الهيدروجين الأخضر بوابة للتحول الاقتصادي والطاقة المستدامة

تحقيق شيرين نوار
أكد خبراء الطاقة أن مصر تمتلك المقومات التي تؤهلها لتصبح مركزًا استراتيجيًا للاقتصاد الأخضر، الذي يرتكز على إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر في إفريقيا وأوروبا.
وتستند هذه الآراء إلى ما تملكه مصر من خبرات في مجال إنتاج الأمونيا، ووجود 16 مصنعًا قائمًا، مما يجعلها مصدرًا مهمًا للأمونيا الخضراء، خاصة في ظل تعاقد مصر على تصدير أول شحنة من الهيدروجين الأخضر إلى ألمانيا في عام 2027.
وتم تعزيز هذا التوجه باختيار ألمانيا للقاهرة كمقر للمؤتمر العالمي الثالث للهيدروجين الأخضر، المقرر انعقاده في أكتوبر المقبل، وهو ما يعكس الاعتراف الدولي بدور مصر المتنامي في مجال الطاقة النظيفة.
موارد تعزز الريادة
وقال الدكتور هاني النقراشي، خبير الطاقة، إن اختيار مصر لاستضافة المؤتمر العالمي للهيدروجين الأخضر يرسخ مكانتها الإقليمية كمركز لإنتاج وتصدير الطاقة النظيفة، وعلى رأسها الهيدروجين الأخضر.
وأضاف أن الحكومة المصرية اتخذت عدة خطوات في هذا المجال، من أبرزها إصدار قانون حوافز إنتاج الهيدروجين الأخضر، لتشجيع الاستثمارات الخاصة.
وأشار إلى أن منطقتي قناة السويس وصحراء جرجوب تعدّان من أهم المواقع المناسبة لتصنيع الهيدروجين وتصديره، نظرًا لتوافر مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح، إضافة إلى القرب الجغرافي من أوروبا، مما يُقلّل من تكاليف النقل ويُعزز التنافسية.
ولفت النقراشي إلى أن التوسع في مشروعات الطاقة المتجددة بات أمرًا ضروريًا، خاصة مع تصاعد درجات الحرارة وزيادة استهلاك الكهرباء خلال فصل الصيف، ما يرفع الضغط على محطات الكهرباء التي تعمل بالغاز، وبالتالي يؤدي إلى عجز في الإمدادات، يجبر الحكومة على استيراد الغاز بأسعاره العالمية.
وأوضح أن الحكومة لجأت في الصيف الماضي إلى تطبيق سياسة تخفيف الأحمال للحد من الاستهلاك، نتيجة تراجع الإنتاج المحلي وارتفاع الأسعار العالمية، وقد تكررت هذه السياسة هذا الصيف، وإن كان بشكل غير معلن، مما يشير إلى استمرار أزمة الطاقة وضرورة التوسع في مصادر نظيفة ومستقرة.
مصر تمتلك السبق
بدوره قال الدكتور علي عبد النبي، خبير الطاقة، إن الهيدروجين الأخضر يمثل ركيزة أساسية للطاقة النظيفة، خلال السنوات المقبلة، خصوصًا مع جهود الدولة لتوفير بيئة تشريعية محفّزة للاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
وأوضح أن الاعتماد على الهيدروجين الأخضر يقلل من الاعتماد على الغاز المستورد، الذي يرهق موازنة الدولة بسبب ارتفاع أسعاره العالمية وتراجع قيمة الجنيه.
وأشار إلى أن مصر ليست حديثة عهد بهذا القطاع، إذ أنشأت في خمسينيات القرن الماضي مصنعًا لإنتاج الأمونيا الخضراء في أسوان، وهو ما منحها سبقًا مبكرًا على مستوى المنطقة.
تحديات بيئية
وأوضح عبد النبي أن الهيدروجين الأخضر يتم إنتاجه عبر التحليل الكهربائي للمياه باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر متجددة، دون نواتج ثانوية ضارة، مما يُسهم في خفض كبير لانبعاثات الغازات الدفيئة. ويُعدّ هذا مفيدًا بشكل خاص في القطاعات الصناعية الثقيلة التي يصعب تقليل بصمتها الكربونية بالاعتماد على الكهرباء فقط.
ورغم ذلك، نبّه عبد النبي إلى أن إنتاج الهيدروجين الأخضر يتطلب موارد كثيفة، خاصة من المياه والكهرباء، وهو ما قد يُشكل تحديًا في مصر التي تعاني أصلًا من ندرة مائية وطلب متزايد على الطاقة.
ومع ذلك، أوضح أن المياه المستخدمة في الإنتاج هي مياه بحر محلاة، ولا تؤثر على حصة مياه الشرب.
وأضاف عبد النبي أن تكلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر قد تكون مرتفعة في البداية، إلا أن العوائد الاقتصادية المستقبلية ستكون كبيرة، من حيث تعزيز الناتج المحلي وجذب استثمارات أجنبية ضخمة في قطاع الطاقة.
وأشار إلى أن الحكومة، من خلال الصندوق السيادي، وقّعت 4 اتفاقيات بقيمة 32.71 مليار دولار لإنتاج الأمونيا الخضراء، التي تُعدّ من أهم مشتقات الهيدروجين الأخضر، وذلك في إطار خطة الدولة لتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري ورفع مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة إلى 42% بحلول عام 2035.
سباق إقليمي
أكد عبد النبي أن مصر ليست الدولة الوحيدة في المنطقة التي تتجه نحو الاستثمار في الهيدروجين الأخضر، فقد أعلنت المغرب مؤخرًا عن تحالف مناخي مع ألمانيا لدعم إنتاج هذه الطاقة المتجددة.
ومع ذلك، تتمتع مصر بمميزات تنافسية قوية، من أهمها قربها من الأسواق الأوروبية، وتوافر الموانئ والبنية التحتية اللازمة مثل خطوط الغاز، بالإضافة إلى انخفاض تكاليف الإنتاج نسبيًا.
وأتم بالقول إن استضافة القاهرة للمؤتمر العالمي الثالث للهيدروجين الأخضر يُعدّ رسالة واضحة على الاعتراف الدولي بإمكانيات مصر كمركز إقليمي لتصدير الهيدروجين الأخضر والطاقة النظيفة في المستقبل القريب.