
رغم انسحاب 3 شركات من التنقيب.. البحر الأحمر مصدر طاقة واعد
كتب: شيرين نوار
أكد خبراء الطاقة أن قرار انسحاب شركات شل وشيفرون ومبادلة الإماراتية من مناطق امتيازها في البحر الأحمر لن يؤثر على مستقبل قطاع الطاقة في مصر، لأن هذه الشركات أرجعت قرار انسحابها إلى أن نتائج عمليات البحث والاستكشاف غير مجدية اقتصاديًا، وبالتالي أصبح قرار الانسحاب منطقيًا ومبررًا، وليس لأن هذه الشركات لم تحصل على مستحقاتها أو نتيجة اختلاف في الرأي حول العقود الموقعة.
وأشار الخبراء إلى أن منطقة البحر الأحمر من المناطق الواعدة التي لم تحظَ بحقها من عمليات البحث والاستكشاف حتى الآن، وأن الشركات دائمًا ما تركز على المناطق المضمونة كالبحر المتوسط.
وقال المهندس ياسر مصطفى، مدير معهد بحوث البترول السابق، وخبير الطاقة، إنه تم وضع مناطق البحر الأحمر لأول مرة على خريطة الاستثمارات العالمية للبحث عن البترول والغاز، وذلك بعد تنفيذ مشروع طموح لهذا الغرض وترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، ليتمكن قطاع البترول المصري من طرح مزايدة عالمية وإسناد 3 قطاعات لأكبر الشركات العالمية التي تنفذ حاليًا برنامجًا فنيًا بأحدث التكنولوجيا العالمية التي تناسب تحديات البحر الأحمر.
وأوضح أنه استكمالًا لنشاط شركة جنوب الوادي القابضة للبترول على خريطة الاستثمار في مجال البحث والاستكشاف، فقد تم الانتهاء من تنفيذ المرحلة الثانية لتجميع البيانات السيزمية ثلاثية الأبعاد ومعالجتها بمناطق امتياز البحر الأحمر، والتي أظهرت بعض المؤشرات الإيجابية وبعض الدلالات المحتملة لتواجد أنظمة بترولية بتلك المناطق، وذلك تمهيدًا لحفر آبار استكشافية بمناطق امتياز البحر الأحمر بإجمالي استثمارات تزيد على 150 مليون دولار.
وتابع مصطفى أنه تم إسناد مناطق امتياز البحر الأحمر للشركات العالمية وفقًا لمزايدات وعقود، مشيرًا إلى أن قرار انسحاب 3 شركات من هذه العملية لا يعتبر أمرًا سلبيًا، فكل شركة لها أولوياتها في عمليات البحث والتنقيب على مستوى العالم، وهناك بعض الشركات تفضل التركيز على المناطق المضمونة التي لا تبذل فيها جهدًا كبيرًا حتى تحصل على نتائج إيجابية تتوافق مع الاستثمارات التي تستهدف ضخها، ولذلك نجد أغلب الشركات العالمية تركز على البحر المتوسط نظرًا لأنه بيئة خصبة لآبار الغاز.
وقال مصطفى إن الفترة من يوليو 2014 حتى يونيو 2023 شهدت تنفيذ العديد من المشروعات في قطاع البترول والغاز (مشروعات منفذة وجارية)، وشملت تلك المشروعات البالغ استثماراتها حوالي 1.2 تريليون جنيه، تنمية حقول الغاز الطبيعي والزيت الخام وتكرير البترول وتصنيعه والبتروكيماويات وخطوط أنابيب البترول والغاز ومستودعات تخزين البترول وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل ومحطات تموين السيارات بالوقود والغاز.
وأوضح مصطفى أنه تم اجتذاب استثمارات وشركات عالمية جديدة في البحث عن البترول والغاز، حيث تم طرح 12 مزايدة عالمية خلال تلك الفترة للبحث عن البترول والغاز في المناطق البرية والبحرية في البحرين المتوسط والأحمر والدلتا والصحراء الغربية والشرقية وخليج السويس وصعيد مصر، وكذلك الحقول المتقادمة بخليج السويس والصحراء الشرقية، بينها 5 مزايدات عالمية تم طرحها على منصة بوابة مصر للاستكشاف والإنتاج الرقمية (EUG).
