
التضخم يتحدى بوصلة السياسة النقدية.. قرار الفائدة إلى أين؟
بين تضخم لم يهزم بعد، وسوق صرف يحاول التقاط أنفاسه، تدخل لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي نهاية الأسبوع المقبل، رابع اجتماع لها منذ بداية العام، بعد تخفيض متتالي للفائدة خلال الاجتماعين الأخيرين بواقع 3.25%، الأول بنسبة 2.25% والثاني 1% لأول مرة منذ خمس سنوات، ليصل العائد على الإيداع والإقراض 24% و 25%، في إشارة لتغير بوصلة السياسة النقدية من التشديد إلى التيسير.
فبعد شهور من التباطؤ النسبي، عاد معدل التضخم للارتفاع مجددًا خلال شهري مايو وأبريل الماضين، فقد شهد معدل التضخم تراجع ملحوظ منذ شهر نوفمبر 2024 والذي سجل فيه 23.7% واستمر فى التراجع خلال شهور ديسمبر ويناير وفبراير وكذلك الأمر فى مارس مسجلاً 9.4%، وعاود مجددا الارتفاع خلال شهري أبريل ومايو ليسجل خلالهم 10.4% _ 13.1% على الترتيب.
توقعات المصرفيون وبنوك الاستثمار ترجح الإبقاء على سعر الفائدة دون تغير بسبب عدد من المعطيات أبرزها التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، وارتفاع أسعار البترول عالميًا ورفع أسعار الأجور والمعاشات بداية من يوليو الجاري، مما قد يزيد من احتمالات ارتفاع معدلات التضخم مجددا.
محمود نجلة: تثبيت الفائدة السيناريو الأقرب.. وتخفيض محدود وارد بشروط
بدوره يرى محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، الإبقاء على سعر الفائدة دون تغير، السيناريو الأقرب في اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي، مشيرًا إلى أن هناك احتمالًا قائمًا – وإن كان محدودًا – للاتجاه نحو خفض طفيف لا يتجاوز 1%.

وأوضح أن تثبيت الفائدة يأتي في ضوء عودة بعض الضغوط التضخمية على الاقتصاد المحلي خلال الفترة الأخيرة، سواء نتيجة التوترات الجيوسياسية الإقليمية – رغم تراجع حدتها مؤخرًا – أو بسبب حزم زيادة الأجور والمعاشات التي بدأ تطبيقها من أول يوليو الجاري، مما قد يؤدي إلى ارتفاع نسبي في مستويات الطلب المحلي وبالتالي ضغط إضافي على الأسعار.
ولفت إلى أنه حال اتجاه المركزي لخفض الفائدة، فمن المرجح أن يكون محدود جدا، لإرسال إشارة على التمسك بمسار السياسة النقدية التيسيرية التي بدأها البنك مؤخرًا، لكن دون التفريط في الحذر الذي تفرضه المعطيات الحالية.
واختتم نجلة حديثه بالتأكيد على أن البنك المركزي سيتحرك وفق قراءة دقيقة للمشهد الاقتصادي، مرجحًا أن يتم الإبقاء على أسعار الفائدة كما هي لحين اتضاح الأثر الكامل للتغيرات الأخيرة على التضخم.
سهر الدماطي: اتجاه نحو تثبيت أسعار الفائدة
وقالت الدكتورة سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية ونائب رئيس بنك مصر سابقًا، إن قرار البنك المركزي في اجتماعه المرتقب يوم 10 يوليو سيعتمد على حزمة من المتغيرات المحلية والدولية، مرجحة أن يتجه المركزي إلى تثبيت أسعار الفائدة في ظل المعطيات الحالية.
وأوضحت، أن أحد العوامل المؤثرة في القرار يتمثل في ارتفاع أسعار البترول عالميًا، والذي تجاوز مؤخرًا حاجز الـ100 دولار للبرميل، بينما تم تقديره في الموازنة العامة للعام الحالي بنحو 65 دولارًا فقط، قبل أن تتراجع الأسعار نسبيًا مؤخرًا، لكنها ما زالت أعلى من المستهدف.

