
خفض الفائدة.. الأسواق تتهيأ لمرحلة استثمارية جديدة
في خطوة طال انتظارها وأثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية، قرر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة لأول مرة منذ خمس سنوات، بعد سلسلة طويلة من السياسات النقدية التشددية التي استمرت في مواجهة التضخم وتحقيق استقرار اقتصادي، لكن يبدو أن إشارات التعافي الاقتصادي بدأت تعطي ثمارها، مما دفع المركزي إلى تغيير استراتيجيته أخيراً.
وخفضت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي ، أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ ما يقرب من 5 سنوات (منذ 2020)، بعد تثبيت لـ 7 مرات متتالية.
وأقرت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي المصري باجتماعها الثاني خلال عام 2025، خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 225 نقطة أساس إلى 25% و26% و25.5% على الترتيب. كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم إلى 25.5%.
هذا القرار ليس مجرد رقم يُخفض على الورق، بل رسالة واضحة بأن السياسة النقدية تستعد لتوجه جديد، إذ من المتوقع أن ينعكس الخفض مباشرة على أسعار الإقراض والتمويل، سواء للأفراد أو الشركات، وستبدأ البنوك خلال الأيام المقبلة بتعديل نسب الفائدة على القروض والتمويلات العقارية وبطاقات الائتمان، مما قد يُسهم في تخفيف الضغط على المواطن، وتحريك عجلة الاستثمار من جديد.
خفض الفائدة والذي جاء بعد مرور أيام قليلة من قرار رفع أسعار المحروقات، بمثابة «نقطة تحول» انتظرها كثيرون، خاصة مجتمع الأعمال والمستثمرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ويعتبر إشارة واضحة على أن المركزي يسعى لتوفير بيئة مناسبة تحفز الاستثمارات، وتقلل من كُلفة التمويل على القطاع الخاص، في وقت لا تزال الأسواق العالمية تواجه حالة من التوتر وعدم الاستقرار بسبب صراعات تجارية وأزمات تضخم متتالية.
من ناحية أخرى، يشكل هذا القرار أيضاً دافعاً لسوق العقارات والأسهم، حيث يعتبر خفض الفائدة بمثابة «وقود» جديد للاستثمارات الباحثة عن عوائد أعلى، خاصة في ظل استقرار سعر العملة المحلية وانخفاض مستويات التضخم بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة.
ومن ناحية سوق المال، قد يدفع خفض الفائدة المستثمرين نحو البورصة بحثًا عن عوائد أعلى من عوائد البنوك والشهادات، ما يرفع أسعار الأسهم.
وفي قطاعي الصناعة والزراعة، يرى مراقبون أن الخفض يقلل تكلفة الاقتراض وبالتالي يحفز التوسع والإنتاج ويزيد الاستثمارات، ومن ثم ينعش الاقتصاد ويحسن تنافسية الصادرات ويشجع الطلب المحلي.
محمود نجلة: الضغوط العالمية فرضت التحرك بحذر لتجنب الصدمات
بدوره قال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، إن الاقتصاد المصري بدء التعافي تدريجيا، لكن من حيث الوضع الخارجي هناك حالة عدم يقين تستدعي الحذر من الخفض العنيف لأسعار الفائدة.
وأضاف، أن حالة الارتباك التي شهدتها الأسواق إثر الرسوم الجمركية الأمريكية، قد تكون لها انعكاسات مستقبلية على التضخم الفترة المقبلة، وهو ما يزيد من مخاوف ارتفاع معدلات التضخم مجددًا، الأمر الذي دفع المركزي لتخفيض الفائدة ولكن بوتيرة أقل وبشكل تدريجي خفيف وبحذر.
محمد أنيس: خطوة مبررة.. وإجمالي الخفض قد يصبح 7% بنهاية العام
ويرى محمد أنيس، الخبير المصرفي والمحلل الاقتصادي، أن قرار المركزي بخفض الفائدة أمر جيد ومقبول، متوقعًا الخفض بنفس الوتيرة خلال اجتماع مايو المقبل.
