نقلة نوعية في قطاع الألبان.. تطوير 300 مركز بدعم وتمويلات ميسرة
في دولة يزيد عدد سكانها عن 105 ملايين نسمة، تُعد الألبان من أكثر السلع الغذائية ارتباطًا بصحة الأسرة المصرية وسلامة مائدتها اليومية.
ويُقدر إنتاج مصر من الألبان بحوالي 6.5 مليون طن سنويًا، بينما يقترب الاستهلاك المحلي من 7 ملايين طن، ما يعني وجود فجوة استهلاكية تتجاوز نصف مليون طن يتم تعويضها بالاستيراد أو تتأثر بها بعض الفئات من حيث جودة المنتج وتوافره.
رغم هذا الإنتاج الكبير، إلا أن نصيب الفرد في مصر من استهلاك الألبان لا يتعدى 60 كجم سنويًا، مقارنة بـ:250 كجم للفرد في الاتحاد الأوروبي، 120 كجم في تركيا، 110 كجم في إيران.
وفي إطار جهود الدولة المصرية للنهوض بالصناعات الغذائية وتحقيق الأمن الغذائي، تواصل وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تنفيذ مشروعها القومي لإنشاء وتطوير مراكز تجميع الألبان، باعتباره أحد المحاور الرئيسية لتحديث القطاع الزراعي والإنتاج الحيواني في مصر.
دعم رئاسي مباشر وتمويلات ميسرة
جاء المشروع في إطار توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بتطوير منظومة تجميع الألبان، من خلال إنشاء مراكز حديثة في المحافظات التي تفتقر لها، وتوفير التمويلات اللازمة بشروط ميسرة لصغار المربين، بهدف رفع جودة الإنتاج وضمان سلامة الغذاء.
البنك الزراعي المصري.. شريك استراتيجي في التمويل
استجابة لهذه التوجيهات، ضخ البنك الزراعي المصري تمويلات بقيمة 164 مليون جنيه لتطوير 84 مركزًا، ضمن مبادرة البنك المركزي المصري التي تم إطلاقها في عام 2022، لتوفير قروض بفائدة متناقصة قدرها 5%.
وبحسب البيانات الرسمية، تم حتى الآن تطوير نحو 300 مركز من إجمالي 800 مركز مستهدف على مستوى الجمهورية، واعتمدت 216 مركزًا منها على تمويلات ذاتية أو عبر بنوك أخرى مثل البنك الأهلي المصري، بينما استفاد 84 مركزًا من دعم البنك الزراعي.
تجهيزات متقدمة ومعايير جودة دولية
وأكدت وزارة الزراعة أن المراكز المطورة تم تجهيزها بأحدث المعدات والتقنيات، مثل: وحدات تبريد للحفاظ على جودة الألبان، أجهزة لقياس الحموضة واختبار الجودة، نظم تعقيم وتعبئة حديثة، أنظمة رقمية لتسجيل وتتبع الإنتاج.
كما تتحمل الدولة تكلفة إصدار شهادة الاعتماد الدولية (HACCP) التي تبلغ حوالي 50 ألف جنيه لكل مركز، لتشجيع صغار المنتجين على العمل وفق المعايير الدولية.
مؤشرات أداء إيجابية ونمو في الإنتاج
صرح الدكتور طارق سليمان، رئيس قطاع تنمية الثروة الحيوانية والداجنة بوزارة الزراعة، بأن المشروع ساهم في تحسين جودة الألبان الموردة للأسواق والمصانع، من خلال إخضاعها للفحص والتبريد والمعالجة في بيئة صحية.
مراكز تجميع الألبان تُعد أحد الحلول الجوهرية لضمان جودة الألبان قبل توجيهها للتصنيع أو البيع، كما تُمكن صغار المربين من تسويق إنتاجهم بشكل منظم وآمن.
وأشار إلى أن معدلات إنتاج الألبان شهدت نموًا بنسبة 8.3% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، حيث ارتفع الإنتاج من 6 ملايين طن إلى 6.5 مليون طن.
فتح أسواق تصديرية وتحقيق الاكتفاء الذاتي
أوضح سليمان أن مراكز تجميع الألبان تُعد خطوة ضرورية لتأهيل مصر لدخول الأسواق العالمية بمنتجات لبنية عالية الجودة، كما أنها تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الألبان وتقليل الفاقد في سلاسل التوريد.
شهادات من أرض الواقع
من جانبهم، عبر المربون عن رضاهم عن المشروع، حيث قال محمود عبد التواب، أحد المربين بمحافظة الغربية: “قبل المركز، كنا بنخسر جزء كبير من اللبن بسبب سوء التخزين، دلوقتي نحافظ على الجودة وناخد سعر عادل.”
مساهمة مبادرة “حياة كريمة”
أسهمت مبادرة حياة كريمة في تجهيز 41 مركزًا بأحدث الأجهزة والأنظمة الإلكترونية من إنتاج مصنع 99 الحربي، بإجمالي استثمارات بلغ 217 مليون جنيه، ما ساهم في رفع كفاءة منظومة تجميع الألبان بالمناطق الريفية.
مطالب بإنشاء مناطق صناعية متخصصة
دعت شعبة الألبان بالغرفة الغذائية إلى إنشاء مناطق صناعية متخصصة في صناعة الألبان بالقرب من مناطق التربية ومراكز التجميع، ما يسهم في تعزيز التكامل بين الإنتاج والتصنيع وتخفيض تكاليف النقل.
يمثل مشروع مراكز تجميع الألبان في مصر تجربة تنموية رائدة، يجمع بين التحديث التكنولوجي، والدعم المالي الحكومي، والشراكة مع صغار المربين. ويُعد المشروع نموذجًا متكاملاً لتحسين جودة الغذاء، رفع دخل الفلاح، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات استراتيجية تمس حياة المواطن اليومية.
