي: بالنسبة للدعم العسكري لإسرائيل: لعبت السيدة فون دير لاين، بصفتها الرسمية كرئيسة للمفوضية الأوروبية، دورًا فعالًا في تأمين توفير الوسائل، في شكل دعم عسكري، لجيش الدفاع الإسرائيلي. خلال الفترة من 2019 حتى 2023. وبالنسبة للدعم الاقتصادي والمالي لإسرائيل:تحقق بشأنها سواء من خلال رفض اتخاذ أي خطوات نحو تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، أو من خلال الترويج لأدوات التعاون الجديدة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وسط الهجوم الإسرائيلي الحالي على غزة. أخذاً فى الاعتبار أنه يتوفر لدى النية والوعى بالوضع المستمر في غزة، وعلمها بأنه يشكل انتهاكًا للقانون الدولي. ”
كيف يتحقق التواطؤ في الحرب العدوانية دون تطلب شرط القيادة (ممارسة السيطرة الفعالة أو توجيه العمل السياسي أو العسكري للدولة)
يطرح القاضى المصرى تساؤلاً حول كيفية تحقيق التواطؤ في الحرب العدوانية دون تطلب شرط القيادة فيقول ” من السائد فى فكر السوابق القضائية للمحكمة الجنائية الدولية أن جريمة العدوان تتطلب ما يسمى بشرط القيادة بأن يكون مرتكب الجريمة في وضع يسمح له بممارسة السيطرة الفعالة أو توجيه العمل السياسي أو العسكري للدولة. وقد ترتب على هذا المفهوم أن الأفراد العاديين مستبعدون من نطاق المسئولية الجنائية بركيزة أنهم يفتقرون إلى السلطة اللازمة على سياسة الدولة. ومع ذلك فالرأى عندى أن جريمة التواطؤ الإجرامي تتحقق في الحرب العدوانية دون تطلب شرط القيادة أى دون ممارسة السيطرة الفعالة أو توجيه العمل السياسي أو العسكري للدولة وذلك طالما تحققت الإعانة بأى أشكال الدعم والتحريض ”
ويضيف ” إن التواطؤ شكل من أشكال المسئولية الجنائية عن المشاركة في الجريمة , فينخرط مع الفاعلين الرئيسيين، الشركاء بنشاط في العمل المعقد لتحقيق النتيجة الإجرامية. وهؤلاء الشركاء لا ينفذون أعمال الارتكاب الفعلية على مسرح الجريمة ولكنهم يساهمون في الجريمة بطريقة ذات صلة جنائيًا.إذ ينشط المتواطئون ويحرضون أو يساعدون أو يؤثرون على سلوك الجناة بالمساعدة أو التحريض , فجوهر المساعدة أو التحريض هو التأثير وهو النموذج الجوهرى للتواطؤ .”
إشكالية التواطؤ فى الإبادة الجماعية فى فكر النظام الجنائى الدولى
ويذكر ” قررت المحكمة الابتدائية للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا عام 1998في قضية المدعي العام ضد أكايسو، أن شرط النية الخاصة للإبادة الجماعية لا ينطبق على التواطؤ في ارتكاب الإبادة الجماعية بقولها أن القصد أو العنصر العقلي للتواطؤ يعني ضمنيًا بشكل عام أنه في اللحظة التي تصرف فيها، كان الشريك على علم بالمساعدة التي كان يقدمها في ارتكاب الجريمة الرئيسية.وهو ما يعنى أن يكون الشريك قد تصرف عن علم , وهو معيار موضوعي يكون الشخص فيه قد تصرف عن علم إذا كان يعلم، أو كان ينبغي له أن يعلم العواقب المترتبة على دعمه.
ويشير “الرأى عندى أن التخفيف فى متطلبات النية للتواطؤ في الإبادة الجماعية يؤدى إلى أن إثبات هذه الاتهامات ستكون ميسرة ويسيرة,وستنطبق على مجموعة أكبر من الأشخاص الدولية المتواطئة ,ولو لم يكن هدفها ارتكاب الإبادة الجماعية. ذلك أنه خلال مدة الثمانية الأشهر الماضية منذ قيام الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية قامت الدول الغربية بتسريع مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل؛ وازداد الوجود العسكري دعماً لإسرائيل في الشرق الأوسط؛ وتم تهديد الدول التى تنوى التدخل لحماية الفلسطينيين.وتم تدمير غزة وإبادة سكانها جماعياً ويجب أن يحاكم المتواطئون عن تهمة التواطؤ. فالأسباب الأخلاقية والقانونية تقتضى المحاكمة الجنائية بالقصاص العادل لكل من ساعدوا في حمامات الدم لأطفال غزة ونسائها .”
يكفى للتواطؤ فى جريمة الإبادة الجماعية الخبث المستدل عليه بالتهور أو التجاهل، أو النية المحددة دون الدافع المحدد
ويوضح ” من المعلوم أن المشرع الدولى يتطلب فى جريمة الإبادة الجماعية القصد الجنائي المشدد لمرتكب الإبادة الجماعية، بحيث يتحقق القصد المحدد والدافع المحدد , وللتفرقة بينهما أهمية كبيرة , لأنه بصدد ارتكاب جريمة التواطؤ في الإبادة الجماعية لا يحتاج الأمر إلى تشديد نية المتواطئ , فلا يلزم تحقق القصد المحدد والدافع المحدد معاً , بل يكون القصد الجنائي أقل من ذلك ومثاله الخبث الذي يستدل عليه بالتهور أو التجاهل، أو النية محددة دون الدافع المحدد، فيكفى المساعدة أوالتحريض على الجريمة متى كان هدف الإبادة الجماعية هو تسهيل ارتكابها , بمعنى أنه ربما لم تكن الإبادة الجماعية هي هدف المتواطئ ولكن تحدث إبادة جماعية كمجرد نتيجة متوقعة لأفعاله.”