وأسفرت 10 مزايدات عن ترسية 40 منطقة للبحث عن البترول والغاز على شركات عالمية باستثمارات حدها الأدنى حوالي 2.3 مليار دولار، ومنح توقيع حوالي 298 مليون دولار، وكذلك مزايدة الحقول المتقادمة بخليج السويس والصحراء الشرقية، وتوقيع 120 اتفاقية جديدة مع الشركات العالمية للبحث عن البترول والغاز في مصر باستثمارات حدها الأدنى حوالي 22.3 مليار دولار، ومنح توقيع قدرها حوالي 1.3 مليار دولار لحفر 449 بئرًا استكشافية كحد أدنى.
وقال المهندس أحمد أبو جنيدي، خبير الطاقة، إن مناطق البحر الأحمر والصحراء الشرقية من المناطق الواعدة التي لا تزال لم يتم اكتشافها حتى الآن، فهي تحتوي على ثروة ضخمة من حقول الغاز وكذلك الثروات التعدينية، ولكنها تحتاج إلى استثمارات ضخمة ودراسات عديدة وجولات استكشافية لتحديد هذه الثروات، مطالبًا بضرورة إنشاء مركز متخصص للدراسات الجيولوجية ولجان فنية من أبرز وأهم الكفاءات والكوادر للوصول إلى نتائج صحيحة وعمل دراسات كافية، وذلك لجذب الاستثمارات الأجنبية إليها وتشجيعهم على استكشاف هذه الثروات، خاصة أن الشركات العالمية تمتلك الإمكانيات التكنولوجية والمالية والبشرية المطلوبة لاستخراج هذه الثروات واستغلالها.
وقال أبو جنيدي إن قرار انسحاب 3 شركات أجنبية من مناطق امتيازها في البحر الأحمر لن يؤثر على خطط مصر بالتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، بل يعتبر أمرًا طبيعيًا ضمن دورة حياة المشروعات الاستكشافية، مشيرًا إلى أن هذا الأمر قد يتطلب مراجعة الحكومة للاستثمارات في قطاع الطاقة وشروط التعاقد وتقديم حوافز جديدة للشركات العاملة في التنقيب عن الغاز في مصر، لتوفير مناخ استثماري جاذب للشركات العالمية، خاصة في ظل المنافسة العالمية وقيام الشركات بمراجعة أولوياتها عالميًا، وحتى لا يتكرر هذا الانسحاب من قبل شركات أخرى.
وتابع أبو جنيدي أنه يجب على الحكومة في مناطق الامتياز الجديدة، التي لم تتمتع بنصيب وافر من الاهتمام بعمليات البحث والتنقيب، أن تمنح الشركات العالمية امتيازات لا تُقاوم حتى تتجه إلى الاستثمار فيها، حتى لا تقرر الانسحاب منها.
وقال أبو جنيدي إن نتائج المسح السيزمي الذي أجرته الشركات الثلاث لم تحقق الحد الأدنى من الجدوى الاقتصادية المطلوبة للانتقال إلى مرحلة الحفر، وهو ما دفعها إلى التخلي عن الامتيازات الممنوحة لها ضمن أول مزايدة عالمية أطلقتها مصر في البحر الأحمر عام 2019.
جدير بالذكر أن المساحات التي حصلت عليها الشركات الثلاث قد تجاوزت 10 آلاف كيلومتر مربع، باستثمارات مبدئية تعهدت بها بلغت 326 مليون دولار، مع توقعات ببلوغها مليارات الدولارات حال نجاح الاكتشافات، وكانت شل قد تعهدت بضخ أكثر من 120 مليون دولار لحفر بئرين استكشافيتين، إلا أن البيانات الفنية لم تكن مُرضية، ما دفعها إلى تركيز عملياتها في البحر المتوسط، الذي يُعد أكثر نضجًا من الناحية الجيولوجية.
وتدرس الحكومة حاليًا إعادة تقييم هذه المناطق تمهيدًا لطرحها من جديد، لا سيما في ظل اهتمام عدد من الشركات العالمية بمناطق البحر الأحمر التي رغم صعوبتها الجيولوجية تظل واعدة.