منوعات

هل نحن إزاء أزمة اقتصادية عالمية طاحنة ؟

alx adv
شهد الاقتصاد العالمى تحولاً جذريا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان للرابحين فى الحرب الصوت المسموع بكل تأكيد فى إعادة تشكيل هذا النظام، وبكل تأكيد كان على رأس المنتصرين الولايات المتحدة الأمريكية التى خرجت ومعها أكبر احتياطى ذهبى، فتم عمل اتفاقية “بريتون وودز” بموجبها تم إعادة تشكيل الاقتصاد العالمى بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأُسست المؤسسات الدولية تباعا (صندوق النقد الدولى، البنك الدولى، ومنظمة التجارة العالمية بعد جولات من المفاوضات العديدة، ومنظمات الأمم المتحدة).
 وكان من الطبيعى بالنسبة للمؤسسات الدولية الكبرى كصندوق النقد الدولى أن يكون الوزن النسبى الأكبر فى التصويت لمن يمتلك حصة نسبية أكبر وقطعًا كانت الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة الوزن النسبى الأكبر.
 مش بس كده الولايات المتحدة الأمريكية ربطت عملتها بوزن معين من الذهب وأصبحت عملتها هى العملة الرئيسية المستخدمة عالميًا فى التبادل التجارى وكعملة احتياط دولية.
لكن فى فترة الرئيس الأمريكى نيكسون، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أنها غير قادرة على الاستمرار فى ربط الدولار بالذهب، فأوقفت تحويل الدولار إلى ما يعادل وزنه من الذهب، فانهارت قاعدة الصرف بالذهب، ومن يومها أطلقت يدها فى إصدار الدولار دونما قيد، فأصبحت تطبع الدولار وتشترى به سلع من دول العالم المختلفة وتقترض ثم تدفع بالدولار (الورقى) وهو ما كان بمثابة السبب الرئيسى فى زيادة الدين الأمريكى بشكل كبير حتى أصبح رقما مفزعًا.
كانت الفترة التالية للحرب، يمتلك فيها زمام الأمور قطبان هما الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتى، لكن بمرور الوقت استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية التى هيمنت على الاقتصاد العالمى بشتى الطرق (بما فى ذلك تعيين رأس دولة تابع لها) أن تسهم فى تفكيك الاتحاد السوفيتى، لتنفرد بقيادة الاقتصاد العالمى.
 قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للاقتصاد العالمى جعلها مركزًا كبيرًا للاستثمار الدولى ولأنشطة التصنيع، إلا أن ارتفاع تكلفة عنصر العمل كأحد أهم عناصر الإنتاج دفع المستثمرين الأمريكان إلى البحث عن دول مضيفة أقل تكلفة، فاتجهوا صوب ملاذات عديدة من بينها دول آسيا التى تنخفض فيها تكلفة عنصر العمل، وهنا اشتدت حدة المنافسة بين الدول النامية لجذب أكبر قدر من الاستثمارات المهاجرة.
تحول الاقتصاد الأمريكى من التصنيع إلى الخدمات لتصبح أمريكا أكبر مركز مالى فى العالم، ونتيجة لذلك أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية مع مرور الوقت أقل قدرة تصديرية من ذى قبل.
 وبالتالى أصبح لدى الولايات المتحدة الأمريكية مشكلة هيكلية ناتجة عن زيادة الديون بشكل كبير كنتيجة لانهيار قاعدة الذهب وإطلاق يدها فى طباعة الدولار الورقى، وتحولها إلى اقتصاد خدمى وتراجع قدرتها التصديرية مع مرور الوقت.
 هذه المشكلة بدأت تظهر بوضوح مع بداية ظهور الصين على الساحة العالمية كأحد النمور الآسيوية “أهم دولة فى الجيل الثالث من أجيال النمور الآسيوية”.
ولم تكن الغرابة فى كون هذه الدولة الصاعدة بقوة نمرًا جديدا فحسب بل فى أيديولوجيتها، فهى دولة أدارت اقتصادها بحنكة شديدة، فأدارته بمنطق السوق الاشتراكى “أى لم تتبع قواعد السوق الحر الرأسمالى، وكذلك لم تتبع قواعد السوق الاشتراكى كما طبقته روسيا”.
الصين كاقتصاد عملاق الآن، لم تنجح فى يوم وليلة، ولم تنجح بالاعتماد على القطاعات الناجحة فقط، بل نجحت انطلاقا من رؤية واضحة ومن العمل فى صمت حتى بلغت معظم أهدافها.
وعلى ذكر القطاعات التى شجعتها الدولة الصينية، ستجدها شجعت، بالإضافة إلى القطاعات الناجحة، قطاعات زى الحديد والصلب وصناعة الورق وغيرها من الصناعات التى لم تكن تحتل فيها مراكز متقدمة دوليا (وراجع أين كانت هذه القطاعات وإلى أى مدى وصلت اليوم).
دعمت الصين هذه القطاعات بشتى الطرق من توفير مناطق معدة للتصدير، حوافز متعددة للقطاعات التصديرية ودعم ضخم لهذه القطاعات (بما فى ذلك: فائدة منخفضة وصفرية أحيانا، دعم الطاقة بأشكالها المختلفة……).
 وبالتالى ستجد أن أمريكا بعد أن تفردت بقيادة الاقتصاد العالمى منذ بداية التسعينات مع تفكك الاتحاد السوفيتى، وجدت نفسها بمرور الوقت أمام تنين قوى صاعد، يعتمد على قاعدة صناعية مهولة وعلى قدرات تصديرية جبارة مدعومة بخفض متعمد لعملتها، (وهذا كان أحد مكاسبها من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية حيث عوملت على أنها دولة نامية)، لكن التنين يرفض حتى الاعتراف بأنه الاقتصاد الثانى عالميًا أو هو المرشح لأن يتولى قيادة العالم.
ومع استمرار الاقتصاد الأمريكى على النهج الذى أوضحناه سلفًا، واستمرار الصين فى طريقها أصبحت الصين هى القوة التصديرية الأكبر عالميًا. صحيح أن هذا التحول أخذ سنين عديدة لكنه حدث فى نهاية الأمر. وللتدليل على ذلك ستجد أنه فى عام 2000 كانت التجارة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية حوالى 2 تريليون دولار (772 مليار دولار صادرات و1238 مليار دولار واردات) فى مقابل حجم تجارة خارجية للصين بلغ 504 مليار دولار (249 مليار دولار صادرات، و255 مليار دولار واردات)، إلا أنه فى عام 2024 أصبح حجم التجارة الخارجية للصين 6.17 تريليون دولار (منها 3.6 تريليون دولار صادرات) مقابل حجم تجارة خارجية لأمريكا بلغ فى نفس العام 5.4 تريليون دولار (منها صادرات 2.1 تريليون دولار).
وبالتالى فحرص التنين الصينى على تجنب مواجهة الصدام مع الجانب الأمريكى لم يعد ممكنا خاصة مع وجود عجز تجارى مستمر بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين لصالح الأخيرة. لدرجة استوجبت تعليق أحد الاقتصاديين الأمريكيين فى الإدارة الأمريكية الحالية قائلا “أنه على مدى 30 عاما من التبادل التجارى مع الصين لم تحقق أمريكا فائضًا”. وفى عام 2024 حقق الميزان التجارى الأمريكى مع الصين عجزًا بلغ 360 مليار دولار.
كان محصلة النهجين الأمريكى والصينى فى إدارة الاقتصاد أن أصبحت أمريكا صاحبة أكبر ناتج محلى إجمالى عالمى مقداره 28.8 تريليون دولار (يمثل 26.3% من الإجمالى العالمى) مقابل 18.5 تريليون دولار للتنين الصينى (تمثل نحو 16.9% من الإجمالى العالمى) مع أكبر ديون عالمية بلغت فى يناير 2024 34 تريليون دولار، بينما أصبحت الصين صاحبة أكبر قدرة تصديرية على وجه الأرض بصادرات سلعية بلغت 3.6 تريليون دولار مقابل 2.1 تريليون دولار فقط للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالى نقدر نقول أن الاقتصاد العالمى كأنه مستند على قدمين إحداهما (قدم مريضة: أمريكا) والأخرى (قدم التنين الصينى، تانى أكبر ناتج وأكبر قدرة تصديرية وفائض تجارى لصالحها مع أمريكا وتوسع كبير فى الكرة الأرضية لتأمين وحماية مصالحها وندًا لم يعد ممكنا تجاهله).
ثانيًا: لماذا قام الرئيس الأمريكى بزيادة الرسوم الجمركية : مبرراته، طريقة حسابها؟
 تأزم العلاقة له تاريخ طويل، لكن لم يكن أحدا ليتخيل أبدًا أنه من الممكن أن يصل إلى هذه الدرجة فى ظل وجود أى رئيس أمريكى آخر بخلاف ترامب. ترامب بمجرد إعلانه للترشح لهذه المرة، والعالم يترقب الحرب التجارية بينه وبين الصين، لكنه أشعل فتيل الحرب مع كل الشركاء التجاريين.
 الرئيس الأمريكى، كرئيس لأكبر اقتصاد فى العالم، من المفترض أنه حامى حمى ومبادىء الفكر الرأسمالى الحر وحامل شعلة الحرية الاقتصادية (بما فى ذلك حرية التجارة والاستثمار وغيرهما) وداعم لمبادىء هذا الفكر “دعه يعمل دعه يمر” كان أول من خالف هذا الفكر. بل إنه فكر بعقلية حكام القرن التاسع عشر فى ردة غريبة على قواعد الفكر الرأسمالى الذى حملوه رايته عالميًا.
لكن يبدو أن هذه القواعد لم تعد تخدم الصالح الأمريكى، لذا أعتقد أن الرئيس الأمريكى ظن أن إعمال العقل سيضر وأنه ربما عليه التصرف بطريقة أخرى، وليذهب الجميع إلى الجحيم، وهذه هى طريقة التصرف التى تليق بعقلية الرئيس الأمريكى ومستشاروه الذين ساقوه إلى طريق مظلم.
فقرر فى 2 ابريل أن يصدم الاقتصاد العالمى ويعصف به بفرضه رسوم جمركية إضافية على كل الشركاء التجاريين لأمريكا.
 قدم الرئيس الأمريكى الرسوم الجمركية الجديدة على أنها تعريفات متبادلة تضاهى التعريفات الجمركية التى تفرضها الدول الأخرى على الولايات المتحدة.
لكن فى حقيقة الأمر فهى ليست كذلك، وإنما حُسبت هذه التعريفات بشكل مخالف لا علاقة له بمعدل التعريفات الذى تفرضه الدول الشريكة تجاريًا للولايات المتحدة الأمريكية.
لكن من المهم توضيح إن الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى ترامب لا علاقة لها بمعدل التعريفة المطبق من قبل الدول الأكثر تفضيلاً (MFN) الذى يعد فى الأساس سقفًا للضرائب المفروضة على الواردات، وافقت عليه أكثر من 160 دولة من دول منظمة التجارة العالمية.
وللتدليل على ذلك نجد أن معدل (MFN) للاتحاد الأوروبى يبلغ 5% فى حين فرضت عليها الولايات المتحدة الأمريكية رسومًا عليها بلغت 20%، كما يبلغ هذا المعدل فى فيتنام 9.4% وفقًا لأحدث البيانات لعام 2023 بينما فرضت إدارة الرئيس ترامب عليها رسوما بلغت 46% بسبب الحواجز غير التجارية التى قد تشمل الحصص الاستيرادية وقوانين مكافحة الإغراق التى تستهدف حماية الصناعة المحلية.
وبنفس المنطق فرضت رسومًا جمركية جديدة مرتفعة على كل من الهند والصين بلغت نحو 26% و 34% على الترتيب بزعم أن الدولتان تضعان حواجز غير تجارية؛ فالهند تضع تدابير صحية لاستيراد المنتجات الزراعية والصين تقدم إعانات حكومية لدعم الشركات المحلية.
ومن ثم يمكن القول إن التعريفات التى فرضها الرئيس الأمريكلى ترامب ليست متكافئة وإنما قد تكون بمثابة عقاب للدول التى تحقق موازينها التجارية مع الولايات المتحدة الأمريكية فوائضًا.
مبررات فرض الرسوم (وجهة نظر الرئيس الأمريكى):