وأضاف، أن معدل الفائدة الحقيقي الآن والبالغ نحو 14% مرتفع جدا ويمنح المركزي هامش حركة للخفض مرة أخرى الاجتماع المقبل بنفس الوتيرة ليصبح إجمالي التخفيض ما بين 4 إلى 5% على أن يثبتها حتى نهاية العام.
ولفت إلى أنه في ظل الظروف الاقتصادية العالمية والاضطرابات الخارجية والصراع المتوقع بين الصين وأمريكا والمخاطر المحتملة للرسوم الجمركية قد تدفع التضخم إلى الارتفاع إلى مستويات من 18 إلى 20% بنهاية 2025.
وأشار إلى أنه إذا قلت المخاطر العالمية والداخلية الفترة المقبلة قد تمنح المركزي مبررا للتخفيض مرة أخرى بخلاف الخفض المتوقع خلال مايو المقبل، ليصبح إجمالي الخفض بنهاية العام الجاري في حدود 7%.
علاء الزهيري: يقلل جاذبية الادخار التقليدي ويدفع للتوجه نحو منتجات التأمين الادخارية
وقال علاء الزهيري، رئيس اتحاد شركات التأمين المصرية والعضو المنتدب لشركة جي أي جي للتأمين مصر، إن سوق التأمين في مصر ستشهد تحولات ملحوظة مع تراجع أسعار الفائدة، حيث تؤثر هذه المتغيرات الاقتصادية بشكل مباشر وغير مباشر على أداء شركات التأمين وسلوك العملاء على حد سواء.
وأضاف الزهيري، أن شركات التأمين تعتمد بشكل رئيسي على استثمار أقساط التأمين في أدوات استثمارية آمنة مثل السندات الحكومية، والتي تمثل مصدرًا أساسيًا لتحقيق العائدات، ومع انخفاض أسعار الفائدة، تتراجع العوائد المتوقعة من هذه الأدوات، ما يدفع الشركات إلى البحث عن بدائل استثمارية ذات عائد أعلى مثل الأسهم أو العقارات، وهو ما يرتبط غالبًا بمستويات أعلى من المخاطر.
وأشار إلى أن انخفاض الفائدة ينعكس أيضًا على سلوك العملاء، حيث يقل جاذبية الادخار التقليدي عبر الودائع البنكية، ما يدفع العديد من الأفراد والشركات للتوجه نحو منتجات التأمين الادخارية، خاصة التأمين على الحياة، كخيار بديل يحقق لهم حماية مالية وعائدا محتملا على المدى الطويل.
وذكر أن التأثير لا يتوقف عند هذا الحد، إذ يمتد كذلك إلى قطاع التأمين على الحياة، حيث تصبح المنتجات المرتبطة بعوائد استثمارية أقل جاذبية في حال استمرار تراجع الفائدة، ما يدفع الشركات إلى إعادة النظر في تسعير هذه المنتجات أو تقديم مزايا إضافية لجذب العملاء.
وبحسب الزهيري، قد يؤدي انخفاض أسعار الفائدة إلى تراجع معدلات التضخم، ما ينعكس إيجابًا على قدرة الأفراد والشركات على الادخار والإنفاق، إلى جانب خفض تكاليف صيانة وإصلاح السيارات بسبب تراجع أسعار قطع الغيار، وهو ما قد يساهم في تحسين هامش الربح لشركات التأمين.
طارق حلمي: عائد أذون الخزانة سيتراجع والقرار في صالح الحكومة والمستثمر
وأكد طارق حلمى، الخبير المصرفى أن قرار خفض أسعار الفائدة سيكون في صالح الحكومة، بالإضافة إلى المستثمرين في كافة القطاعات والمجالات، الذين كانوا يحصلون على قروض بأسعار مرتفعة، مما يسهم فى نمو الاقتصاد المصري، مشيراً إلى أن انخفاض أسعار الفائدة سيؤثر بعض الشيء على البنوك والعملاء لأنهم سيحصلون على أسعار أقل في استثماراتهم.
