عصفت الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية ، ومن قبلها جائحة كورونا بكل اقتصادات العالم بدون استثناء ، وبالطبع تأثر الاقتصاد المصري أيضا بهذه الأزمة ، وكان أهم ملمح لهذه الأزمة هو الارتفاع الكبير والغير مسبوق للتضخم العالمي ، ليصل لأعلي مستوياته منذ 50 عاما ، وشمل التضخم جميع السلع سواء سلع صناعية أو سلع وسيطة وخامات صناعية ، وكل المواد الغذائية .
ولمجابهة التضخم كان للبنك المركزي المصري خطة استباقية بتخفيض الجنيه المصري 14%، وأيضا شهادات العائد المرتفع بنسبة تصل إلي 18% لمدة عام والتي جمعت مايربو علي 700 مليار جنيه ، ومنعت الدولرة وحافظت علي استقرار أسعار الصرف ، غير أن استمرار وتصاعد الضغوط التضخمية وقيام البنك المركزي برفع أسعار الفائدة نصف نقطة مئوية خلال شهر مايو ، أدي إلي قيام البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس أو 2% في لجنة السياسات النقدية التي عقدت يوم 19 مايو .
ولم يأت القرار مفاجئا للكثيرين بل كان متوقعا ، وربما كانت أسباب القرار متنوعة ومنها محاربة التضخم ، إلا أن السبب الأهم هو محاولة جذب الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين الحكومية المصرية ، وجعلها جاذبة مقارنة مع الأسواق المنافسة حيث يصل سعر الفائدة في تركيا مثلا لأكثر من 14% ، وربما تكون التأثيرات الجانبية للقرار هو زيادة تكلفة التمويل والاستثمار ، مما يعني إحجام الشركات عن التوسع والدخول في مشروعات عالية التكلفة ، ورغم ذلك يبقي الحفاظ علي احتياطي آمن يغطي الواردات لمدة 6 شهور هدفا مهما لاستقرار الدولة ، واستقرار أسعار الصرف حتي يتم تخطي الأزمة بسلام .
ومن المرجح أن يشهد العام الحالي استمرار السياسات الانكماشية من الولايات المتحدة الأمريكية ، وذلك نتيجة لارتفاع مستويات التضخم ، وهو ماقد يستدعي قيام المركزي الأمريكي برفع أسعار الفائدة مجددا ، خصوصا مع ارتفاع فوائض السيولة التي نتجت عن السياسات التحفيزية في وقت ذروة تفشي وباء كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية ، وهو ماقد يستدعي استمرار الاتجاهات الانكماشية في أغلب البنوك المركزية في العالم .