تقليل العجز فى الميزان التجارى الأمريكى الذى سجل 1.3 تريليون دولار فى عام 2024. وجاء هذا العجز التجارى الكلى كمحصلة لنوعين من العوامل أولهما تحقيق عجز فى الميزان التجارى مع نحو 101 دولة، يأتى فى مقدمتها الصين بنحو 319.1 مليار دولار يليها المكسيك فيتنام بنحو 176 و129.4 مليار دولار على الترتيب فى نفس العام.
وثانيهما تحقيق فائض فى الميزان التجارى مع نحو 117 شريك تجارى يأتى فى مقدمتهم هولندا بنحو 54.6 مليون دولار فى نفس العام.
مصدر إيرادى لتمويل التخفيضات الضريبية الخاصة بالأفراد والشركات الصغيرة التى تنوى الإدارة الأمريكية تجديدها دعما لهذه الفئات فى مواجهة تداعيات هذه الرسوم، وكذلك لتمويل النفقات العامة وبخاصة فى ظل ارتفاع الدين بشكل كبير (كنسبة من الناتج المحلى الإجمالى) والمقدر بنحو 250% بحلول 2054.
تشجيع المواطنين على شراء المنتجات المصنوعة محليًا وتحفيز الاستثمار الأجنبى على الإنتاج داخل الولايات المتحدة الأمريكية بدلا من التصدير إليها (الاستثمار الذى يتجاوز الحواجز الجمركية وغير الجمركية عبر الإنتاج فى الدولة المضيفة).
طريقة حساب الرسوم
هذه الرسوم كما زعم الرئيس الأمريكى ترامب استهدفت محاولة إعادة التوازن التجارى وتقليص العجز فى الميزان التجارى البينى، لذا نجد أنها حُسبت وفق صيغة بسيطة؛ فحسبت على النحو التالى: ½ ](قيمة العجز فى الميزان التجارى الأمريكى مع الدولة الشريكة تجاريًا ÷ قيمة واردات الولايات المتحدة الأمريكية من الدولة الشريكة تجاريًا) * 100[ ، بحد أدنى 10% فى حالة تحقيق الميزان التجارى الأمريكى عجزًا أقل من 20% أو إذا كان الميزان التجارى الأمريكى يحقق فائضًا لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية استوردت ما قيمته 462.6 مليار دولار من الصين فى عام 2024 وبلغ عجز الميزان التجارى لها مع الصين نحو 319.1 مليار دولار، وبالتطبيق باستخدام الصيغة سالفة الذكر، نجد أن نسبة الرسوم الجمركية الجديدة المفروضة على الواردات من الصين تبلغ نحو 34%، تضاف إلى 20% سابقة، ليصبح إجمالى الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات الصينية 54%.
وبالنسبة للرسوم الإضافية التى فرضها ترامب على الصين، نجد أن الرسوم الفعلية التى كانت تطبقها الصين على وارداتها من الولايات المتحدة الأمريكية كانت تبلغ 7.5%، وبعد إدعاء الرئيس الأمريكى ترامب أنها تبلغ 67% ليفرض على الصين رسومًا جديدة بلغت 34%، نجد أن الرسوم الجمركية التى تفرضها الصين على السلع الأمريكية أصبحت أسوأ بمقدار 4.5 مرة.
ثالثًا: تداعيات هذه الرسوم على الاقتصاد العالمى
التداعيات الأنية
 التداعيات على أسواق المال: كانت بمثابة صاعقة لهذه الأسواق ذكرت الأسواق بالأزمة المالية العالمية وأزمة الكساد الكبير، وده طبعًا لأن الاستثمار فى هذه الأسواق حساس جدًا لأى مخاوف محتملة سياسية أو تجارية ودى طبيعته، وقطعًا لأن الاقتصاد الأمريكى هو المركز المالى العالمى الأكبر (تمتلك أمريكا تقريبا 61% من سوق الأسهم العالمى) ناهيك عن تأثيرها على الاقتصاد العالمى بكافة قطاعاته، لذا كان التأثير مذلذل وصاعق.
لذا، بمجرد إعلان الرسوم بدأت الأسواق فى التداعى وخسرت أسواق المال العالمية حوالى 9.5 تريليون دولار من قيمتها السوقية وكان نصيب السوق الأمريكى منها نصيب الأسد ومعظم هذا النصيب كان بسبب انهيار أسهم الشركات التكنولوجية (ابل، تسلا، مايكروسوفت وغيرهم). وبطبيعة الحال امتد الأمر إلى الأسواق الآسيوية والأوروبية والعربية ومنها مصر، والسوق المصرى سجل رابع أكبر انخفاض، بينما سجل السوق السعودى أكبر انخفاض.
التأثير على السوق المصرى لم يكن كبيرًا لكنه تم بفعل مبيعات الجانب والقلق من التداعيات القادمة.
 التداعيات على الأسواق الأخرى: تراجعت أسعار النفط الخام بأكثر من 4% ليخسر خام تكساس الوسيط أكثر من 2 دولار مسجلاً 59.49 دولارًا للبرميل، وهو أدنى مستوى له منذ ابريل 2021، أما خام برنت فتراجع بنسبة 3.9% ليسجل 63.04 دولارًا.
وبالنسبة للذهب: فعلى غير المعتاد، هبط إلى أدنى مستوى له فى ثلاثة أسابيع ونصف نتيجة عمليات بيع واسعة من قبل المستثمرين لتغطية خسائرهم فى الأسهم؛ فتراجعت أسعاره بنحو 1% ليسجل الذهب الفورى 3034 دولارًا للأونصة.
التداعيات المحتملة
التداعيات المحتملة على الاقتصاد الأمريكى:
 على الرغم من اعتقاد الإدارة الأمريكية بأن هذه الرسوم سوف تحقق 6 تريليون دولار خلال عقد من الزمان، بواقع 600 مليار دولار سنويًا، فتجدر الإشارة إلى أن خسائر سوق المال الأمريكى بلغت نحو 6 تريليون دولار من قيمتها السوقية.
ومع التسليم بأن الخسارة فى القيمة السوقية لا يجب أن نغفل أن ما يمكن أن نسمية “تسونامى” أسواق المال ستبقى تداعياته لفترة من الزمن، ومن غير المرجح أن تتعافى هذه الأسواق وتعود إلى مستويات ما قبل هذه الأزمة فى الوقت القريب.