وأضاف حلمى، أن خفض الفائدة بنسبة 2.25% مرة واحدة قرار جزء من قبل لجنة السياسة النقدية، متوقعا أن يستمر البنك المركزي في خفض أسعار العائد خلال الفترات المقبلة، والوصول بها إلى المعدلات التي كان يقرها البنك المركزي قبل تحرير سعر الصرف حيث كانت أسعار الفائدة 11.75% و12.75% على الإيداع والإقراض.
واستطرد طارق حلمى بأن البنوك تستثمر في أذون الخزانة حالياً بأسعار عائد مرتفع، أما بعد الخفض سيتراجع العائد فبدلاً من استثمار البنوك في أذون الخزانة بـ 30% سينخفض العائد لافتاً إلى أن الحكومة ستوفر الفرق بين سعري العائد على أذون الخزانة قبل وبعد خفض سعر الفائدة.
محمد علي: الفوائد يجب أن تتماشى مع التضخم.. وتوقع تراجع الأسعار بعد الخفض
ومن خلاله، قال محمد علي، مدير قطاع القروض فى أحد البنوك الخاصة، إن قرارات لجنة السياسة النقدية الأخيرة بخفض معدلات الفوائد خطوة متوقعة ضمن سلسلة من القرارات فى ذات الاتجاه لعدة عوامل أهمها، تراجع معدلات التضخم لمستويات قياسية حيث أعلن البنك المركزي المصري، تراجع المعدل السنوي لـ التضخم الأساسي إلى 9.4% خلال شهر مارس 2025، مقابل 10% في فبراير الماضي.
وأضاف أنه يجب الأخذ فى الاعتبار أن معدلات الفوائد يجب أن تتماشى مع معدلات التضخم، فإذا ما زادت معدلات التضخم عن معدلات الفوائد تتضرر مصالح المودعين، ويحدث تآكل فى مدخراتهم كنتيجة لكون حقيقة الفائدة سالبة لأنها أقل من معدلات التضخم، أما إذا قلت معدلات التضخم عن معدلات الفوائد من الممكن أن ينتج عن ذلك رد فعل عكسي، بحدوث موجة تضخمية ناشئة عن زيادة حجم الطلب متأثراً بزيادة الدخل الناتج عن ارتفاع الفوائد عن معدلات التضخم.
وأوضح أن انخفاض معدلات التضخم يستلزم مراجعة معدلات الفوائد واتخاذ ما يلزم من إجراءات تصحيحية، بالإضافة إلى أن الارتفاع الحاصل فى قيمة الجنيه المصري انعكس إيجابياً على مستويات الأسعار التى بدأ بالفعل تشهد تراجعاً ملحوظاً، وبالتالي فإن خفض الفوائد لن يمثل عبئا على مدخري القطاع العائلي لأن مع انخفاض الفوائد هناك تراجع ملحوظ فى الأسعار.
وتوقع أن تستمر لجنة السياسة النقدية فى خفض معدلات الفوائد وذلك حتى نصل لمرحلة استقرار معدلات التضخم وتماشي معدلات التضخم العام السنوية مع معدلات الفوائد بفارق إيجابي ضعيف.
قرار اللجنة بخفض الفائدة
وقالت لجنة السياسة النقدية، في بيان لها، إن خفض أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي بواقع 225 نقطة أساس يعد مناسبا للحفاظ على سياسة نقدية ملائمة تهدف إلى ترسيخ التوقعات ودعم المسار النزولي المتوقع للتضخم.
وأضافت اللجنة أنها ستواصل تقييم قراراتها بشأن فترة التقييد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات.