يمثل التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي خطوة بارزة في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تنفذها مصر، وهو قرار يهدف إلى تحسين كفاءة توزيع الدعم، وضمان وصوله إلى مستحقيه، مع تقليل الهدر والفساد المرتبطين بآليات التوزيع التقليدية.
هذه الخطوة تأتي استجابةً لتحديات اقتصادية واجتماعية عديدة، وتسعى إلى تحسين مستوى معيشة الفئات الأكثر احتياجًا من خلال تعزيز الاستفادة من الموارد المتاحة.
على الصعيد الاقتصادي، يحمل التحول إلى الدعم النقدي العديد من الفوائد المهمة.
فهو يساهم في تقليل الهدر الناجم عن التسرب في منظومة الدعم العيني، ما يعزز كفاءة الإنفاق الحكومي.
كما يؤدي هذا النظام إلى تمكين الأفراد المستحقين من اختيار السلع والخدمات التي يحتاجون إليها، مما يتيح استخدامًا أفضل للموارد، ويساهم في تحفيز الطلب المحلي، الأمر الذي يمكن أن يخلق فرص عمل جديدة ويعزز النمو الاقتصادي.
علاوة على ذلك، يتيح الدعم النقدي إمكانية الادخار أو الاستثمار، مما قد يؤدي إلى تحسين الأوضاع المعيشية على المدى الطويل.
اجتماعيًا، يعزز الدعم النقدي من قدرة الأسر الفقيرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، مما يحسن من جودة حياتها. ويُعد تمكين المرأة من أبرز الآثار الإيجابية لهذا النظام، إذ يمنحها دورًا أكبر في إدارة موارد الأسرة، ويزيد من فرص مشاركتها في سوق العمل. كما يسهم النظام في تقليص الفجوة بين الطبقات الاجتماعية من خلال توفير شبكة أمان اجتماعي تضمن عدم ترك الفئات الأكثر ضعفًا دون دعم.
لتعزيز فرص نجاح هذا التحول في مصر، يمكن الاستفادة من تجارب دول أخرى نجحت في تطبيق نظام الدعم النقدي، على سبيل المثال نجحت البرازيل في تطبيق برنامج “Bolsa Família” الذي يقدم مساعدات نقدية مشروطة للأسر الفقيرة مقابل إلحاق الأطفال بالمدارس وتلقيهم الرعاية الصحية. أثبت هذا البرنامج فعاليته في تقليل الفقر وتحسين مؤشرات التنمية البشرية.
طبقت المكسيك برنامج “Oportunidades” وقد ساهم هذا البرنامج في تحسين مستوى المعيشة للأسر الفقيرة، وزيادة التحاق الأطفال بالمدارس.
نفذت كينيا برنامج “Inua Jamii” الذي يقدم مساعدات نقدية للأسر التي تعاني من الفقر المدقع، وخاصة الأسر التي تعيلها نساء. أثبت هذا البرنامج فعاليته في تحسين التغذية لدى الأطفال، وزيادة دخول الأسر.
لكن نجاح هذا التحول يتطلب تخطيطًا وتنفيذًا دقيقين، إذ يعتمد على مجموعة من الآليات التي تضمن تحقيق أهدافه. من أبرز هذه الآليات إنشاء نظام معلومات متكامل يضم قاعدة بيانات موحدة وشاملة للأسر المصرية، مع ربطها بالأنظمة الحكومية المختلفة مثل السجل المدني والضرائب.
يعتمد هذا النظام على تقنيات متقدمة كالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، وكشف التلاعب، وضمان تحديث المعلومات باستمرار.
كما يتطلب الأمر تحديد معايير دقيقة وشفافة للاستحقاق، تأخذ في الاعتبار التفاوتات الاجتماعية والإقليمية، وتخضع للمراجعة الدورية لتتماشى مع التغيرات الاقتصادية.
ويُعد إنشاء نظام دفع إلكتروني آمن من الضروريات لضمان وصول الدعم لمستحقيه، مع توفير خيارات دفع متعددة مثل نقاط البيع، وماكينات الصراف الآلي، والمحافظ الإلكترونية.
إضافة إلى ذلك، فإن توعية المجتمع بدور النظام وآلياته، وتدريب الكوادر المعنية بتطبيقه، يضمنان نجاحه.
وللتأكد من فاعلية النظام، يجب توفير آليات متابعة وتقييم مستمرة تعتمد على مؤشرات أداء واضحة، مع إجراء مراجعات خارجية دورية.
رغم الفوائد المتعددة، تواجه فكرة التحول إلى الدعم النقدي تحديات تحتاج إلى حلول مبتكرة.
من أبرزها ضرورة مراعاة التضخم عند تحديد قيمة الدعم لضمان الحفاظ على القوة الشرائية للمستفيدين.
كما يجب التغلب على الأمية الرقمية التي قد تعيق استفادة بعض الفئات من النظام الجديد.
في الختام، يمثل التحول إلى الدعم النقدي في مصر خطوة جريئة تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز كفاءة استخدام الموارد.
إذا نُفذ بدقة وفق الآليات المقترحة، يمكن أن يكون هذا النظام نقطة تحول إيجابية في سياسات الدعم الاجتماعي والاقتصادي، ما يضع مصر على مسار التنمية المستدامة.
بقلم / د.هانى أبو الفتوح
الخبير الاقتصادى