
كتبت أسماء عبد الباري
أكد مصرفيون أن آليات تحسين ميزان المدفوعات المصري تكمن في علاج الأسباب التي تسهم في حدوث هذا العجز، عبر خفض الواردات، وزيادة الصادرات، والعمل على رفع إيرادات قناة السويس، واستكمال برنامج الطروحات الحكومية، وهو ما يسهم في مزيد من التدفقات الدولارية التي تعين الحكومة على سداد الديون الخارجية، بما يخفف الضغط على موارد الاحتياطي النقدي، بالإضافة إلى زيادة معدلات الاستثمار، وجذب مزيد من تحويلات المصريين العاملين في الخارج.
في غضون ذلك كشف البنك المركزي، عن تحول ميزان المدفوعات إلى تحقيق عجز كلي بلغ نحو 1.9 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من العام المالي 2024-2025، مقابل فائض كلي سجل نحو 4.1 مليار دولار، خلال نفس الفترة من العام المالي 2023-2024.
وأوضح تقرير حول أداء ميزان المدفوعات، الذي يرصد معاملات الاقتصاد المصري مع العالم الخارجي، أن التحول في ميزان المدفوعات نحو تسجيل عجز يرجع أساسًا إلى تراجع صافي التدفقات الداخلة في المعاملات الرأسمالية والمالية خلال الفترة “يوليو – مارس” 2024-2025.
وسجلت مصر تدفقات داخلة في المعاملات الرأسمالية والمالية بلغت نحو 7.7 مليار دولار، مقارنة بتدفقات غير مسبوقة بلغت نحو 20 مليار دولار في الفترة المناظرة، التي تضمنت صفقة “رأس الحكمة” بقيمة 15 مليار دولار.
تحسن ملحوظ
وشهد الاقتصاد المصري خلال الفترة “يوليو – مارس” من السنة المالية 2024-2025 تطورات إيجابية، حيث تحسن عجز حساب المعاملات الجارية بنسبة 22.6% ليبلغ نحو 13.2 مليار دولار، مقابل نحو 17.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي السابق.
وجاء هذا التحسن بشكل خاص في الربع الثالث “يناير – مارس 2025″، إذ انخفض العجز بنسبة كبيرة بلغت 69.3% مقارنة بالربع المناظر، مدفوعًا بالزيادة الملحوظة في تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 86.6%، إلى جانب نمو الفائض في الميزان الخدمي بفضل ارتفاع الإيرادات السياحية بنسبة 23.0%.
وأسهمت القفزة القوية في الصادرات السلعية غير البترولية بنسبة 56.9% في تحسين العجز بالميزان التجاري السلعي غير البترولي، إضافة إلى تحسن عجز ميزان دخل الاستثمار بنسبة 5.2%.
كما أسهمت عدة عوامل في تحسن العجز في حساب المعاملات الجارية خلال الفترة “يوليو – مارس” من السنة المالية 2024-2025، منها تصاعد تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 82.7% لتسجل نحو 26.4 مليار دولار، مقابل نحو 14.5 مليار دولار.
وتراجع العجز في ميزان دخل الاستثمار بمعدل 13.4% ليقتصر على نحو 12.2 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من العام المالي الماضي، مقابل نحو 14 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي السابق.
جاء ذلك كمحصلة لانخفاض مدفوعات دخل الاستثمار بمعدل 6.9% لتسجل نحو 14.1 مليار دولار، مقابل نحو 15.1 مليار دولار، وارتفاع متحصلات دخل الاستثمار بمعدل 74.0% لتسجل نحو 1.9 مليار دولار، مقابل نحو 1.1 مليار دولار.
وسجل الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر صافي تدفق داخلي بلغ 9.8 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من 2024-2025، مقابل نحو 23.7 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي 2023-2024، التي شهدت صفقة “رأس الحكمة”، وفق تقرير صادر عن البنك المركزي المصري.
