
زيادة 547 ألف برميل يوميًا.. “أوبك بلس” ترفع قيود الإنتاج
شيرين نوار
شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا عقب إعلان تحالف “أوبك بلس” عن زيادة كبيرة جديدة في إنتاجه خلال سبتمبر المقبل، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بمقدار 1.55 دولار، أو بنسبة 2.2%، لتسجل 68.12 دولار للبرميل، وهو أدنى مستوى لها منذ 23 يوليو، فيما تراجع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بمقدار 1.72 دولار، أو نحو 2.6%، ليصل إلى 65.61 دولار للبرميل.
أوبك بلس اللاعب الرئيسي
وقال المهندس ياسر مصطفى، خبير الطاقة ومدير معهد بحوث البترول الأسبق، إن إعلان تحالف “أوبك بلس” زيادات جديدة في الإنتاج يعد مؤشرًا إيجابيًا لإعادة التوازن إلى أسعار النفط بالمنطقة، التي شهدت ارتفاعات خلال الفترة الماضية، مشيرًا إلى أن هذا التحالف يظل المهيمن والمسيطر على السوق العالمي، والمتحكم في حجم المعروض، كما لفت إلى أن هناك حذرًا شديدًا لدى المتعاملين في السوق بشأن فرض عقوبات جديدة على روسيا.
وأوضح مصطفى أن تحالف “أوبك بلس”، الذي يضم منظمة البلدان المصدرة للبترول “أوبك”، اتفق على زيادة إنتاج النفط بمقدار 547 ألف برميل يوميًا خلال شهر سبتمبر، وهي الأحدث في سلسلة من الزيادات المتسارعة في الإنتاج لاستعادة الحصة السوقية، مؤكدًا أن هذه الخطوة تتماشى مع توقعات السوق، حيث تعرضت الأسعار لضغوط عقب قرار “أوبك بلس”.
وأضاف أن الزيادة الفعلية في المعروض من ثماني دول أعضاء بالتحالف رفعت إنتاجها منذ مارس بمقدار 1.7 مليون برميل يوميًا، نتيجة قيام أعضاء آخرين بخفض إنتاجهم بعد أن كانوا قد تجاوزوا الحصص المقررة سابقًا. وأشار إلى أن أسعار النفط على المدى القصير ستتأثر بعدة عوامل، من بينها الرسوم الجمركية والعوامل الجيوسياسية، مثل الضغوط الأمريكية على روسيا وفرض عقوبات عليها لوقف الحرب ضد أوكرانيا.
كما لفت إلى واقعة تحويل مسار سفينتين كانتا محملتين بالنفط الروسي في طريقهما إلى مصافي التكرير بالهند، حيث غيرتا وجهتهما بعد فرض العقوبات الأمريكية الجديدة، ما يهدد نحو 1.7 مليون برميل يوميًا من إمدادات النفط الخام، إذا توقفت المصافي الهندية عن شراء النفط الروسي.
وقال مصطفى: “أوبك بلس” تسهم بنحو نصف إنتاج النفط العالمي، وقد غيّرت استراتيجياتها بالتحول إلى زيادة الإنتاج، بهدف خفض الأسعار والحصول على حصة سوقية أكبر، استجابةً لقرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي كانت تستهدف زيادة الإنتاج لخفض أسعار البنزين.
مكاسب للدول المستوردة
وقال الدكتور محمد صلاح السبكي، رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة الأسبق، إن قرار “أوبك بلس” أدى إلى نتيجة سريعة، فبمجرد إعلان التحالف زيادة الإنتاج، شهدت أسعار النفط انخفاضًا واضحًا، مشيرًا إلى أن سوق النفط العالمية تخضع لحركة العرض والطلب، وبالتالي فإن زيادة الإنتاج تؤدي بطبيعتها إلى انخفاض الأسعار، وهو ما يصب في مصلحة الدول المستوردة، وفي مقدمتها مصر، خاصة في ظل ارتفاع حجم واراتنا من النفط والغاز خلال الموسم الصيفي الحالي، لتلبية الطلب المحلي وسد العجز الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، وتصاعد الموجات الحارة، وزيادة استهلاك الكهرباء بسبب تشغيل أجهزة التكييف وغيرها من وسائل التبريد.
توقعات بانخفاض إضافي
وأوضح السبكي أنه، بناءً على قرار “أوبك”، من المتوقع أن تشهد الدول الأعضاء في التحالف زيادة في إنتاجها اليومي تصل إلى 548 ألف برميل، بعد أن كانت قد خفضت إنتاجها سابقًا وفقًا لقرارات التحالف ذاته. وأشار إلى أنه رغم وصول سعر البرميل إلى نحو 71 دولارًا، إلا أنه لا يزال أقل بكثير من المستوى الذي يراه صندوق النقد الدولي ضروريًا للسعودية لتغطية نفقات “رؤية 2030″، متوقعًا أن تنخفض أسعار النفط الخام إلى 60 دولارًا هذا العام بسبب زيادة الإمدادات الأمريكية، وهو ما قد يقلل من إيرادات النفط لدول “أوبك بلس”.
وأضاف أن قرار “أوبك+” جاء نتيجة للتوترات السياسية التي أثرت على حركة ناقلات النفط عبر مضيق هرمز، نتيجة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران، وهو ما دفع التحالف إلى تعزيز الإنتاج لتأمين الإمدادات وزيادة المعروض في الأسواق الأوروبية والغربية.
وقال السبكي إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يضغط على شركات النفط الصخري لزيادة إنتاجها بهدف خفض مستوى التضخم، وبالتالي فإن أسعار النفط لن تشهد طفرات كبيرة، بل ستظل تدور في نطاق محدود يتراوح بين 60 و65 دولارًا للبرميل. ووصف القرار الأخير بزيادة الإنتاج بأنه “بالون اختبار” للسوق، للتعرف على ما ستسفر عنه التطورات الاقتصادية، وعلى رأسها مدى تأثير تطبيق الرسوم الجمركية على التجارة العالمية وأسعار الطاقة.
قرارات حاسمة داخل “أوبك بلس”
يذكر أنه عقب قرار “أوبك بلس” بزيادة إنتاج النفط، اجتمع كبار المسؤولين والقادة بكل من السعودية وروسيا لدراسة المشهد وسط حالة من عدم اليقين، حيث إنه في حال الموافقة على زيادة الإنتاج، فستسبق الجدول الزمني الأصلي لاستعادة جزء من الإمدادات المخفضة، البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، بعام كامل.
هذا القرار يضع التحالف أمام خيار حاسم بشأن استئناف جزء آخر من الإنتاج المعلّق، والذي يبلغ حوالي 1.66 مليون برميل يوميًا، كان من المقرر أن يبقى معطلاً حتى نهاية عام 2026. وقد أعرب ممثلو “أوبك بلس” في وقت سابق من هذا الشهر عن تفضيلهم تأجيل إعادة تفعيله لفترة من الوقت.
ومع ذلك، يبدو أن هناك اتجاهًا داخل التحالف نحو استعادة هذا الإنتاج، وهو ما يتجلى في تسريع وتيرة استعادة كمية الـ2.2 مليون برميل. وإذا كانت السعودية ملتزمة حقًا بإعطاء الأولوية لحصتها السوقية، فيجب عليها إعادة تشغيل طاقتها الإنتاجية المتبقية في أقرب وقت ممكن، لكن مدى استعدادها للقيام بذلك لا يزال غير مؤكد.