 رفع بنك جولد مان ساكس احتمالات الركود فى أمريكا من 35% فى ظل التشديد الحاد فى الأوضاع المالية وزيادة عدم اليقين السياسى، إلى 45% خلال الاثنى عشر شهرًا القادمة كنتيجة لأزمة الرسوم الجمركية الحالية. أما بنك جيه بى مورجان احتمالات الركود إلى 60% بالنسبة لأمريكا والاقتصاد العالمى مقارنة بتقديراته السابقة التى كانت عند 40% فقط. ويرجح 92% من الاقتصاديين فى استطلاع بلومبرغ خطر حدوث الركود خلال العام الجارى.
 يرجح الاقتصاديون أن هذه الرسوم الجمركية سترفع الأسعار داخل أمريكا بشكل كبير، ليتحمل المستهلك الأمريكى العبء الأكبر بالنسبة لمجموعة واسعة من المواد الغذائية الأساسية والسلع الضرورية التى لا تنتج محليًا، وسوف تكون الفئات الأكثر فقرًا هى الأكثر تضررًا.
ووفقًا لإحدى التقديرات قد تزيد تكلفة السيارة الواحدة بما يتراوح بين 4000-10000 دولار بسبب هذه الرسوم.
وبالنسبة للصناعة الأمريكية فمن المحتمل أنها ستعانى من ارتفاع تكاليف الإمدادات الوسيطة الرئيسة والآلات والمعدات، مما سيقلّل بشكل كبير من أي فوائد هامشية ناتجة عن انخفاض المنافسة الأجنبية ويقلل من تنافسية المنتج الأمريكى فى الأسواق الخارجية.
 قد تخفض الرسوم الجمركية المفروضة على الصين والبالغة 54% الواردات الأمريكية بنسبة 20% تقريبًا مما يسبب صدمة فى جانب العرض مماثلة لفترة وباء كوفيد-19 مما يؤدى إلى ركود اقتصادى و/أو تضخم.
فى حالة رد الدول الأخرى بالمثل، فسوف تنخفض الصادرات الأمريكية بشكل ملحوظ.
ويدلل على ذلك بما حدث خلال فترة ثلاثينيات القرن الماضى حين فرضت تعريفات سموت-هاولى، فأدى الرد بالمثل إلى انخفاض الصادرات الأمريكية بنحو 33% وتدهور متسارع فى التجارة الدولية أطلق عليه “دوامة كيندلبرغر” التى تؤدى فيها التعريفات إلى خفض التجارة وتؤدى الردود بالمثل بفرض تعريفات أخرى إلى مزيد من الخفض فى التجارة وهكذا يؤدى الفعل وردوده إلى تأثيرات متتابعة أدت فى نهاية المطاف إلى خفض التجارة العالمية من 3 مليار دولار فى يناير 1929 إلى مليار دولار فى مارس 1933.
 وإذا أخذنا فى الاعتبار أن التجارة تمثل الآن 15% من الناتج المحلى الإجمالى وهو ما يمثل نحو 2.5 مرة قدر نسبتها فى عام 1929 والبالغة حينئذ 6%، يمكننا تصور أن الحرب التجارية القائمة، حال استمرارها مع ردود أفعال من الدول الشريكة تجاريًا، سوف تضرب الاقتصاد الأمريكى بقوة وبدرجة أكثر حدة مما قعلت سموت-هاولى. وكنتيجة لذلك فتشير توقعات بنك UBS إلى أن الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى للولايات المتحدة الأمريكية، نتيجة لهذه الرسوم، قد ينخفض هذا العام بنحو 1.5 إلى 2 نقطة مئوية، مع احتمال أن يرتفع التضخم ليقترب ليتراوح بين 3.5- 5% إذا لم يتم التراجع عن هذه الرسوم قريبًا.
 ليس هذا فحسب، بل إن بنك جيه بى مورغان توقع نموًا سالبًا بنحو 0.3% للاقتصاد الأمريكى فى العام الحالى، مع تقليص التوظيف وارتفاع البطالة لتصل إلى 5.3%، مما يزيد من احتمالات الركود.
 ومن ثم يمكن القول إن الرئيس الأمريكى يبدو أنه لا يزال يعيش فى القرن التاسع عشر ويتبنى سياساته التجارية، ويحاول بشتى الطرق أن يعيد الولايات المتحدة الأمريكية إلى عهدها التصنيعى الذى ساد فى ثمانينات القرن الماضى عبر بناء جدار من الرسوم الجمركية.
كما يبدو أن إدارته لمسألة الرسوم الجمركية جانبها الصواب لتركز على المكاسب قصيرة الأجل التى قد تتمثل فى زيادة ايرادات الحكومة الفيدرالية وتهمل التكاليف المرتفعة التى لا يمكن تجنبها فى الأجلين المتوسط والطويل والتى من بين عناصرها خفض معدل النمو الاقتصادى داخل أمريكا وخارجها، زيادة الأسعار داخل السوق الأمريكى وخارجه، فقدان الوظائف فى قطاعات كبيرة داخل وخارج أمريكا، اشعال فتيل الركود التضخمى داخل أمريكا وخارجها، وهو بذلك كمن أطلق النار على قدميه.
التداعيات المحتملة على الاقتصاد العالمى والدول الشريكة تجاريًا
 من المتوقع أت تؤدى الرسوم الجمركية الجديدة، إضافة إلى التدابير التى بدأ تطبيقها مطلع العام الجارى، إلى انكماش حجم التجارة العالمية للسلع بنسبة 1% خلال عام 2025.
من المرجح أن يؤدى تباطؤ نمو التجارة بفعل الرسوم الجمركية إلى انخفاض تدفقات رأس المال على المستوى الدولى مما يضعف الاستثمار والنمو الاقتصادى على المستوى العالمى.
من المرجح أن تؤثر هذه الإجراءات بشكل كبير على دول الجنوب العالمي، حيث تتواجد إحدى أعلى نسب التعريفات الجمركية في بلدان نامية ذات مستويات دخل متدنية في جنوب وجنوب-شرق آسيا، مثل كمبوديا وسريلانكا.
من المحتمل أن تؤدى هذه الرسوم إلى فقدان GDP العالمى على المدى البعيد 7 نقاط مئوية، وعلى مستوى الاقتصادات الفردية؛ فالاقتصاد الفرنسى مرجح ينخفض ناتجه بنحو 0.5 نقطة مئوية مع التأثير سلبًا على الوظائف والاستثمار، وبحسب تقديرات مورغان ستانلى فقد تقلل هذه الرسوم النمو فى بريطانيا إلى 0.6 نقطة مئوية، وتؤثر سلبًا على صادرات بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية من الآلات والسيارات والأدوية، لتضاف إلى قائمة السلع التى تأثرت سلبًا بالرسوم السابقة (صادرات الصلب والألومنيوم).
أثر هذه الرسوم على الاقتصاد المصرى
الآثار المحتملة السلبية: من بينها ما يلى:

خروج رأس المال الساخن (فى أدوات الدين) وهو ما حدث بالفعل، وانعكاسات ذلك على تراجع قيمة الجنيه فى مواجهة الدولار مؤخرًا.

قد يترتب على ارتفاع الرسوم الجمركية عالميًا ارتفاع أسعار السلع عالميًا مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد المصرى كمستورد صافى للسلع الغذائية ومستلزمات الإنتاج.

قد يترتب على الرسوم الجمركية تباطؤ حركة التجارة عالميًا ممايؤثر سلبًا على حركة الملاحة فى قناة السويس ومن ثم عائداتها.

قد يترتب على تباطؤ نمو الاقتصاد العالمى تراجع الاستثمار الأجنبى المباشر عالميًا ومن ثم نصيب مصر منه.

إن فرض رسوم جمركية على السلع المصرية المُصدّرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ربما يزيد من أسعارها فى السوق الأمريكى ويقلل من تنافسيتها، إلا أن عدم كبر حجم الصادرات المصريةإلى الولايات المتحدة الأمريكية (2.7 مايار دولار فقط فى عام 2024) يحد من هذا الأثر السلبى.

الآثار الإيجابية المحتملة: من بينها ما يلى:
 فى ظل إصرار الإدارة الأمريكية على هذه الرسوم الجمركية وما يصاحبه من ردود أفعال من الشركاء التجاريين وفى مقدمتهم الصين والاتحاد الأوروبى وكندا، ومن بين هذه الردود تحول الطلب السياحى فى غير صالح الولايات المتحدة الأمريكية، من المحتمل أن يزيد الطلب على المقاصد السياحية الأخرى وفى مقدمتها مصر، وهو ما يمثل فرصة كبيرة يجب استغلالها.
 إن فرض رسوم جمركية على الصادرات المصرية إلى السوق الأمريكية بنسبة 10% فقط مقارنة برسوم جمركية مرتفعة للعديد من الدول (مثال ذلك: 46% فى حالة فيتنام، 37% بنجلاديش، 34% للصين، 32% اندونيسيا، الهند 27%، الاتحاد الأوروبى 20%)، يمنح مصر ميزة نسبية أكبر مقارنة بالعديد من الدول وبخاصة الدول المنافسة فى السلع التى تصدرها مصر إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
ويوضح تحليل الفجوة بين الصادرات الفعلية والممكنة ومقدار الزيادة التى يمكن تحقيقها فى السوق الأمريكية قبل فرض الرسوم الجمركية، والتى يأتى فى مقدمتها الملابس الجاهزة والأسمدة والبلاستيك والمطاط، فإنه فى ظل الوضع الجديد الذى أتاح لمصر ميزة نسبية، قياسا بالدول الأخرى، يمكن القول إن زيادة الصادرات من هذه المنتجات يعد فرصة كبيرة.
وربما يرى البراجامتيون أنه مما يعظم من الميزة النسبية سالفة الذكر، اتفاقية الكويز التى وقعتها مصر فى عام 2004 وصادق عليها الكونجرس الأمريكى ودخلت حيز التنفيذ عام 2005 والتى تتيح للسلع المشمولة (مثال ذلك: الملابس الجاهزة) إعفاءً من الرسوم الجمركية (بعد التفاوض مع الجانب الأمريكى لإعفاء الصادرات بموجب هذه الاتفاقية من الرسوم الإضافية). وتمثل هذه الاتفاقية فرصة كبيرة لصادرات مصر من الملابس الجاهزة، كما تمثل عنصر جذب كبير للاستثمارات الدولية فى المجال التى تسعى إلى تجنب الرسوم الأمريكية المرتفعة المفروضة عليها بإعادة توطين عملياتها الإنتاجية فى دول مضيفة فرضت عليها رسوم جمركية أمريكية منخفضة.
كما تفتح الباب أمام مصر كوجهة استثمارية للاستثمارات الباحثة عن مقاصد تصنيعية تُسهِّل النفاذ إلى السوق الأمريكية مع الحفاظ على التنافسية السعرية لمنتجاتها.
فبالإضافة إلى الصين التى اتخذت مصر كمقصد لتصنيع الملابس الجاهزة قبل حدوث أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية والتى يتوقع أن تزيد من استثماراتها فى مصر خلال الفترة القادمة، من المرجح أن تشهد مصر زيادة فى طلبات المستثمرين الأجانب على إتمام عملياتهم التصنيعية داخلها كنقطة انطلاق للسوق الأمريكية.
رابعًا: ما هو مقدار الزيادة فى الصادرات المصرية الذى يضمن لها استمرار خضوعها لرسوم جمركية 10%؟
رابعًا: حجم الزيادة الممكنة فى صادراتنا إلى أمريكا دون تحمل زيادة فى الرسوم الإضافية:
بالرجوع إلى حجم التبادل التجارى بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2024 والذى سجل 8.8 مليار دولار فى عام 2024 (2.6 مليار دولار صادرات مصر إلى أمريكا و 6.1 مليار دولار صادرات أمريكا إلى مصر)، وفى ظل طريقة حساب الرسوم الجمركية الجديدة التى استندت إليها الإدارة الأمريكية عند تحديد فئات هذه الرسوم، فإنه يمكن زيادة الصادرات المصرية إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 4.6 مليار دولار لتبلغ نحو 7.3 مليار دولار، بدون زيادة هذه الرسوم الجمركية (أى تحقيق فائض بنحو 20% تقريبًا). ويمكن تحقيق هذه الزيادة بزيادة الاستثمار المحلى وتوسيع الطاقة الإنتاجية وجذب الاستثمار الأجنبى المباشر فى القطاعات المستهدفة.
خامسًا: ردود أفعال الدول التى فرضت عليها رسوم إضافية:
صرحت رئيسة المفوضية الأوروبية إن التأثيرات السلبية لهذه الرسوم ستطال الملايين من الأفراد حول العالم، وستؤدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية والأدوية وتكاليف النقل وستزيد من التضخم، علاوة على تأثيرها اليلبى على الشركات الكبيرة والصغيرة على حد سواء مع اضطراب سلاسل الإكداد وارتفاع تكاليف التبادل التجارى بشكل كبير. ومما تجدر الإشارة إليه أن ثمة اتجاهان داخل الاتحاد الأوروبى، يذهب أحدهما إلى عرض اتفاقية “صفر رسوم جمركية على الإدارة الأمريكية لتجنب حربًا تجارية معها، بينما يذهب الاتجاه الآخر إلى الرد برسوم مقابلة بنسبة 25% على مجموعة من الواردات الأمريكية بدءًا من 16 مايو المقبل، فى مواجهة الرسوم الأمريكية التى بلغت 20% على وارداتها من الاتحاد الأوروبى. علاوة على ذلك هناك توقعات بخفض الحجوزات المسبقة للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 25% هذا الصيف.
أما الصين فكان ردها سريعًا وحاسمًا فرفعت الرسوم الجمركية على جميع وارداتها من أمريكا بنفس النسبة التى زادت بها الرسوم الجمركية الأمريكية على وارداتها من الصين (34%) ليبدأ التطبيق الفعلى لها اعتبارًا من 10 ابريل. وكان من تداعيات الإعلان عن الرد الصينى ما حدث من تراجع كبير فى الأسواق المالية العالمية “الاثنين الأسود” ومن تراجع فى أسعار النفط والذهب، وشيوع حالة من عدم اليقين على المستوى الدولى. ليس هذا فحسب بل إن الصين قررت الحد من تصدير 7 عناصر نادرة تستخدم فى صناعات متقدمة كالموصلات الفائقة والمعالجات والمفاعلات النووية، كما أوقفت تسجيل الشركات المحلية التى تسعى إلى الاستثمار فى الولايات المتحدة الأمريكية، وأدرجت عددا من الشركات الأمريكية إلى قائمة مراقبة الصادرات وقائمة “الكيانات غير الموثوق بها”، مما يسمح لبكين باتخاذ إجراءات عقابية. ليس هذا فحسب بل إن الأمر مرشح لأن يزداد تعقيدًا وبخاصة فى ظل تلويح الرئيس الأمريكى ترامب بفرض رسوم جمركية إضافية 50% على الواردات من الصين (ليصل إجمالي الرسوم 104%) إذا لم تتراجع بكين، اليوم الثلاثاء، عن الرسوم الجمركية التى تنوى تطبيقها على وارداتها من أمريكا (34%)، وإعلان بكين عن استعدادها للاستمرار فى الرد بالمثل حتى نهاية المطاف.
• وبالنسبة لكندا، بعد فرض الرسوم الجمركية السابقة، فخفضت طلبها على المنتجات الأمريكية وقلصت طلبها السياحى على تذاكر السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 10%، ومع فرض الرسوم الجديدة، تتوعد بفرض رسوم بنسبة 25% على السيارات الواردة من أمريكا.
سادسًا: هل الأزمة انتهت بمجرد الإعلان عن تجميد الرسوم الإضافية لمدة 90 يوما مع استمرار فرضها مع الزادة الجديدة على الصين؟
• فى محاولة لتصحيح الخطأ الكارثى الذى ارتكبته الإدارة الأمريكية فى ملف الرسوم الجمركية الإضافية التى فرضتها فى 2 ابريل، وكاد أن يتسبب فى سعى الدول الأخرى إلى تحييد أمريكا وعزلتها اقتصاديا، تم تجميد الرسوم الإضافية المفروضة على الشركاء التجاريين الذين لم يقوموا برد تصعيدى، عدا الصين التى زادت الرسوم الإضافية عليها إلى 125%، فى محاولة للانتقام منها ومحاولة عزلها اقتصاديا، وفى حقيقة الأمر هذه الرسوم على الرغم من أنها ستؤثر سلبًا على الصادرات الصينية إلا أن تأثيرها سيكون أكبر على الاقتصاد الأمريكى وهو ما ستوضحه الأيام القادمة. ومن المرشح أن تقلل هذه الرسوم التجارة بين البلدين بنحو 80%.
• الصين أصرت على التصعيد لأنه ربما يكون بمثابة فرصة تاريخية للتعجيل بانهيار الاقتصاد الأمريكى، ضرورى نوضح أن الصين التى أظهرت وجهها الحقيقى للمرة الأولى أجبرت الرئيس الأمريكى المتسلط على التراجع أمامها، وفى قادم الأيام ربما يركع العم سام تحت أقدام التنين الصينى.
الأزمة لم تنتهى بعد:
– حتما ستنعكس الحرب التجارية بين الصين وأمريكا على أسعار السلع العالمية وسلاسل التوريد، مما يرفع أسعار السلع عالميًا.
– الاقتصاد الأمريكى يعانى من جبل من الدين (فالدين زاد ٤.٦ مرة في آخر عقدين، ويزيد كل طلعة شمس بنحو ٨.٢٨ مليار دولار) ينذر بحدوث كارثة فى أى وقت، علاوة على أن احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكى والعالمى فى موجة ركود تضخمى لا زالت قائمة ومرتفعة.
– أسواق المال العالمية بعد تجميد الرسوم على الدول الأخرى بخلاف الصين، تنفست الصعداء وعادت لتحقيق مكاسب تاريخية، هذا صحيح، لكنها ربما لن تعود إلى تحقيق المكاسب السابقة فى الأجل القريب.
– حالة عدم التأكد التى صاحبت هذه الرسوم وحالة التخبط والضبابية لا زالت قائمة، وما مرت به الأسواق العالمية لا يمكن نسيانه فى ظل وجود الرئيس الأمريكى ترامب، وهو ما سيعكس حتما على التجارة والاستثمار الدوليين وكذلك أسواق الأسهم.
– تعانى سوق السندات الأمريكية من خلال هيكلى قاتل، فمن الطبيعى أن تؤدى الأزمات القاسية فى سوق المال وموجات البيع إلى زيادة الطلب على الملاذات الآمنة ومنها السندات، لكن مع تراجع الدولار وموجات البيع فى سوق الأسهم، ارتفع العائد على السندات طويلة الجل فى مخالفة للأساس النظرى، وهو ما يعكس خللاُ هيكليًا كبيرًا يعكس مشكلة كبيرة فى التمويل ونار كامنة تحت السطح ستظهر على السطح فى قريب الأيام.
سابعًا: ممكن نقلل التداعيات على مستوى الدول النامية ومصر والأفراد ازاى؟
على مستوى الدول النامية:
• من الضرورى أن تخفض الدول النامية من إنفاقها غير الضرورى، والتعامل الجاد والحاسم مع مسألة الديون الخارجية.
• كما أنه من الضرورى دعم القطاعات المنتجة وفى مقدمتها الزراعة والصناعة، فلم يعد الأمر من قبيل الرفاهية بل هو مسألة حياة أو موت.
• ضرورة تفعيل التكتلات والاتفاقيات التجارية الثنائية ومتعددة الأطراف الحالية والدخول في اتفاقيات جديدة، لتجنب الصدمات المحتملة فى النظام التجارى العالمى.
• لا بد من تحسين مناخ الاستثمار، لتشجيع الاستثمار المحلى وجذب الاستثمار الخارجى. والأزمة الحالية سيخرج من رحمها دولا رابحة (استطاعت بفضل بيئاتها الاستثمارية الجاذبة أن تجتذب الاستثمار المهاجر الباحث عن ملاذات تصنيعية تتيح له الإنتاج التنافسى) ودول خاسرة يكفيها عض الأنامل.
بالنسبة لمصر، بالإضافة إلى مصر سبق، يجب العمل على ما يلى:
متطلبات عامة
• الإعلان الفورى عن خطة عاجلة لدعم القطاعات الصناعية والمنتجات التصديرية الأكثر تصديرًا للولايات المتحدة الأمريكية، تشمل مجموعة من الإجراءات والتدابير والحوافز التى تضمن الحفاظ على وزيادة تنافسية المنتجات التى تم إنتاجها على أرض مصر وتستهدف السوق الأمريكية.
• التفاوض مع الدول المتأثرة سلبًا بالرسوم الجمركية المرتفعة (ومنها الصين، بنجلاديش، الفلبين) لتصدير منتجاتها إلى السوق الأمريكية عبر مصر.
• فى ظل ما ستشهدة الأيام القادمة من احتدام المنافسة بين الدول التى فرض عليها رسوم جمركية منخفضة لجذب الاستثمار ات التى تستهدف إعادة توطين عملياتها الإنتاجية فى مقاصد تمكنها من النفاذ إلى السوق الأمريكية مع الحفاظ على تنافسيتها، يجب الإعلان الفورى عن منح تراخيص ذهبية للاستثمارات الجديدة الوافدة لتصنيع منتجات بهدف تصديرها إلى السوق الأمريكية وبخاصة الملابس الجاهزة.
• تكثيف الجهود التى تستهدف إصلاح مناخ الاستثمار لزيادة جاذبيته لكل من الاستثمار المحلى والأجنبى داخل القطاع، بما فى ذلك ضم جانب كبير من المشروعات العاملة فى القطاع غير الرسمى، وبخاصة الجهود التى تستهدف ما يلى: تقليل تكلفة ووقت الإفراج الجمركى وتبسيط إجراءاته ليماثل الدول المنافسة، تقليل العبء الضريبى بما فى ذلك إلغاء الضريبة العقارية على المصانع باعتبارها أصولًا منتجة وليست كيانات عقارية، إنشاء نظام إلكترونى موحد لتسجيل الملكية العقارية ونظام موحد ومحدث باستمرار للأراضى الصناعية المرفقة والمتاحة للاستثمار الصناعى على أن تكون هذه الأراضى بتكلفة معقولة، وضرورة تبسيط إجراءات الشكاوى وفض المنازعات وسرعة البت فيها.