وكشف البنك المركزي أيضًا عن تحقيق الاستثمارات الأجنبية المباشرة للقطاع البترولي صافي تدفق داخلي قدره 669.6 مليون دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من 2024-2025، مقابل صافي تدفق خارجي بلغ 175.6 مليون دولار خلال الفترة المناظرة، وذلك كمحصلة لارتفاع التدفقات الواردة للقطاع البترولي لتسجل نحو 5 مليارات دولار، تمثل استثمارات جديدة لشركات بترول أجنبية، مقابل 4.4 مليار دولار.
كما ارتفعت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بمعدل 82.7% لتسجل نحو 26.4 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من 2024-2025، مقابل نحو 14.5 مليار دولار خلال الفترة ذاتها من العام المالي 2023-2024.
وارتفعت أيضًا الإيرادات السياحية بمعدل 15.4% لتسجل نحو 12.5 مليار دولار خلال الـ9 أشهر الأولى من 2024-2025، مقابل 10.9 مليار دولار خلال الفترة المناظرة، وذلك لارتفاع عدد الليالي السياحية لتسجل نحو 134.3 مليون ليلة، مقابل 116.4 مليون ليلة، وفقًا لتقارير البنك المركزي.
قادرون على تحويل العجز إلى فائض
وأكد الدكتور مصطفى بدرة، الخبير الاقتصادي، قدرة الحكومة المصرية على تحويل العجز في ميزان المدفوعات إلى تحقيق فائض، مما يسهم في قوة الاقتصاد المصري. وأرجع زيادة العجز في ميزان المدفوعات إلى التداعيات السلبية على الاقتصاد التي يمر بها نتيجة الصدمات الخارجية، مما ساهم في خفض بعض الإيرادات التي تدعم مؤشرات ميزان المدفوعات.
وتوقع الدكتور مصطفى بدرة تحسن ميزان المدفوعات خلال العام المالي الجاري، مما سيؤدي إلى زيادة معدل النمو ليتجاوز النسبة المستهدفة من الحكومة المصرية، بشرط استمرار زيادة الصادرات السلعية بمعدلات نمو مرتفعة للحفاظ على مستوى تدفقات مصر من النقد الأجنبي، مضيفًا أن الدولة المصرية تعمل على تنفيذ استراتيجية توطين الصناعة للمنتجات الرئيسية التي يتم استيرادها من الخارج، وتعمل على زيادة الصادرات عبر زيادة الحوافز التصديرية للشركات.
النقد الأجنبي كلمة السر
في حين قال تامر يوسف، مدير قطاع المعاملات الخارجية بأحد البنوك الخاصة، إن خفض العجز في ميزان المدفوعات يسهم في دعم الاقتصاد، وتحسن قيمة الجنيه مقابل الدولار، وحدوث تدفقات نقدية تسهم في رفع معدلات النمو.
وأرجع أسباب عجز ميزان المدفوعات إلى انخفاض موارد مصر من النقد الأجنبي، سواء نتيجة إيرادات السياحة أو انخفاض صافي الاستثمار الأجنبي المباشر، وكذلك انخفاض إيرادات قناة السويس، وزيادة الواردات عن الصادرات، وتعثر برنامج الطروحات الحكومية، وذلك باستثناء زيادة تحويلات المصريين بالخارج، وزيادة طلب المستثمرين الأجانب على شراء العقارات في مصر، مما أسهم في حدوث نمو طفيف في التدفقات الدولارية.
وطالب بضرورة العمل على خفض الواردات من الخارج، سواء البترولية أو السلعية، وزيادة إيرادات قناة السويس، وجذب المزيد من الاستثمارات بعد انخفاضها بأكثر من 70% نتيجة التوترات الجيوسياسية بالمنطقة المحيطة بمصر، مع العمل على زيادة تحويلات المصريين في الخارج، ورفع إيرادات السياحة من خلال الترويج للسياحة في الداخل والخارج.