يرى المضاربون أن خفض أسعار الفائدة الشهر المقبل مسألة لا يمكن الجزم بشأنها، إذ تسمح البيانات الاقتصادية القوية لمسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي باتخاذ نهج أكثر حذراً إزاء تقليصها.
في سوق عقود المقايضات، يرى المتداولون يوم الجمعة فرصة تقارب 50% أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي الفائدة ربع نقطة مئوية في اجتماعه في ديسمبر، انخفاضاً من حوالي 80% في وقت سابق من الأسبوع. عوضت عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل عامين، التي ترتبط بشكل وثيق بتوقعات أسعار الفائدة التي يقررها الاحتياطي الفيدرالي، انخفاضاتها السابقة لتصل إلى 4.37% بعد صدور تقرير مبيعات التجزئة الذي شمل مراجعة كبيرة للأرقام الخاصة بشهر سبتمبر الماضي.
وقلص المتداولون توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة في ديسمبر، وقفزت العائدات الأميركية الحساسة للسياسة النقدية، بعد كلمة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
بدأت السوق أمس في تقليص توقعاتها لتخفيض أسعار الفائدة في ديسمبر بعد أن صرح رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي جيروم باول بأن قوة الاقتصاد أعطت المسؤولين مجالاً لتقليصها بصورة أكثر حذراً، وهو ما أكدته زميلته سوزان كولينز، رئيسة الاحتياطي الفيدرالي في بوسطن، حيث أوضحت لصحيفة “وول ستريت جورنال” أن الفيدرالي سيحتاج في النهاية إلى تقليص وتيرة تخفيض أسعار الفائدة، رغم أن الخفض الشهر المقبل لا يزال خياراً مطروحاً.
ارتفعت العوائد على جميع السندات مختلفة آجال الاستحقاق، إذ بلغ معدل العائد على السندات لأجل 10 سنوات 4.48%، بزيادة نحو 18 نقطة أساس الأسبوع الجاري. كانت الزيادة في العوائد على السندات طويلة الأجل أكبر من ارتفاع السندات قصيرة الأجل، ما أسفر عن استمرار هذا الاتجاه الأسبوع الحالي، والذي يبين انحداراً في منحنى العوائد. أثرت مخاوف فوز دونالد ترمب الكاسح في الانتخابات الرئاسية الأميركية وزيادة الإنفاق المالي سلبياً على السندات طويلة الأجل.
وقرر بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، أول نوفمبر الجاري، خفض أسعار الفائدة 25 نقطة أساس متماشياً مع التوقعات إلى نطاق يتراوح بين 4.5 إلى 4.75%، وهو أدنى مستوى منذ مارس 2023.
قرار الفيدرالي جاء وسط تقارير تؤشر إلى ارتفاع التضخم أعلى بقليل من هدف الفيدرالي الأمريكي البالغ 2% وتخفيف ضغوط الأجور، ومن المتوقع على نطاق واسع أن يقوم محافظو البنوك المركزية الأمريكية بخفض تكاليف الاقتراض قصير الأجل الأسبوع المقبل في محاولة لمنع المزيد من التباطؤ في سوق العمل.
لكن الارتفاع في ضغوط الأسعار الأساسية بدا واضحاً في البيانات الصادرة يوم الخميس الفائت، كما جاءت قراءة شهرية أخرى مربكة لسوق العمل يوم الجمعة، في ظل عدم اليقين بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر، مما يمهد الطريق لمزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة في ديسمبر وخاصة العام المقبل أقل وضوحاً.
وأظهر تقرير لوزارة التجارة يوم الخميس أن التضخم حسب المقياس المستهدف للفيدرالي، وهو الزيادة السنوية في مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، انخفض إلى 2.1 % في سبتمبر، من 2.3 % في أغسطس، فيما يهدف البنك المركزي الأميركي إلى معدل تضخم يبلغ 2%.
جاء ارتفاع تكاليف العمالة ليضيف عوامل قلق جديدة لدى صناع السياسة في الفيدرالي الأمريكي في أواخر عام 2021، مما دفع البنك المركزي إلى تشديد السياسة لتجنب دوامة تصاعدية من ارتفاع الأجور والأسعار.
بيانات تراجع نمو الأجور في الربع الأخير حتى مع توسع الاقتصاد الأميركي وقوته قد تمنح صناع السياسة في الفيدرالي ثقة إضافية في أن التضخم لن يرتفع مرة أخرى، وضوء أخضر لخفض أسعار الفائدة في آخر اجتماعين لهم هذا العام.
