حصلت السعودية على حق استضافة كأس العالم 2034، متعهدة بتنظيم بطولة “فريدة وغير مسبوقة”. ومن بين الخطط التي يمكن أن تسهم في تحقيق هذا الهدف هي إنشاء “الملاعب الذكية”، خاصة مع تركيز المملكة على التحول إلى مركز تكنولوجي إقليمي واستثمارها في فئة الشباب الذين يتمتعون بقدرة كبيرة على تبني التكنولوجيا الحديثة، رغم تكلفتها العالية.
تتضمن خطط المملكة تخصيص 15 ملعباً، منها 11 ملعباً جديداً. ولم تكشف عن الكلفة التقديرية لهذه الملاعب، كما لم توضح بشكل تفصيلي ما إذا كانت ستكون مجهزة بالوسائل التقنية الجديدة. إلا أن هناك ثمة مؤشرات إلى أن المملكة تولي هذا الجانب اهتماماً كبيراً، لا سيما أن معظم هذه الملاعب لن تكتمل قبل عام 2029.
تقدم في دمج التقنية
يرى هشام غالب شريك قسم الوجهات الذكية في “بي دبليو سي الشرق الأوسط” أن المملكة حققت “تقدماً في دمج التقنيات المتقدمة في خططها المستقبلية للتنمية”، مضيفاً في تصريح لـ”الشرق” أن هذا التركيز “يشمل الملاعب، حيث يتم التخطيط لحلول رقمية وتقنية متطورة لتحسين العمليات وتعزيز تجربة المشجعين”.
هذا التوجه أكده عبد الرحمن مشبب الصحافي في صحيفة “الرياضية” السعودية، وقال لـ”الشرق”: “يصعب أن تقوم ببناء ملاعب تقليدية بعد 10 سنوات” من الآن، نظراً للتطورات التقنية المتوقعة خلال العقد المقبل. وأشار إلى أن موضوع الملاعب كان “من أبرز بنود ملف استضافة المملكة لفعاليات كأس العالم”.
وضمن الأمثلة على هذه الملاعب، لفت مشبب إلى أن استاد الأمير محمد بن سلمان سيتضمن “شاشات داخلية مبتكرة ومرتفعة بشكل كبير”، مما سيتيح للجماهير مشاهدة أحداث المباريات بشكل أوضح وأكثر تفاعلاً.
لن يكون هذا الأمر الوحيد الذي سيتم إدخاله إلى هذا الملعب، إذ سيشمل أيضاً سقفاً متحركاً مصمماً للتكيف مع الأجواء الممطرة وحماية الملعب من أي عوامل خارجية. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تجهيز الاستاد بجدار متحرك يوفر للمشجعين إطلالة على مناظر مشروع القدية، وأرضية متحركة تتيح استخدام الطبقة الثانية لأنشطة رياضية وثقافية متنوعة، وفق مشبب.
سيضم الملعب أيضاً مرافق مكيفة مصممة لتحقيق الاستدامة، حيث سيتم تقليل استهلاك الطاقة من خلال بحيرة تبريد صديقة للبيئة تقع أسفل المنشأة، والتي تعتمد على مياه الأمطار المجمعة من الملعب ومحيطه لتبريد نظام التكييف.
ووصف هشام غالب “استاد الأمير محمد بن سلمان” بأنه “مثال بارز على كيفية دمج أحدث التقنيات في تصميم الملاعب”، حيث سيتمكن الحضور من الوصول الفوري إلى البيانات والمعلومات الحية خلال المباريات، مع تقنيات مثل هولو بوكس (HoloBox) التي توفر تجارب تفاعلية مع المشاهير والنجوم، تعتمد على الواقع المعزز.
لن يكون الاستاد حالة خاصة في ما يتعلق باستخدام التكنولوجيا؛ فهناك ملاعب أخرى تنوي المملكة تشييدها، على غرار ملعب المربع الجديد، و”استاد نيوم” و”استاد الملك سلمان” في الرياض، الذي سيتم تزويده بتقنيات حديثة، مثل أنظمة التبريد لمقاعد الجماهير وأرضية الملعب.
وأفاد تقرير صادر عن “بي دبليو سي الشرق الأوسط” بأن “التحول الرقمي للملاعب” يمثل جانباً محورياً، لما يتيحه من إمكانات لتطوير تجربة الجماهير، وتحسين كفاءة العمليات التنظيمية، وتعزيز مستوى الترفيه بشكل شامل. التقرير، الذي صدر يوم الخميس، أشار إلى توقعات بنمو قطاع “الملاعب الذكية” بمعدل سنوي يبلغ 20.6% بين 2025 و2037، ليصل حجمه إلى 191.7 مليار دولار، مدفوعاً بتزايد الطلب على تحسين تجربة المشجعين وزيادة كفاءة العمليات التشغيلية.
إلا أن التقرير حذّر من أن إدخال تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنت الأشياء، والطائرات المسيرة إلى تصميم الملاعب قد يؤدي إلى زيادة كبيرة في التكلفة.
في هذا السياق، أوضح هشام غالب أن تكلفة بناء الملاعب تختلف وفقاً لعوامل عدة، منها الحجم، الموقع، المواد المستخدمة، ومستوى التقنية المتكاملة. وأشار إلى أن تكلفة إنشاء ملعب تتراوح بين 50 مليون دولار لمنشآت تتسع لـ20 ألف متفرج، و1.2 مليار دولار للملاعب التي تتسع لـ80 ألف متفرج.
تتنوّع مكاسب السعودية من استضافة كأس العالم 2034 لتشمل كافة قطاعات تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط. لكن ماذا عن انعكاس تنظيم “المونديال” على كرة القدم السعودية؟
معظم الملاعب التي ستستضيف مباريات كأس العالم في السعودية، وعددها 13 ملعباً، تتميز بمتوسط سعة يبلغ حوالي 47 ألف متفرج.بينما يبرز “استاد الملك سلمان” الذي سيستضيف المباراة الافتتاحية والنهائية، بسعة تصل إلى 92,760 متفرجاً، بالإضافة إلى “استاد مدينة الملك فهد الرياضية”، الذي سيستضيف مباراة نصف النهائي بسعة تبلغ 70,200 متفرج.
وفي ما يتعلق بالملاعب الذكية التي تدمج التقنيات المتقدمة، فإن التكلفة تكون أعلى قليلاً، وفق غالب، بسبب “التصميمات المعقدة والمتطورة اللازمة لهذه التقنيات”. وذكر أن متوسط “تكاليف دمج التقنيات يمثل حوالي 10% إلى 20% من التكلفة الإجمالية” للمشروع. كمثال على اختلاف التكاليف، أشار غالب إلى ملعب”سوفي” (SoFi) في لوس أنجلوس، الذي بلغت تكلفته 5.95 مليار دولار، وذلك بسبب تصميمه المعقد، إلى جانب استخدام التقنيات المتطورة مثل الواقع المعزز.
يثير ارتفاع تكاليف بناء الملاعب تساؤلات حول جدوى هذه الاستثمارات، خصوصاً مع الميل التقليدي لهذه المنشآت لعدم تحقيق “فوائد اقتصادية مباشرة”، وفقاً لديفيد بيري، أستاذ الاقتصاد في جامعة ساوث يوتا. وفي تصريح لـ”الشرق”، أوضح بيري أن كلفة الاستضافة تزداد بشكل كبير عندما تتطلب بناء ملاعب جديدة، مشيراً إلى أن هذه المنشآت غالباً ما تتحول إلى “مبان فارغة كبيرة”، تُستخدم فقط عند إقامة أحداث أو فعاليات محددة.
في المقابل، قدّم هشام غالب منظوراً مختلفاً، إذ رأى أن الملاعب الذكية تقدم “مزايا كبيرة من حيث العائد على الاستثمار”، موضحاً أن هذه المنشآت قادرة على جذب أعداد أكبر من الجماهير بفضل التجارب التفاعلية والمميزة التي توفرها، بالإضافة إلى تحسين الكفاءة التشغيلية.
تشير التقديرات إلى أن الإيرادات الناتجة عن بناء “ملعب ذكي” تتفوق على تلك المتحققة من الملاعب التقليدية، مما يعزز الجدوى الاقتصادية لمثل هذه الاستثمارات، خاصة خلال بطولة عالمية تجذب مشجعين من مختلف أنحاء العالم. ووفقاً لاستطلاع رأي أجرته شركة “إنتل”، أبدى 77% من المشاركين استعدادهم لدفع مبالغ أعلى مقابل تذاكر في ملعب ذكي، في حين أعرب 88% عن اعتقادهم بأن التكنولوجيا تسهم بشكل كبير في تحسين تجربتهم أثناء مشاهدة المباريات.
حول تعزيز الجدوى الاقتصادية، يعتقد هشام غالب بأن السعودية قادرة على تحقيق ذلك عبر اعتماد شراكات استراتيجية وتعاون مع أطراف متعددة لتغطية الاستثمارات التكنولوجية اللازمة. وأشار إلى إمكانية توليد إيرادات إضافية من خلال حقوق التسمية، والرعاية، والإعلانات الرقمية باستخدام تقنيات مثل الواقع المعزز أو اللافتات الذكية. كما اقترح تقديم خدمات مبتكرة مثل التسعير الديناميكي للتذاكر، ومقاعد تعتمد على الواقع المعزز، وتجارب مخصصة لكبار الشخصيات، بهدف زيادة العوائد.
من جهته، يرى عبد الرحمن مشبب أن تطور ذائقة الجماهير جعلهم أكثر جذباً للملاعب المتقدمة تقنياً، مشيراً إلى أن “الملاعب الذكية” في السعودية قد تسهم في زيادة الحضور الجماهيري، ما ينعكس إيجاباً على الإيرادات المباشرة مثل مبيعات التذاكر، وغير المباشرة مثل متاجر الأندية، والتذكارات، ومبيعات الطعام والشراب.
وفي المجمل، فإن بناء السعودية لهذه الملاعب وإدخال التكنولوجيا المتقدمة إليها قد يعزز تجربة استضافة كأس العالم، إلا أن الأثر الاقتصادي المباشر من هذه المنشآت يبقى صعب التحديد. ومع ذلك، فإن هذه الملاعب لن تقتصر على كأس العالم فقط، بل ستُستخدم في استضافة فعاليات رياضية أخرى بالمملكة مثل كأس السعودية 2025، وكأس آسيا لكرة القدم 2027، ودورة الألعاب الآسيوية الشتوية 2029، إلى جانب مناسبات ترفيهية وثقافية، مما يعزز من كفاءتها ويقلل احتمالات بقائها منشآت غير مستغلة.