يواجه العالم أزمة اقتصادية كبيرة غير مسبوقة منذ نشوب الحرب العالمية الأوكرانية التى ألقت بظلالها على العالم أجمع، وتعتبر قضية الأمن الغذائي من أهم القضايا الاستراتيجية الحيوية لما لها من أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية، لذلك توليه الدولة المصرية اهتمامًا خاصًا.
ونظرًا لأهمية الأمن الغذائي، اتخذت الدولة المصرية إجراءات استباقية لتوفير الأمن الغذائي، حيث نفذت خطة استراتيجية حقيقية منذ سنوات عديدة لمواجهة أي أزمة عالمية مثلما يحدث الآن، كما اهتمت القيادة السياسية بتحقيق التنمية الزراعية وزيادة المساحة الرقعة الزراعية، مع توفير السلع والمواد الغذائية للمواطنين فى مواجهة المتغيرات الدولية وارتفاع أسعار السلع في عدد من الدول، فضلًا عن أهمية التعاقد على المحاصيل الاستراتيجية والسلع الأساسية، خاصة محصول الذرة الصفراء، ما جعل وزارة الزراعة تسارع لتطبيق الزراعة التعاقدية على المحصول، محددة 6 آلاف جنيه سعر ضمان، بخلاف تحديد أسعار شراء المحاصيل طبقا لأسعار الأسواق العالمية.
وضمن رؤية 2030، تستهدف الدولة المصرية الرؤية المستقبلية للتنمية الزراعية المستدامة لتقليل الفجوة للسلع الاستراتيجية، والاتجاه لزيادة الفائض من المحاصيل وزيادة التصدير، وحسب تقارير صندوق النقد الدولي مارس 2022، أشادت بعض المؤسسات الدولية بالتطور الذى حدث فى القطاع الزراعى المصرى،
أما الخطوات الاستباقية المصرية لاحتواء الأزمة فقد تجلت بإنشاء عدد من الصوامع الجديدة وفتح أسواق جديدة لاستيراد القمح، علاوة على التخطيط المسبق والبدء فى تنفيذ مشروع استصلاح مليون ونصف مليون فدان ومشروع “مستقبل مصر” للإنتاج الزراعى وإعادة إحياء مشروع توشكى بصعيد مصر، والتوجه نحو ميكنة الإنتاج الزراعي، لزيادة القيمة المضافة وتأكيد القيادة السياسية على تنويع الإنتاج الزراعى وزيادة التصدير وفقا لدورة الإنتاج الزراعي، كما اتبعت مصر كغيرها من الدول أسلوب الحمائية التجارية، لتوفير السلع الغذائية للاستهلاك المحلي، مثل القرار المؤقت بوقف تصدير الفول والعدس والمكرونة والقمح والدقيق بجميع أنواعه، وذلك لمدة ثلاثة أشهر.
ولتحقيق استراتيجية الأمن الغذائي، أكد وزير الزراعة السيد القصير، أن الدولة تعمل على 6 محاور تتمثل فى التوسع «الأفقى والرأسى» لتحقيق الأمن الغذائي، تتمثل في مشروع الدلتا الجديدة بمساحة 2.2 مليون فدان، حيث يعتبر قفزة عملاقة نحو تنفيذ استراتيجية الزراعة 2030، كونه مشروع تنموي متكامل، مشروع «توشكى الخير»، بمساحة 1.1 مليون فدان، مشروع تنمية شمال ووسط سيناء بمساحة 456 ألف فدان، مشروع تنمية الريف المصرى الجديد بمساحة 1.5 مليون فدان، بالإضافة إلى مشروعات أخرى ببعض محافظات الصعيد والوادي الجديد بمساحة 650 ألف فدان.
زيادة المساحة المزروعة من القمح بنحو 200 ألف فدان، ليصل إجمالي المساحة 3.6 مليون فدان، مع التوسع في استنباط أصناف جديدة من القمح أكثر مقاومة للظروف الجوية، والعمل على خفض الفاقد أثناء عملية الحصاد وتداول الحبوب حتى الاستهلاك من خلال تعميم طرق الزراعة الحديثة، وخاصة الزراعة آلات التسطير، والزراعة على الـمصاطب، والتوسع في إقامة الصوامع المعدنية والخرسانية للتخزين، بالإضافة إلى تطوير الـ مطاحن لتقليل الفاقد من المطاحن والمخابز.
التوسع في زراعة المحاصيل الزيتية (فول الصويا – عباد الشمس – الفول السوداني …) لتصل المساحة إلي ما يربو على 220 ألف فدان نظرا لتدني نسب الاكتفاء الذاتي من هذه المحاصيل الهامة، و تنامي الواردات منها، مثل زيت عباد الشمس الذي ُتمثل وارداته نحو 94% من جملة الاستهلاك، وزيت النخيل الذي لا ينتج محليا ويتم استيرادها بالكامل، وُيستخدم 90% منها فى الغذاء، والنسبة الباقية لأغراض التصنيع، وكذلك بعض النباتات الزيتية التي يمكن ذراع في المناطق الجديدة لتقليل الفجوة الغذائية من الزيوت، مثل نبات الكانولا، وتتراوح نسبة الزيت فيه بين 45% و50%.
تحسين إنتاجية المحاصيل السكرية (دون زيادة المساحات المنزرعة من قصب السكر)، من خلال توفير حقول إرشادية لزراعة القصب بتقنية الشتلات، والتوسع في الأصناف مبكرة الُنضج لتوفير الـمياه، وزراعة التقاوي وحيدة الأجنة آنيا بالكامل وتفعيل الدورة الزراعية، وإدخال الميكنة الزراعية المناسبة، هذا بالإضافة إلي التوسع في زراعات بنجر السكر في حدود 40 ألف فدان للوصول بالمساحة الإجمالية إلى 600 ألف فدان.
ووفقا لتقرير مركز المعلومات، يساهم القطاع الزراعى كمكون رئيسى فى الاقتصاد المصري، حيث يساهم بحوالى 12.5% من حجم الناتج المحلى الإجمالي، وبنحو 29% من جميع الوظائف، كما يرتبط بنحو 55% من العمالة بالريف المصري، فضلاً عن مساهمته فى حصيلة الصادرات، حيث احتل المرتبة الخامسة من بين القطاعات التصديرية غير البترولية فى عام 2021، وساهم بنسبة 7.8% من إجمالى الصادرات غير البترولية التى وصلت لنحو 32.3 مليار دولار فى 2021، كما حدثت طفرة فى الصادرات الزراعية خلال عام 2021، فوصلت قيمة الصادرات لنحو 2.53 مليار دولار مقارنة بنحو 2.17 مليار دولار عام 2020 بمعدل نمو بلغ 17%، وتجدر الإشارة إلى تراجع الصادرات الزراعية فى عام 2020 نتيجة لأزمة كورونا.
دعم ملف الأمن الغذائي
وأكد السد القصير وزير الزراعة، أن الدولة المصرية له القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي في كثير من المنتجات والمحاصيل الزراعية، مضيفًا أن مشروع الدلتا الجديدة يستهدف تدعيم ملف الأمن الغذائي وتخفيض فجوة الاستيراد من السلع الاستراتيجية، مشيرًا إلى أن المشروع يتكون من، «مشروع مستقبل مصر وهو باكورة مشروع الدلتا الجديد، مشروع جنة مصر، مناطق تابعة لمحافظة البحيرة ووزارة الزراعة، وأراضي تم تحديد صلاحيتها بمعرفة وزارة الزراعة».
وتوقع وزير الزراعة، أن يرفع مشروع الدلتا الجديدة الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية من «الحبوب، والقمح، والذرة، والخضر، والفاكهة، والمحاصيل التصنيعية»، بنسبة تتراوح بين عشرة و 15% من الناتج الزراعي الإجمالي الحالي، ما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي وخفض فجوة الاستيراد.
وفى هذا الصدد أكد المهندس عبدالسلام الجبلى، رئيس لجنة الزراعة والرى بمجلس الشيوخ، أن العالم يواجه أزمات اقتصادية طاحنة، بداية من جائحة كورونا مرورا بالأزمة الروسية الأوركرانية، وكل هذه الأمور أكدت على أهمية القطاع الزراعي على المستوى المحلي والدولي، لدوره الكبير في توفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين، حيث القطاع الزراعي يمثل أهمية قصوى للاقتصاد المصرى، وداعم أساسى للاقتصاد القومى، حيث يساهم بنحو 11% من الناتج المحلى الإجمالى للعام الحالى، ويستوعب نحو 25% من أجمالى القوى العاملة فى مصر.
