
استئناف تصدير الغاز.. مصر تزاحم الكبار في السوق الدولية
تحقيق: شيرين نوار
أكد خبراء الطاقة أن استئناف مصر تصدير الغاز الطبيعي المسال من محطاتها في دمياط وإدكو، بتصدير أول شحنة خلال أبريل 2025 من محطة إدكو، بعد توقف دام عامًا كاملاً تقريبًا بسبب تحديات محلية في الإنتاج وتراجع الحوافز السعرية في السوق العالمي، يعتبر تحولًا استراتيجيًا في مشهد الطاقة المصري وإعادة وضع مصر على خريطة التصدير الإقليمية والدولية رغم موجة انخفاض أسعار الغاز عالميًا.
وقال المهندس مصطفى الشربينى، خبير الطاقة، إن عودة مصر إلى تصدير الغاز مرة أخرى بعد توقف عام تعتبر تحركًا إيجابيًا للحفاظ على مكانة مصر كدولة مصدرة للغاز وجلب العملة الصعبة، وهذا يعني تحقيق اكتفاء ذاتي مع وجود فائض للتصدير نتيجة استعادة الشركات الأجنبية العاملة بمصر نشاطها وتكثيف البحث والاستكشاف وحفر آبار جديدة.
وأشار إلى أن عام 2024 شهد تحديات كبيرة في قطاع الغاز المصري، من أبرزها تراجع الإنتاج المحلي بسبب خلل فني في حقل ظهر أو تأخر تطوير حقول جديدة وأولوية السوق المحلي، حيث تم توجيه الغاز لتغذية محطات الكهرباء لضمان احتياجات الصناعة، وانخفاض الجدوى الاقتصادية للتصدير، مع تحسن طفيف في الإنتاج وإعادة تشغيل بعض خطوط التوريد، إضافة إلى الاستفادة من فترات استقرار نسبي في السوق، قررت مصر استئناف التصدير في أبريل 2025.
وأضاف الشربينى أن انخفاض أسعار الغاز عالميًا يرجع لعدة أسباب، منها أن السوق العالمية تخضع لقوى العرض والطلب، فكلما زاد المعروض انخفضت الأسعار، وكلما زاد الطلب وانخفض المعروض ارتفعت الأسعار، وهناك حاليًا وفرة في المعروض نتيجة ضخ كميات كبيرة من الغاز الأمريكي والقطري إلى الأسواق، وتراجع الطلب في أوروبا بفعل انخفاض استهلاك الغاز بعد شتاء معتدل، واتساع الاعتماد على الطاقات المتجددة، وتنامي المنافسة الآسيوية، حيث تنشط دول مثل أستراليا ونيجيريا في خفض الأسعار لجذب المشترين.
وتابع الشربينى أنه رغم ذلك، فإن قرب مصر الجغرافي من أوروبا ومرونة بنيتها التحتية تجعلها في موقع مناسب لخدمة الأسواق الإقليمية، خاصة في حالات الطوارئ أو تقلبات الطقس، لافتًا إلى أن عودة مصر لتصدير الغاز مرة أخرى له إيجابيات، منها توفير عملة صعبة، حيث يخفف الضغط على الاحتياطي النقدي وميزان المدفوعات، وإعادة ثقة المستثمرين من خلال عودة النشاط التصديري التي تعزز مناخ الاستثمار، خاصة لشركات الطاقة العاملة في مصر، واستغلال القدرات المعطلة، حيث عادت محطات الإسالة للعمل بعد فترة توقف مما يقلل من الخسائر التشغيلية.
وأوضح الشربينى أن هناك تحديات يجب مراقبتها مع عودة التصدير، منها ضغوط السوق المحلية وضمان عدم تأثر الاستهلاك المحلي نتيجة توجيه كميات أكبر للتصدير، وهامش الربح المحدود نظرًا لأن الأسعار الحالية لا تتيح أرباحًا كبيرة، ما يتطلب إدارة دقيقة للعقود والتكاليف، مشيرًا إلى أن عودة مصر للتصدير تؤثر إيجابيًا بدرجة كبيرة على الاقتصاد بجلب العملة الصعبة، وإنما على المستوى العالمي تأثيرها محدود على الأسعار، حيث إن الكمية المصرية، رغم أهميتها، لا تمثل حجمًا كافيًا لتغيير اتجاه الأسعار العالمية، لكنها تسهم في زيادة المعروض، إلا أن عودة مصر كمصدر نشط لتصدير الغاز تعتبر رسالة جيوسياسية تعيدها إلى طاولة مفاوضات الطاقة، خاصة مع أوروبا التي تسعى إلى تنويع مصادرها وتعزيز المنافسة الإقليمية، حيث تثبن مصر تثبت إلى جانب قطر وإسرائيل كقوى غازية في منطقة الشرق.
وقال حسام عرفات، خبير البترول، إن عودة مصر لتصدير الغاز مرة أخرى رغم انخفاض الأسعار عالميًا تعزز مكانتها في سوق الطاقة العالمي، وتجعلها سوقًا واعدة للاستثمارات الأجنبية، وتُشجع الشركات الأجنبية على ضخ استثمارات جديدة في سوق الطاقة المصري، وتكثيف عمليات البحث والتنقيب والاستكشاف وحفر آبار جديدة، وتعزز ثقة المستثمرين الأجانب في الاقتصاد المصري والحكومة المصرية ودورها في تشجيع الاستثمار الأجنبي وخلق مناخ جاذب للاستثمار، إلى جانب سداد مستحقات الشركات الأجنبية.
وأضاف عرفات أن عودة مصر لتصدير الغاز الطبيعي المسال في أبريل 2025 بعد عام من التوقف تعتبر خطوة استراتيجية، ليست فقط على المستوى الاقتصادي، بل أيضًا كمؤشر على استقرار القطاع وإعادة تشغيل بنيته التحتية بكفاءة، وعلى الرغم من استمرار انخفاض الأسعار عالميًا، فإن هذا التحرك يبرز مرونة وقدرة مصر على الاستفادة من نوافذ الفرص، ويعزز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط.
وعن أسباب تراجع أسعار النفط عالميًا، أكد عرفات أن الخلل الفني في حقل “ظهر” يعد من أهم الأسباب المباشرة لتراجع الإنتاج في مصر خلال عام 2023 وبداية 2024، لافتًا إلى أن حقل ظهر هو أكبر حقل غاز في مصر وشرق المتوسط، ويشكل العمود الفقري للإنتاج المصري، لذلك أي خلل في تشغيله ينعكس فورا على إجمالي إنتاج الدولة، مشيرًا إلى أن الخلل الفني في أحد خطوط الإنتاج أو مرافق المعالجة داخل حقل ظهر أدى إلى خفض معدلات الضخ، والهبوط الطبيعي في إنتاجية الآبار، وهو أمر متوقع في الحقول التي بلغت ذروة إنتاجها، وتأخير في ربط آبار جديدة أو تطوير مناطق أخرى داخل الحقل.
وتابع عرفات أنه تمت معالجة الخلل الفني بشكل جزئي في الربع الأخير من 2024، وعادت معدلات الإنتاج إلى التحسن التدريجي، لكن لم يتم استعادة الطاقة القصوى السابقة بالكامل بعد. وهناك خطط تطوير جديدة داخل الحقل لزيادة عدد الآبار الإنتاجية وربط مناطق إضافية في 2025-2026.