  • متطلبات محددة لزيادة صادرات المواد النسيجية ومصنوعاتها إلى السوق الأمريكية:
• التعجيل بالتواصل مع الجانب الأمريكى لإلغاء نسبة ال 10% “رسوم جمركية” المفروضة على واردات أمريكا من مصر بما فى ذلك وارداتها فى إطار اتفاقية الكويز، بما يضمن وضعًا تنافسيًا استثنائيًا للصادرات إلى أمريكا المشمولة بالاتفاقية، وعنصر جذب كبير للاستثمارات الأجنبية التى تنتج المنتجات المشمولة بالاتفاقية .
• الإسراع فى إصدار النسخة المحدثة من استراتيجية الصناعات النسيجية مع تضمينها لقطاع الملابس الجاهزة والمفروشات. يصاغ وفقًا لها خطة مستقبلية واضحة بمستهدفات كمية محددة بمدى زمنى معلوم لكل مستهدف. تقوم هذه الخطة على مجموعة من المحاور منها: تحقيق تكامل سلسة القيمة فى صناعة المواد النسيجية ومنتجاتها، زيادة الاستثمار والطاقة الإنتاجية، وتحسين جودة المنتج النهائى وتنافسيته فى الأسواق الدولية.
علاوة على هذه التوصية الرئيسية، يمكن تقديم مجموعة من التوصيات الفرعية التى نبينها فيما يلى:
– تفعيل دور المجلس الأعلى للصناعات النسيجية واتساع نطاقه ليشمل قطاع الملابس الجاهزة والمفروشات، على أن يعمل كمنسق للصناعة بأكملها يسعى بشكل جاد إلى التشبيك، عبر جميع مراحل سلسلة التوريد بما فى ذلك تنسيق جهود جميع الجهات المعنية وتبسيطها.
– مواصلة جهود تعميق التصنيع المحلى التى تستهدف زيادة القيمة المضافة المحلية بإنتاج ما كان يستورد من مدخلات إنتاج، كلما كان ذلك ممكنًا.
وفى هذا السياق، نجد أنه من الضرورى التوسع فى زراعة القطن قصير التيلة محليًا لتلبية احتياجات الصناعة، وكذلك التوسع فى إنشاء مصانع لإنتاج الألياف الصناعية محليًا، بما يقلل من الاعتماد على الاستيراد.
– إنشاء مجمعات صناعية متكاملة ومرفقة تقوم على فكرة التصنيع العنقودى، تنتج للتصدير.
– توفير خط ائتمانى دائم، بشروط ميسرة، لتمويل القطاعات الصناعية، وبخاصة القطاعات التى تلعب دورًا مؤثرًا فى خلق قيمة مضافة محلية وزيادة التشغيل والتصدير، وفى مقدمتها قطاع صناعة المواد النسيجية ومنتجاتها، مع إعطاء أولوية لعمليات تحديث وإحلال الآلات التى تقادمت وبخاصة فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعانى من صعوبات فى الحصول على التمويل، بما يسهم فى تحسين كلاً من الإنتاجية وجودة المنتج النهائى ويزيد من التشغيل.
– إعداد خطة متكاملة تستهدف سد الفجوة بين مخرجات التعليم الفنى واحتياجات الصناعة. وفى هذا الخصوص، يمكن العمل على التوسع فى إنشاء معاهد فنية متخصصة وكذلك أكاديميات متخصصة لتدريب العمالة على أحدث التقنيات، وتطوير مناهج التعليم الفنى بالتعاون مع القطاع الخاص عبر تنفيذ وتفعيل مجالس المهارات القطاعية.
– مراجعة قواعد السماح المؤقت وسد الثغرات فى القواعد الاستيرادية للحد من التهريب.
– توفير حزمة من الحوافز التى تستهدف تحقيق الشراكة مع الشركات العالمية المتخصصة فى صناعة المواد النسيجية ومنتجاتها بما يسهم فى تطوير المنتج وتحسين جودته والنفاذ إلى شبكة واسعة من الأسواق الدولية.
– الاستعانة بشركات عالمية متخصصة فى مجال التصميم وصولاً إلى المنتج النهائى لضمان توفير منتجات تتماشى مع الأذواق الخارجية.
– الوقوف على العوامل التى ساهمت فى ضعف استفادة مصر، بشكل عام، من الاتفاقات التجارية الثنائية أو متعددة الأطراف، كمقدمة لصياغة خطة متكاملة تستهدف تعظيم الاستفادة من هذه الاتفاقيات فى المستقبل.

 

 

  • على مستوى الأفراد:

 

• لا تنفق إلا ما هو ضرورى.

• احتفظ بالسيولة، وإذا كان لديك أسهم لا تبعها فهذا وقت الشراء، وإن كان لديك ذهبًا لا تبعه فسعره حتما سيرتفع.

• لا تدخل فى مشروعات فى هذا التوقيت.

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار