
ارتفاع أسعار الأسمدة 84%.. ومخاوف من قفزة في تكاليف الزراعة
مصانع الأسمدة في مرمى الأزمة.. توقف الإنتاج يهدد التصدير ويزيد الضغط على السوق المحلي
تحذيرات من سوق سوداء للأسمدة.. النوع غير المدعم في دائرة الخطر… والحكومة تراقب المدعوم
شريف الجبلي: قرار وقف الغاز كان ضروريًا.. تأثير مباشر على الإنتاج والصادرا واستيراد الغاز غير مجدٍ
اجرى تريد: الأسعار ارتفعت من 380 إلى 450 دولارا لطن اليوريا
إيفرجرو: الإمدادات مستمرة ولم نتأثر حتى الآن.. ،،الخشن،، يؤكد انتظام التوريد واستعداد القطاع لمواجهة التقلبات
وزارة الزراعة تطمئن: لا أزمة في الجمعيات.. أكثر من 250 ألف طن مخزون استراتيجي… ومنظومة كارت الفلاح تعمل بكفاءة
في خضم التوترات الجيوسياسية المتصاعدة بين إسرائيل وإيران، وجدت مصر نفسها أمام أزمة طاقة جديدة، بعد توقف إمدادات الغاز الطبيعي الإسرائيلي، وهو ما دفع الحكومة إلى تفعيل خطة طوارئ شاملة لإدارة الموارد وضمان استمرار التغذية الكهربائية خلال أشهر الصيف الحارة.
الصدمة لم تكن بسيطة؛ إذ تعتمد مصانع الأسمدة النيتروجينية على الغاز الطبيعي بنسبة تصل إلى 70% كمكون أساسي في إنتاجها، ومع تعطل الإمدادات، قررت الحكومة وقف ضخ الغاز لبعض المصانع بنسبة 100%، وتخفيض الكميات الموردة لأخرى بنسبة تصل إلى 50%، وسط غياب جدول زمني واضح لاستئناف الضخ، ما يهدد الصناعة والأسواق في آن واحد.
تعليق الإنتاج يثير القلق محليًا ودوليًا
ووفقًا لما نقلته وكالة “رويترز” عن مصادر بصناعة الأسمدة، فقد توقفت بعض المصانع عن الإنتاج منذ يوم 10 أيام، وهو تطور مثير للقلق يهدد مستقبل التوريد المحلي والتزامات التصدير إلى الخارج.
من جانبها، أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية أنها بدأت في تشغيل محطات الكهرباء باستخدام المازوت والسولار كبدائل لتعويض العجز في الغاز، ورفعت استهلاك المازوت إلى أقصى قدرة ممكنة، مع تشغيل محطات بالسولار رغم التكلفة الباهظة، وذلك في محاولة استباقية لمنع انقطاع التيار الكهربائي.
الجبلي: اضطررنا إلى هذا القرار الصعب
الدكتور شريف الجبلي، رئيس غرفة الصناعات الكيماوية ورئيس شركة أبو زعبل للأسمدة، وصف قرار وقف إمدادات الغاز بأنه “إجراء احترازي لا مفر منه”، في ظل توقف حقول مثل “ليفياثان” و”كاريش”، وتعطل خطوط الإمداد.
وأكد الجبلي أن الغاز الطبيعي يشكل العمود الفقري لصناعة الأسمدة الأزوتية، وأن توقفه يعني توقفًا مباشرًا للإنتاج، ما سينعكس على التصدير، والتزامات الشحن، وتوفير الأسمدة للسوق المحلي.
استيراد الغاز؟ ليس خيارًا واقعيًا الآن
في ظل ارتفاع الأسعار عالميًا، يرى الجبلي أن فكرة استيراد الغاز حاليًا غير واقعية، وقال: “حتى لو أرادت الشركات التعاقد، من سيبيع؟ وبأي سعر؟”، لافتًا إلى أن الأسواق غير مستقرة، والأسعار غير مشجعة.
وأضاف أن مصر تصدر ما بين 3 و3.5 مليار دولار من الأسمدة سنويًا، ولكن الأولوية في هذه المرحلة ستكون لتلبية الطلب المحلي، الذي يتزايد عادة خلال موسم الصيف الزراعي.
وحذر كذلك من احتمال نشوء سوق سوداء في قطاع الأسمدة، لا سيما للأنواع غير المدعمة، والتي قد تشهد قفزات سعرية، في الوقت الذي تستمر فيه الحكومة بمراقبة وتوجيه الأسمدة المدعمة للمزارعين أصحاب الحيازات الصغيرة.
تحركات حكومية عاجلة لضمان استقرار الكهرباء
لتفادي أزمة كهرباء موازية، عقد رئيس مجلس الوزراء اجتماعًا عاجلًا مع وزيري البترول والكهرباء لوضع خطط بديلة لتوزيع الغاز، وضمان استقرار الشبكة القومية للكهرباء، وتقوم الوزارتان حاليًا بمراجعة أولويات التوزيع، وقد تُعاد النظر في حصص الغاز الموجهة لبعض الصناعات كثيفة الاستهلاك، مثل صناعة الحديد.
وفي ظل هذا المشهد، أكدت مصادر حكومية أن أسعار الأسمدة في السوق المحلي شهدت قفزة بنسبة وصلت إلى 84% خلال أقل من شهر، ما ينذر بموجة جديدة من ارتفاع تكاليف الزراعة للمزارعين هذا الموسم.
أكد أحمد هجرس، رئيس شركة أجري تريد للأسمدة، أن الأسعار العالمية لأسمدة اليوريا شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بعد توقف مصانع الأسمدة المصرية نتيجة وقف إمدادات الغاز القادمة من إسرائيل، لاسيما بعد توقف الإنتاج في حقل ليفياثان البحري.
وشدد هجرس على أن قطاع الأسمدة في مصر من أقوى القطاعات الصناعية، ويتمتع بأهمية اقتصادية كبيرة، إذ تصل قيمة إنتاجه إلى نحو 2.6 مليار دولار، موضحًا أن ارتفاع الأسعار يصب في صالح زيادة قيمة الصادرات المصرية من الأسمدة.
وأشار هجرس إلى أن مصر تتمتع بموقع لوجستي فريد، إذ تطل على البحرين المتوسط والأحمر، ولديها شبكة موانئ متطورة واستثمارات كبيرة في صناعة الأسمدة، وهو ما يجعلها مركزًا إقليميًا هامًا للتصدير رغم التحديات التي تواجهها من وقت لآخر.
وحول ترتيب أولويات استخدامات الغاز، أوضح هجرس أن الحكومة المصرية تلجأ إلى موازنة دقيقة عند حدوث أي أزمة إمداد، حيث تمنح الأولوية لمحطات الكهرباء والاستهلاك المنزلي، تليها القطاعات الصناعية، في ظل محدودية المتاح من الاحتياطي.
وأضاف أن توقف الإمدادات للمصانع أمر خارج عن إرادة الدولة والمصانع المحلية، وأن الشركات الأجنبية المستوردة من السوق المصري تتفهم الموقف الإقليمي المعقد وما يشهده من اضطرابات تؤثر على تدفق الغاز.
وفيما يخص السوق المحلية، أشار هجرس إلى أن طلب الأسمدة يرتفع خلال فصل الصيف مع زيادة النشاط الزراعي، موضحًا أن الحكومة تسحب من المخزون الاستراتيجي الذي تم تجهيزه مسبقًا لدى الجمعيات الزراعية والبنك الزراعي المصري، لتلبية الاحتياجات دون حدوث فجوة في الإمداد.
ولم يستبعد هجرس أن تلجأ بعض الشركات إلى استيراد الغاز بشكل مباشر بعيدًا عن الحكومة إذا استمر الوضع الحالي لفترة طويلة، مؤكدًا أن مصر تمتلك البنية التحتية اللازمة لذلك، من خلال تسهيلات وموانئ إسالة للغاز الطبيعي.
وأوضح هجرس أن أسعار اليوريا عالميًا ارتفعت من نحو 370-380 دولارًا للطن إلى ما بين 440 و450 دولارًا بعد توقف مصانع الأسمدة المصرية، مما أثر بشكل مباشر على السوق الدولية. كما سجلت أسعار الأمونيا ارتفاعًا ملحوظًا خلال الفترة نفسها.
إيفرجرو: الإمدادات لم تنقطع بعد
ورغم الصورة القاتمة، فإن شركة “إيفرجرو” للأسمدة أعلنت أن إمدادات الغاز الطبيعي لمصانعها لا تزال منتظمة حتى الآن، وأوضح محمد الخشن، رئيس مجلس إدارة الشركة ورئيس جمعية موزعي الأسمدة، أن المصنع لم يشهد أي تخفيض في الكميات حتى اللحظة.
وأشار الخشن إلى أن مصانع الأسمدة النيتروجينية تعتمد بشكل أساسي على الغاز لإنتاج اليوريا، النترات، النشادر، والأسمدة المتخصصة، مضيفًا أن الخفض الذي حدث في الفترة الماضية جاء نتيجة أعمال صيانة دورية، ولم يؤثر على سير العمل.
وفيما يتعلق بالحرب الإسرائيلية الإيرانية، قال الخشن إن تداعياتها لم تؤثر بعد بشكل ملموس على الإنتاج، لكنه لم يستبعد ظهور الآثار خلال الأيام القليلة المقبلة.
وزارة الزراعة: الأسمدة متوفرة في الجمعيات رغم توقف بعض المصانع
وفي قلب الأزمة الراهنة، أكدت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي أن الأسمدة الزراعية متوفرة بشكل منتظم داخل الجمعيات التعاونية في جميع القرى، وأن صرف المقررات السمادية يتم وفقًا لمنظومة “كارت الفلاح الذكي”، دون وجود أزمة في الوقت الحالي، رغم التوقف المؤقت لبعض مصانع الأسمدة.
وأوضحت الوزارة، في بيان رسمي، أن هناك مخزونًا كافيًا للصرف لدى جمعيات الائتمان، والإصلاح، والأراضي المستصلحة، بالإضافة إلى الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية التابعة للبنك الزراعي، مشيرة إلى أن الصرف يتم بناءً على الحصر الزراعي الفعلي ونوع المحصول المنزرع.
وأشارت إلى أنه تم صرف أكثر من 300 ألف طن من الأسمدة منذ بداية الموسم الصيفي خلال الشهرين الماضيين، بالإضافة إلى وجود مخزون استراتيجي يزيد عن 250 ألف طن، يتم توزيعه تدريجيًا لتلبية احتياجات المزارعين على مراحل، منعًا لأي خلل في الإمداد أو استهلاك غير منضبط.
وشددت الوزارة على أن لجان المتابعة تواصل المرور الدوري على الجمعيات الزراعية ومنافذ الصرف، لضمان وصول الأسمدة إلى مستحقيها والتأكد من كفاءة تطبيق المنظومة الإلكترونية، كما دعت المزارعين إلى الإبلاغ الفوري عن أي مشكلات أو عوائق قد تعترضهم لضمان التدخل السريع ومعالجتها على الفور.
وشدد على أن قطاع الأسمدة يُعد من القطاعات الحيوية المرتبطة مباشرة بالأمن الغذائي، وأن الحفاظ على استقراره ضرورة اقتصادية لا غنى عنها في ظل الظروف الحالية.
أزمة ليست جديدة… ومستقبل غير مضمون
تاريخيًا، لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها مصانع الأسمدة المصرية لوقف الإمدادات؛ ففي مايو الماضي، أعلنت شركتا “أبو قير” و”موبكو” خفض الإنتاج بنسبة 30%، بسبب نفس الإشكالية.
ولذلك، تحاول بعض الشركات البحث عن حلول مستقبلية، مثل تقليل الاعتماد على الغاز من خلال الاعتماد الجزئي على الهيدروجين الأخضر، وطرح فكرة استيراد الغاز بشكل مستقل، إلا أن خبراء، مثل مدحت يوسف نائب رئيس هيئة البترول الأسبق، يرون أن استيراد الغاز ليس مجديًا اقتصاديًا في ظل ارتفاع الأسعار وتكاليف النقل.
وقد ارتفعت أسعار الغاز عالميًا بنسبة تجاوزت 5% خلال الأسبوع الماضى ، تبعتها زيادة إضافية بنحو 2% مع بداية الأسبوع، على وقع تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، ما يضع الصناعة المصرية أمام تحدٍ كبير في المرحلة المقبلة.