
«المصرى للدراسات»: التنافسية أبرز تحدٍ أمام الصادرات المصرية
عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية ندوة هامة بعنوان: “ما التأثير المتوقع على مصر للجمارك الجديدة التي فرضها ترامب؟”، بحضور نخبة من الخبراء ومجتمع الأعمال وممثلي لحكومة، وذلك لمناقشة التأثيرات المتوقعة لفرض رسوم جمركية على الواردات الأمريكية على الاقتصاد المصري .
وعرضت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذى ومدير البحوث بالمركز، عرضا أعده المركز حول الملف التجاري بين الولايات المتحدة ومصر، وطبيعة الرسوم الجمركية المعلنة حتى الآن، وتأثير هذه الرسوم عالميا وتأثيرها المتوقع على مصر.
واستعرضت عبد اللطيف طبيعة الوضع التجارى بين مصر والولايات المتحدة، حيث توجد اتفاقيات اقتصادية تاريخية بين البلدين مثل TIFA وQIZ ، وتتمثل الصادرات المصرية غير النفطية للولايات المتحدة فى مجموعة متنوعة من المنتجات تشكل نحو حوالي 70 منتجًا، يتصدرها الملابس الجاهزة التى شكلت %45.6 من صادرات مصر للولايات المتحدة في عام 2024 بقيمة 1.24 مليار دولار ،مما يجعلها القطاع الأكثر أهمية في هذه العلاة التجارية، بجانب صادرات رئيسية أخرى تشمل: الأسمدة، الحديد، الخضروات والفواكه المعلبة، السجاد، الفواكه والمكسرات، ومواد البناء.
وحول التأثير الدولي المتوقع لهذه التعريفات، أشارت عبد اللطيف إلى أن الاقتصاد العالمي ككل، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، من المرجح أن يتأثر سلبًا، موضحة أن الصين ستتأثر أيضًا، لكن بشكل محدود نسبيًا، نظرًا لأن صادراتها إلى الولايات المتحدة تمثل أقل من 14% من إجمالي صادراتها.
وأضافت أن الضرر سيكون أكبر على الاقتصادات الصغيرة التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأمريكي، مثل المكسيك وكندا.
كما توقعت تصاعد سياسات الحمائية على مستوى العالم، مما قد يؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد، وتشتيت الانتباه عن قضايا عالمية ملحة أخرى، مثل تغير المناخ والحروب.
أما بشأن التأثير المتوقع على مصر، أوضحت عبد اللطيف أن مصر ستتأثر، شأنها شأن باقي الدول المصدرة إلى الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن نسبة الرسوم المفروضة على المنتجات المصرية تُعد منخفضة.
وأضافت أن مصر تعد لاعبًا صغيرًا في التجارة العالمية، إذ لا تتجاوز حصتها 0.26% من إجمالي التجارة العالمية.
وأكدت أن مصر تمتلك إمكانات تصديرية ضخمة — غير مستغلة — إلى السوق الأمريكية في العديد من القطاعات، مثل الأسمدة، والآلات، والفواكه، والبلاستيك، وغيرها، حيث لا تزال الصادرات الفعلية أقل بكثير من حجم الإمكانات ، فعلى سبيل المثال، تقدر الفرص التصديرية غير المستغلة في قطاع الأسمدة بنحو 81%، وفي قطاع الآلات بنحو 98%.
واستثنت عبد اللطيف قطاع الملابس الجاهزة، الذي يُعد القطاع الوحيد الذي يستغل الإمكانات التصديرية إلى الولايات المتحدة بشكل كبير، حيث وصلت نسبة التغطية فيه إلى 99%.
وتابعت: “ومع ذلك، تظل حصة مصر في سوق الملابس الأمريكية صغيرة للغاية، حتى خلال الفترات التي كانت فيها التعريفات الجمركية شبه معدومة، ما يشير إلى وجود تحديات تتعلق بالتنافسية تتجاوز مسألة الرسوم الجمركية”.
وأشارت عبد اللطيف إلى أن التعريفة الجديدة بنسبة 10% ستؤدي إلى تآكل القدرة التنافسية لصادرات الملابس الجاهزة المصرية — باعتبارها القطاع الأهم — كما قد تجعل استغلال الإمكانات التصديرية في القطاعات الأخرى أكثر صعوبة.
وأضافت أن المنافسين الرئيسيين لمصر، مثل الصين، وفيتنام، وبنجلاديش، وكمبوديا، يمتلكون حصصًا سوقية أكبر بكثير في السوق الأمريكية، على الرغم من خضوعهم لتعريفات جمركية حالية أو محتملة، وهو ما يعزى في الغالب إلى انخفاض تكاليف الإنتاج لديهم، بالإضافة إلى الحوافز والدعم المحلي الذي يتلقونه.
ولفتت إلى أن التقرير الأمريكي الخاص بالحواجز التجارية (الإصدار الافتراضي لعام 2025) يبرز عددًا من التحديات التي تواجه الشركات الأمريكية العاملة في مصر، من بينها قيود الاستيراد، ومتطلبات التراخيص، وتقييمات الجمارك، والمعايير الفنية.
وشددت عبد اللطيف على أن حصة مصر الضئيلة في السوق الأمريكية، حتى في ظل التعريفات الصفرية السابقة، تؤكد أن التحدي الأكبر يتمثل في ضعف التنافسية الداخلية، وليس فقط في الرسوم الجمركية الخارجية.
وأوضحت أن التعريفات الجديدة قد تخلق فرصًا لمصر إذا تضررت منها دول أخرى بدرجة أكبر، لكن اغتنام هذه الفرص يتطلب استعدادًا داخليًا حقيقيًا، من خلال تحسين بيئة الاستثمار والبنية التحتية اللوجستية، لتمكين مصر من جذب الاستثمارات التي تسعى للخروج من الأسواق المتأثرة، والتصدير إلى الولايات المتحدة.
