![جاسم بودي ناشر صحيفة الراي - الكويت](https://alamalmal.net/naqevec/2024/01/d3401dd2-a86e-43c8-8e49-feca526f5835.jpg)
تتعرّض الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية لاعتداء سياسي وأخلاقي وإنساني من قبل رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو مشفوعاً ربما بغضّ نظر أميركي… وهي السياسة التي باتت معروفة من باب أن الضغط يولّد مخارج وتسويات تُناسب خُطط وسياسات من قاد الاعتداء.
أولاً، أخطأتم كثيراً في العنوان. السعودية عصيّة على الضغط وتعرف تماماً كيف تضبط إيقاع سياساتها وفق مبادئ الحق والعدل. وهي، عندما تُعلن وقوفها مع مبدأ إقامة دولة فلسطينية، فإنما تنسجم مع القانون الدولي وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وغيره… بل مع توصيات الإدارات الأميركية المُتعاقبة. وإن كان هناك رئيس وزراء لإسرائيل برتبة مُقامر يعتقد أن بإمكانه إقناع «مُقاول» فليعد إلى التاريخ القريب والبعيد ويتعلّم كيف تجاوزت السعودية اعتداءات أكبر من ذلك ثم فتحت الرياض قِلاعها لمن طلب التعاون والصداقة.
ثانياً، على هذا المُنتشي بإجرامه وحرب الإبادة الفعلية التي خاضها أن يُدرك أن السياسة، أخلاقياً، تقوم على مبادئ القانون وليس على البلطجة… فما بالنا ببلطجي لا أخلاق لديه مُتورّط حتى أذنيه في ملفات الفساد! وعندما تتعارض المصالح مع الحقوق لا بدّ من تسويات كبرى للخروج من هذا الجنون والهذيان وهو ما سعت وتسعى إليه السعودية.
ثالثاً، أدّعي هنا وبملء الثقة أنّني أتحدّث بلسان الكويتيّين جميعاً. المملكة العربية السعودية خطّ أحمر فوق حساباتنا السياسية وعلاقاتنا بالدول الأخرى ومصالحنا هنا وهناك وصناديق استثماراتنا واتفاقاتنا الاقتصادية والمالية والعلمية والعسكرية وغيرها. عندما قال المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز: «يا تبقى الكويت يا تروح السعودية معها» خلال الغزو العراقي عام 1990 لم يُفكّر في مصالح المملكة الدولية أو النتائج التي ستترتّب على تحوّلها رأس حربة في معركة التحرير أو حتى في انعكاسات فتح السماء والأرض لجيوش التحالف على الوضع الداخلي. لم تستأذن السعودية أحداً آنذاك. لم تسأل. لم تشاور. كان كلّ همّها إنقاذ الشرعية الكويتية واحتضان الكويتيّين في الشّتات. رفعت علمنا وصارت إذاعاتها صوت الكويت وتحوّلت وزاراتها إلى ما يُشبه حكومة كويتية تُساهم في إدارة ملفات الخارج مع الدول الكبرى جنباً إلى جنب مع عقول وسواعد الكويتييّن.
رابعاً، نحن في الكويت دولة صغيرة وهذا صحيح، لكن علاقتنا بالمملكة علاقة وجود وليس علاقة حدود. ونُدين لها بعد الله سبحانه وتعالى في قضية استعادة الأرض من المُحتلّ إلى جانب الأشقاء والأصدقاء في كلّ دول العالم. ويا أيها المُقامر المُنتشي بكأس الإبادة: كلّ نقطة دم سعودية سالت على أرض الكويت خلال تحريرها هي أشرف من كلّ تاريخك وتاريخ العصابات التي أسالت دماء أبرياء تم اقتلاعهم من أرضهم وسط صمت العالم وخذلانه.
خامساً، لو كان هناك عقلاء في إسرائيل أو حتى في أميركا، لاستمعوا بإنصات إلى اقتراحات القيادة السعودية مُمَثّلة بخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان للخروج من هذا الصراع وإرساء قواعد سلام دائم في المنطقة. هذا الرفض لرؤية حلّ الدولتين لن يؤدّي إلا إلى مزيد من المآسي التي لن يسلم منها الإسرائيليون أنفسهم وهم من تقودهم سلطة خلطت بين الأهداف الشخصية والعامة ولم تستطع تهدئة قطار الموت كي لا ينقلب بها.
سادساً، إن التضامن الكبير الذي عبّرت عنه الدول العربية مع المملكة في مُواجهة الحقير نتنياهو رسالة يجب أن يقرأها الإسرائيلي والأميركي على حدّ سواء. فالمملكة شقيقة كبرى للجميع، ومناعتها مناعة للجميع، واستقرارها استقرار للجميع. لن تحصد من خلال الإساءة لها سوى الخيبة والمزيد من الاستصغار فما بالك وأنت تعتدي سياسياً عليها لأنها تجنح لسلام عادل ودائم على قاعدة الدولتين؟ إِنْ كُنت، بتهجّمك على المملكة تُخاطب الرأي العام الإسرائيلي فالوقت كفيل بأن يرى الإسرائيليون وجهك الحقيقي بلا قناع، وإن كُنت، تُوجّه رسالة إلى الدول العربية فقد أتاك الردّ منها بحملة التضامن مع الرياض، وإن كُنت تستعرض عضلاتك أمام العالم فالعالم أكثر قرباً اليوم إلى السعودية منك وهو يحتاج فعلاً إلى حكماء ورؤيويّين وأصحاب قرار لا إلى مُغامِرين ومُقامِرين.
حفظ الله المملكة العربية السعودية، حفظ الله شُموخها وهيبتها، أرض الدعوة العظيمة ومهبط الوحي ومولد أشرف الخلق والمُرسلين ومنارة الكعبة المُشرّفة. مملكة الأصالة والشّهامة لن يهزّها تصريح همجي أو موقف عدائي… والأيام بيننا وبين المُقامِرين.