2 مليار دولار استثمارات صينية في صناعة المنسوجات المصرية
600 مصنع و160 ألف فرصة عمل
في خطوة استراتيجية تهدف إلى إعادة مصر إلى خريطة الدول الصناعية في قطاع الغزل والنسيج، تسير أعمال إنشاء مدينة المنسوجات الصينية بمدينة السادات بخطى ثابتة، بقيمة إجمالية ملياري دولار، لتتحول إلى واحدة من أكبر المدن الصناعية المتخصصة في هذا المجال على مستوى الشرق الأوسط وأفريقيا. المشروع، الذي يُنفذ بالتعاون مع واحدة من كبرى الشركات الصينية، يُمثل نموذجًا مميزًا للشراكة الاستثمارية الناجحة بين القاهرة وبكين، ويعكس التوجه المصري نحو توطين الصناعات كثيفة العمالة، وزيادة المكون المحلي في المنتجات التصديرية.
تقام مدينة المنسوجات على مساحة تتجاوز 3.1 مليون متر مربع داخل المنطقة الصناعية بمدينة السادات، بمحافظة المنوفية، وذلك بالتعاون مع شركة “مانكاي” الصينية، التي تتولى إنشاء وإدارة المدينة وتشغيل مصانعها وفق أحدث المعايير الصناعية العالمية. وتستهدف المدينة إقامة ما يقرب من 600 مصنع، موزعة على خمس مراحل تنفيذية، تشمل مختلف مراحل الإنتاج من الغزل إلى النسيج والصباغة والتجهيز والخياطة.
150 مصنعًا بالمرحلة الأولى من المشروع
وانطلقت المرحلة الأولى من المشروع بالفعل، على مساحة 600 ألف متر مربع، وتضم نحو 150 مصنعًا دخل عدد منها حيز التشغيل التجريبي خلال الأعوام الأخيرة، وسط توقعات بوصول عدد العاملين بالمشروع إلى أكثر من 160 ألف عامل عند اكتمال كل المراحل بحلول عام 2026.
تبلغ التكلفة الاستثمارية الإجمالية للمشروع نحو 2 مليار دولار، وتمول في معظمها من الجانب الصيني، في حين توفر الحكومة المصرية الأرض والبنية التحتية والتيسيرات الإدارية. وتُعد مدينة المنسوجات بالسادات من أكبر المشروعات الصناعية المشتركة بين مصر والصين، وتأتي ضمن خطة شاملة أعلنت عنها الدولة للنهوض بقطاع الصناعات النسيجية الذي لطالما شكّل ركيزة من ركائز الاقتصاد المصري.
كما شهد المشروع إقبالًا متزايدًا من الشركات الصينية المتخصصة في صناعة النسيج، حيث أبدت أكثر من 70 شركة رغبتها في الاستثمار داخل المدينة، الأمر الذي يؤكد جاذبية السوق المصرية، خاصة في ظل وجود اتفاقيات تجارة حرة تتيح للمنتجين سهولة النفاذ إلى الأسواق الأوروبية والأميركية والأفريقية.
اختيار مدينة السادات لم يكن محض صدفة، بل نتيجة دراسة دقيقة لموقعها الجغرافي المتميز الذي يربط بين القاهرة والدلتا والإسكندرية، إضافة إلى قربها من ميناء الإسكندرية وميناء الدخيلة، مما يسهم في تسهيل عمليات التصدير والاستيراد. وتتمتع المدينة ببنية تحتية مؤهلة لاستيعاب هذا النوع من المشروعات الكبرى، حيث تضم شبكات طرق حديثة، وشبكات مياه وكهرباء وغاز، إلى جانب مناطق خدمية ولوجستية داعمة للأنشطة الصناعية.
وتسهم هذه العوامل مجتمعة في تقليل تكلفة الإنتاج، وتعزيز فرص نجاح المشروع، وجذب المزيد من المستثمرين، خاصة في ظل التزام الحكومة بتقديم حوافز خاصة للمشروعات الإنتاجية ذات البُعد التصديري والتشغيلي المرتفع.
مجمع صناعي بـ300 مليون دولار
ولم يتوقف الحراك داخل المدينة عند حدود تشغيل المصانع القائمة، بل شهدت الفترة الأخيرة توسعًا جديدًا تمثل في توقيع عدة اتفاقيات استثمارية، كان أبرزها في أبريل 2024، حين أعلنت مجموعة من المستثمرين الصينيين عزمهم ضخ 300 مليون دولار إضافية لإنشاء مجمع صناعي جديد ضمن نطاق المدينة، يضم جميع مراحل إنتاج المنسوجات.
وفي يناير 2025، وقعت هيئة الاستثمار المصرية اتفاقًا مع شركة “كينجدوم هولدينغز” الصينية لإنشاء مصنع متكامل لغزل الكتان على مساحة 50 ألف متر مربع، باستثمارات تصل إلى 60 مليون دولار، ومن المتوقع أن يبدأ المصنع الإنتاج خلال العام المقبل، بطاقة 4 آلاف طن سنويًا، مع توفير 500 فرصة عمل مباشرة.
كما ينتظر أن تحقق مدينة المنسوجات الصينية أثرًا اقتصاديًا واسع النطاق، ليس فقط في ما يتعلق بزيادة الطاقة الإنتاجية لمصر في قطاع النسيج، ولكن أيضًا من حيث تقليل الفجوة الاستيرادية، وزيادة القيمة المضافة للقطن المصري، وتعزيز قدرات التصدير للأسواق الخارجية.
فيما سيسهم المشروع في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل المباشرة، إلى جانب آلاف الوظائف غير المباشرة في مجالات النقل، والخدمات، والصيانة، والتوريد، ما ينعكس إيجابيًا على معدلات التشغيل في مدينة السادات والمناطق المجاورة.
وعلى الصعيد التكنولوجي، فإن المشروع يعد بوابة مهمة لنقل الخبرات الصناعية الصينية إلى السوق المصرية، من خلال مراكز التدريب الفني والتعاون في البحث والتطوير، بما يساهم في رفع كفاءة العمالة المحلية، وتحقيق نقلة نوعية في أساليب التصنيع والإدارة.