حول تأثير هذه البيانات، كتب نائب رئيس Evercore ISI، كريشنا جوها، في مذكرة: “الخطر و”الهبوط الناعم”: “نحن ننظر إلى البيانات بشكل عام على أنها تشير إلى أن مخاطر التضخم الصعودية الناجمة عن اقتصاد قوي وسوق عمل لا تزال ضعيفة حتى الآن، وبينما سيحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرون إلى إبقاء هذا الأمر قيد المراجعة المستمرة نظراً لقوة البيانات، إلا أنها بناءة بشكل أساسي بالنسبة لنا”.
ويشير الهبوط الناعم إلى سيناريو يهدأ فيه التضخم ولكن يظل سوق العمل في صحة جيدة ويتجنب الاقتصاد الركود، وهو حدث نادر تاريخياً ولكنه حصل حتى الآن.
بالنسبة إلى العقود الآجلة فقد استقرت على سعر فائدة الفيدرالي الأميركي، مما رفع فرص خفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع البنك المركزي يومي 6 و 7 نوفمبر إلى حوالي 94%، ومنح خفضاً ثانياً بمقدار 25 نقطة أساس في الفائدة في ديسمبر فرصة بنسبة حوالي 70%.
خلال الشهر الماضي، خفض الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية إلى نطاق 4.75% إلى 5.00%، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى شعور صناع السياسات بأن الإبقاء على سعر الفائدة مرتفعاً حتى مع انخفاض التضخم قد يضر بتشغيل العمالة.
وفي بيان جديد مخيب للآمال، تباطأت وتيرة إضافة الاقتصاد الأميركي للوظائف بشكل صدم الأسواق، إذ أضاف 12 ألف وظيفة في أكتوبر، في وتيرة تعتبر الأضعف منذ أواخر عام 2020. كما أثرت العواصف التي ضربت جنوب شرقي البلاد على مستويات وخطط التوظيف في البلاد.
وأفاد مكتب إحصاءات العمل أن الوظائف غير الزراعية زادت بمقدار 12 ألف وظيفة في الشهر، بانخفاض حاد عن مستويات سبتمبر والتي وصلت إلى 223 ألف وظيفة، وأقل من التقديرات التي كانت عند 106 آلاف وظيفة. ومع ذلك، استقر معدل البطالة عند 4.1% بما يتماشى مع التوقعات.
ومن المتوقع أن يأخذ صناع السياسة في الفيدرالي القليل من الإشارات من بيانات التوظيف، لأن الأعاصير الأخيرة والإضراب المستمر في شركة بوينغ من المحتمل أن يؤديا إلى خصم ما يصل إلى 100 ألف وظيفة في الشهر. وسيُنظر إلى هذا التأثير على أنه مجرد تدهور مؤقت وليس تدهوراً مفاجئاً في سوق العمل.
ومع ذلك، فإن البيانات الأخرى الصادرة يوم الخميس قد تخفف من الثقة في مسار التضخم الحميد. كما ارتفعت ضغوط الأسعار الأساسية، وفقاً لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي الذي يستثني المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، إلى 2.7%عن العام السابق، وهو أعلى مما توقعه الاقتصاديون بنسبة 2.6% ويتوافق مع زيادة الشهر السابق.
ويراقب الفيدرالي الأمريكي أيضاً، نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية عن كثب للمساعدة في التنبؤ بالاتجاه الذي يتجه إليه التضخم، وقد تؤدي الزيادات الإضافية إلى إثارة الشكوك حول الحكمة من تخفيف السياسة النقدية بشكل أكبر.
وكتب كبير مسؤولي الاستثمار في لاندسبيرغ بينيت لإدارة الثروات الخاصة، مايكل لاندسبيرغ، في مذكرة: “نعتقد أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيوقف أي تخفيضات في أسعار الفائدة في ديسمبر وسط مخاوف بشأن تسارع التضخم”.
في المقابل، يتوقع محللون أنه إذا استعاد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب البيت الأبيض وأعاد الناخبون السيطرة الكاملة على الكونغرس إلى زملائه الجمهوريين يوم الثلاثاء، كما هو متوقع في الرهانات، فإن الوعود بزيادة الرسوم الجمركية وتخفيض الضرائب والترحيل الجماعي للمهاجرين يمكن أن تعزز ضغوط الأجور والتضخم.
وكانت الأسواق المالية في الأسابيع الأخيرة تتوقع ارتفاع معدلات التضخم خلال خمس سنوات.
وكتب برنارد ياروس، كبير الاقتصاديين الأميركيين في أكسفورد إيكونوميكس، في مذكرة: “تطرح الانتخابات مخاطر صعودية على التوقعات الأساسية لنمو الأجور على المدى المتوسط”.