ونوهت إلى أن قرار لجنة السياسة النقدية يرتبط بعدة محاور أهمها اتجاهات الضخم في آخر شهر، مستقبل الدعم الحكومي وهل سيتم تقليصه خلال يوليو كما تردد أم سيتأجل لنهاية العام، إلى جانب التوترات الجيوسياسية بالمنطقة، والتحركات العالمية فى أسعار الطاقة.
وأضافت أن المعطيات سالفة الذكر، قد تدفع البنك المركزي نحو وقف دورة التيسير النقدي مؤقتًا، واللجوء إلى خيار التثبيت كخطوة تحفظية، خاصة في ظل عودة معدلات التضخم إلى الارتفاع خلال شهري أبريل ومايو، مشيرة إلى أن أي خطوة غير محسوبة قد تؤثر على استقرار السوق في النصف الثاني من العام، الأمر الذي يفرض على المركزي التحرك بحذر.
أحمد مجدي منصور: التثبيت السيناريو الأقرب… والخفض الآن يحمل مخاطرة غير محسوبة
وبدوره قال الدكتور أحمد مجدي منصور، الخبير المصرفي، إن السيناريو الأقرب في اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري هو تثبيت أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن التوقيت الحالي لا يحتمل مزيدًا من التيسير النقدي، رغم حاجة السوق والمستثمرين لتكلفة تمويل أقل.
وأضاف أن الاقتصاد يمر بمرحلة حساسة تتطلب قرارات محسوبة، خاصة في ظل عودة التضخم للصعود خلال أبريل، وعدم شعور السوق بعد بانخفاض فعلي في أسعار السلع، لافتًا إلى أن المركزي خفض أسعار الفائدة بمعدل تجاوز 3% في الاجتماعين الأخيرين، وبالتالي فإن التريث أصبح ضرورة لتقييم الأثر الكامل لهذا التيسير على السوق.

وأشار إلى أن الضغوط العالمية، وعلى رأسها تقلبات أسعار البترول والتوترات الجيوسياسية في المنطقة، ما زالت تلقي بظلالها على استقرار الأسواق، وهو ما يستدعي نهجًا احترازيًا من البنك المركزي لتفادي أي انعكاسات سلبية على الجنيه أو معدلات التضخم مجددًا.
و أكد أن المصانع لم تدخل بعد في دورات إنتاج بأسعار مخفضة، وبالتالي لم يصل الأثر الإيجابي إلى المستهلك، مضيفًا: “المواطن لا يشعر حاليًا بانخفاض التضخم، والقطاع الصناعي لم يستفد بعد من تراجع معدلاته، وهو ما يجعل خفض الفائدة الآن خطوة غير مضمونة العواقب.”
واستطرد أن الأسواق بحاجة إلى تحفيز بخفض معدلات الفائدة، ولكن الأولوية الآن هي للاستقرار، وتثبيت الفائدة حاليًا هو القرار الأقرب.
وفي استطلاع أجرته “الشرق”، أجمعت 5 بنوك استثمار، على أن البنك المركزي المصري سيبقي سعر الفائدة دون تغيير، مدفوعاً بأثر التوترات الجيوسياسية والارتفاعات المرتقبة في أسعار المواد البترولية والكهرباء مما يرفع من احتمالات زيادة التضخم.
وخلال تعاملات الأسبوع الماضي، شهد سوق صرف العملات تراجع الدولار أمام الجنيه بنحو 25 قرشًا، وهو ما يعكس مؤشرات إيجابية على قدرة الجنيه على الصمود النسبي في وجه الضغوط الدولارية، مدفوعًا بتزايد تدفقات النقد الأجنبي من مصادر متعددة، إلى جانب استمرار التهدئة في الأسواق الموازية، والتي كانت تشكل في وقت سابق بؤرة ضغوط كبيرة على العملة المحلية.