وأكدت على الحاجة الماسة للتحرك السريع نحو تنفيذ إصلاحات داخلية عميقة وشاملة، بهدف تعزيز الصادرات وبناء مرونة اقتصادية قادرة على مواجهة التحديات الخارجية.
كما أشارت عبد اللطيف إلى نتائج دراسة أجراها المركز باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي، والتي أظهرت إمكانية تحقيق زيادة كبيرة في صادرات قطاع الملابس الجاهزة — وهو ما يمكن تعميمه على قطاعات أخرى — في حال تنفيذ بعض الإصلاحات المحددة.
فقد أوضحت الدراسة أن رفع كفاءة الموانئ لتقترب من مستوى كفاءة ميناء القاهرة الجوي من حيث تقليل زمن الإفراج عن الواردات، قد يسهم في زيادة صادرات الملابس الجاهزة بنسبة 25.9%.
كما أن تبسيط الإجراءات الجمركية إلى مستوى يعادل إجراءات “ورق الكرتون” — الذي يحظى بأبسط المتطلبات الرقابية — قد يقلل وقت الإفراج الجمركي بنسبة 62.8% ويؤدي إلى زيادة الصادرات بنسبة 21%.
كما شددت على ضرورة إصلاح منظومة دعم الصادرات، مشيرة إلى أن تقليص فترة تأخر صرف مستحقات الدعم من متوسط حالي يبلغ 14.7 شهرًا إلى 15 يومًا فقط، قد يؤدي إلى رفع الصادرات بنسبة تتراوح بين 3% و6%.
وأوصت بضرورة ميكنة عمليات صرف الدعم لضمان تنفيذها خلال 15 يومًا، والقضاء على التأخير المتكرر في صرف المستحقات.
من جانبه، علق محمد قاسم، رئيس مجلس إدارة الشركة المصرية العالمية للتجارة ورئيس جمعية المصدرين المصريين (Expolink)، قائلاً إن ما يحدث في الولايات المتحدة هو نوع من “الضوضاء” التي تحدث حالة من عدم الاستقرار على مستوى العالم، لكنه ليس بالأمر المفاجئ، فقد سبق أن أعلن ترامب عن عزمه القيام بهذه السياسات، وهذه هي ولايته الثانية في رئاسة الولايات المتحدة.
وأشار إلى أنه في المرة الأولى التي تولى فيها ترامب الرئاسة، كان يواجه نوعًا من الرقابة من داخل الولايات المتحدة، حيث كانت هناك قوى مؤثرة قادرة على كبح بعض قراراته.
أما في ولايته الثانية، فقد أصبح أكثر استعدادًا لتنفيذ سياساته بالكامل، مستعينًا بمراكز بحثية يمينية متطرفة مثل “مؤسسة هيريتج” (Heritage Institute)، والتي أعدت خططًا طويلة الأمد مثل “رؤية 2025″، التي يسعى لتنفيذها بصورة كاملة.
وتطرق قاسم إلى أن النظام التجاري العالمي، الذي نعيش في ظله اليوم، قد تم تصميمه قبل أكثر من 70 عامًا، موضحًا أن هذا التصميم انتهى فعليًا عام 1995 مع تأسيس منظمة التجارة العالمية، التي وضعت قواعد للتجارة الدولية من خلال اتفاقيات مثل “الجات” و”جاتس” المعنية بالتجارة في الخدمات.
وأكد أن هذا النظام ساهم في خلق عالم من القواعد المتفق عليها، حيث سعت الدول إلى التخصص وتقسيم العمل بما يخدم مصالحها الاقتصادية.
كما استعرض قاسم التحديات التي تواجه الدول النامية، مثل مصر، في ظل هذه التحولات الجارية، مشيرًا إلى وجود خلط في النظر إلى العجز التجاري فقط، دون أخذ الجوانب الأخرى بعين الاعتبار.
وأضاف: “الولايات المتحدة لا يجب أن تركز فقط على العجز في الميزان التجاري، بل عليها أن تنظر إلى ميزان المدفوعات بشكل أشمل، إذ تمتلك فائضًا كبيرًا في ميزان المعاملات غير المنظورة، ناتج عن الخدمات التي تقدمها للأسواق العالمية.”
وتحدث قاسم عن التغيرات التي يشهدها النظام التجاري العالمي، مؤكدًا أن ما نشهده حاليًا هو انهيار للنظام الذي عرفناه طوال السبعين عامًا الماضية، وأن ما فعله ترامب في يوم “التحرير” يمثل “القشة التي قصمت ظهر البعير” بالنسبة للنظام التجاري العالمي.
وقال: “ما يبدو على السطح مجرد ضوضاء، إلا أن القوى الأساسية التي تعمل في العمق هي من ستستمر في التأثير على الاقتصاد العالمي.”
وشدد قاسم على ضرورة اغتنام الفرص التي تتيحها هذه التحولات، مثل إعادة هيكلة سلاسل الإنتاج العالمية، مشيرًا إلى أن هذه الفرص متاحة منذ خمس سنوات، لكن لم يتم استغلالها بالشكل الكافي بسبب التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المصري.
واختتم حديثه قائلاً: “نحن بحاجة إلى الاستعداد الجيد لاقتناص هذه الفرص، خاصة في ظل التوجه العالمي نحو الاستثمار والتصدير من مصر، لكن هذا يتطلب إصلاحات هيكلية في مجالات مثل الضرائب، والتعليم، والصحة ” .