المتواطئون ليس لديهم خطة الإبادة الجماعية، لكنهم يعلمون أنها النتيجة المتوقعة لأفعالهم
ويؤكد ” المتواطئون ليس لديهم خطة الإبادة الجماعية ويفتقرون إليها ،لكنهم يعلمون أنها النتيجة المتوقعة لأفعالهم , وهذه هذه الثغرة توفر ملاذاً اَمناً لهؤلاء المجرمين , وتنال من القوة الرادعة لاتفاقية منع الإبادة الجماعية, لذا يجب علينا إمعان النظر فى اتفاقية منع الإبادة الجماعية , فجريمة الإبادة الجماعية , وجريمة التواطؤ في الإبادة الجماعية جريمتان منفصلتان بموجب التعمق فى أغراض اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها , وهى التى تقع وقت السلم أو وقت الحرب، وتتمثل صور المساهمة الجنائية الدولية فيها فى التآمر على ارتكاب الإبادة الجماعية والتحريض المباشر والعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية.”
ويوضح ” أن الشخص المتواطئ في الإبادة الجماعية قد شارك في أعمال من الممكن لنتائجها المتوقعة قد ساهمت في الإبادة الجماعية، ولكن دون وجود نية شخصية لارتكاب الإبادة الجماعية. لكن يتطلب القضاء إثبات أن الأشخاص الذين تثبت إدانتهم بالمساعدة والتحريض على الإبادة الجماعية كانت لديهم نية أن تساهم أفعالهم في الإبادة الجماعية. وهنا يجب وضع خط فاصل بين الدوافع المحددة والنية المحددة. بينما لا يحتاج الشخص المذنب بالتواطؤ في الإبادة الجماعية إلى هذا الترابط المادى والمعنوى بين الفعل والقصد من الفعل؛ بمعنى يكون لديه القصد المحدد دون الدافع المحدد وهو ما يكفي للإدانة بالتواطؤ. وهذا ما نادى به بعض فقهاء الغرب , وهو الخلط الذى وقعت فيه المحكمتان الجنائيتان الدوليتان ليوغوسلافيا ورواندا ,ويجب الاعتراف بالتواطؤ في الإبادة الجماعية باعتباره جريمة قائمة بذاتها. ”
أربع جرائم تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية
ويذكر “وفقا للمادة (5) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يقتصر اختصاص المحكمة على أشد الجرائم خطورة موضع اهتمام المجتمع الدولي بأسره, وللمحكمة بموجب هذا النظام الأساسي اختصاص النظر في الجرائم التالية أى أن الجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة هى :(1) جريمة الإبادة الجماعية. (2) الجرائم ضد الإنسانية.(3) جرائم الحرب.(4) جريمة العدوان.
كل من يقدم العون أو التحريض أو المساعدة بأى شكل تتحقق مسئوليته الجنائية الفردية أمام المحكمة الجنائية الدولية
ويختتم “المبدأ المعمول به فى نظام روما الأساسى هو مبدأ المسئولية الجنائية الفردية , فوفقاً للمادة (25) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يكون للمحكمة اختصاص على الأشخاص الطبيعيين , حيث الشخص الذي يرتكب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة يكون مسئولاً عنها بصفته الفردية وعرضة للعقاب وفقاً لهذا النظام الأساسي. فيسأل الشخص جنائياً ويكون عرضة للعقاب عن أية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة في حال قيام هذا الشخص بما يلي :-
(1) ارتكاب هذه الجريمة سواء بصفته الفردية أو بالاشتراك مع آخر أو عن طريق شخص آخر , بغض النظر عما إذا كان ذلك الآخر مسئولاً جنائياً.
(2) الأمر أو الإغراء بارتكاب , أو الحث على ارتكاب جريمة وقعت بالفعل أو شرع فيها.
(3) تقديم العون أو التحريض أو المساعدة بأي شكل آخر لغرض تيسير ارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها , بما في ذلك توفير وسائل ارتكابها.
(4) المساهمة بأية طريقة أخرى في قيام جماعة من الأشخاص , يعملون بقصد مشترك , بارتكاب هذه الجريمة أو الشروع في ارتكابها , على أن تكون هذه المساهمة متعمدة وأن تقدم : إما بهدف تعزيز النشاط الإجرامي أو الغرض الإجرامي للجماعة , إذا كان هذا النشاط أو الغرض منطوياً على ارتكاب جريمة تدخل في اختصاص المحكمة .أو مع العلم بنية ارتكاب الجريمة لدى هذه الجماعة.
(5) فيما يتعلق بجريمة الإبادة الجماعية , التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
(6) الشروع في ارتكاب الجريمة عن طريق اتخاذ إجراء يبدأ به تنفيذ الجريمة بخطوة ملموسة , ولكن لم تقع الجريمة لظروف غير ذات صلة بنوايا الشخص , ومع ذلك , فالشخص الذي يكف عن بذل أي جهد لارتكاب الجريمة أو يحول بوسيلة أخرى دون إتمام الجريمة لا يكون عرضة للعقاب بموجب هذا النظام الأساسي على الشروع في ارتكاب الجريمة إذا هو تخلى تماماً وبمحض إرادته عن الغرض الإجرامي. ولا يؤثر أي حكم في هذا النظام الأساسي يتعلق بالمسئولية الجنائية الفردية في مسئولية الدول بموجب القانون الدولي.”