وأضاف رئيس لجنة الشيوخ، أن الدولة حققت انجازات كبيرة بكافة القطاعات، ويعد قطاع الزراعة من القطاعات التي نالت على اهتمام بالغ من قبل القيادة السياسية، من خلال اقامت مشروعات عديدة للنهوض والتوسع بالقطاع، لزيادة مساحة الأراضى المنزرعة بنسبة 25% مثل مشروع «توشكى»، والمستهدف زراعة 600 ألف فدان بالإضافة إلى إضافـة 2.2 مليـون فـدان للرقعة الزراعيـة ، وتمثل هذه الإضافة تحقيق الأمن الغذائي لمصر والحد من استيراد السلع الاستراتيجية، ومواجهة متطلبات الزيادة السكانية للسلع الغذائية، فضلاً عن توفير أنشطة متعلقة بالزراعة مثل أنشطة الثروة الحيوانية والداجنة والتصنيع الزراعي.
وتابع: ومن ضمن المشروعات أيضا، مشروعات الصوب الزراعية الكبرى، والذي جاء مستهدفا انشاء وتكوين مجتمعات زراعية تنموية متكاملة، ومشروع المليون رأس ماشية، وإحياء مشروع البتلو، وبجانب هذه المشروعات كان الدعم الكامل للفلاح المصري من خلال توفير التسهيلات والمميزات لهم، لتكون الفرصة سانحة أمامهم في العمل وزيادة الإنتاج بشكل أكبر.
الشوربجى: الدولة تعمل على سد الفجوة الغذائية والوصول للاكتفاء الذاتي
ومن خلاله قال النائب عامر الشوربجى، عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، إن الأزمة الروسية الأوكرانية تهدد الأمن الغذائي لدي العالم أجمع، لذلك تسعى الدولة المصرية لسد الفجوة الغذائية والوصول للاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية، مشيدًا بتصريحات وزير الزراعة بإنتاج 148 ألف طن من التقاوي تغطي مساحة 2.5 مليون فدان، مؤكدا أن ذلك يعكس حرص واهتمام القيادة السياسية على إنتاج وتوفير التقاوي لدى الفلاح المصري.
وأكد عضو لجنة الزراعة والرى بمجلس النواب، على ضرورة تشجيع المزارعين لزيادة وزراعة المحاصيل الاستراتيجية، مضيفا أن الدولة المصرية تسعي لإنتاج تقاوي الزراعة من قبل الطاقة الذرية، حيث يتم إنتاج أصناف جديدة من التقاوي التي تصل إلي إنتاج 34 أردب لكل فدان ويعد هذا إنجازا حقيقيا لدي الدولة، حيث تسعى الدولة لإخراج طفرة ممتازة عن طريق التحديث فى نوع التقاوى.
استصلاح 4 ملايين فدان
وفى سياق متصل، أكد الدكتور علي عبد المحسن، مدير معهد الاقتصاد الزراعي، أن العالم يواجه أزمة غذاء وتوقف الإمدادات وارتفاع الطاقة، مضيفًا أن مصر لم تعانِي من أي نقص في السلع الغذائية والزراعية المختلفة، نتيجة جهود أجهزة الدولة، على رأسها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، خلال فترة انتشار فيروس كورونا حتى الأن.
واضاف مدير المعهد الاقتصاد، أن روسيا وأوكرانيا تمثلان 30% من الصادرات العالمية للحبوب، وبالتالي نتيجة توقف هذه الصادرات تأثر العالم بشكل ملحوظ، لذا تسعى الدولة جاهدة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من كافة المحاصيل الزراعية، مشيرًا إلى أن الدولة تعمل على عدة محاور لتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل المختلفة على رأسها مشروعات التوسع الأفقي، حيث أنه يتم حاليا استصلاح 4 ملايين فدان متمثلة في عدد من المشروعات الزراعية منها مشروع المليون ونصف المليون فدان، ومشروع الدلتا الجديدة، ومشروع تنمية وسط وشمال سيناء، إضافة إلى مشروع الوادي الجديد، مضيفًا أن المشروعات الزراعية التي تتم حاليا ساهمت بشكل كبير في تخفيف حدة الأزمات العالمية، كما أنه تم رفع المخزون الاستراتيجي من كافة السلع ليصل إلى 6 أشهر في بعض السلع.
وأكد مدير معهد الاقتصاد الزراعي، خلال فى تصريحات له، أن مركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، يعمل على استنباط أصناف جديدة من التقاوي تكون عالية الإنتاجية وذات جودة أعلى إضافة إلى فترة زراعة أقل؛ لتحقيق استراتيجية 2030، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، مضيفًا أن وزارة الزراعة أصبح لديها 148 ألف طن من التقاوي، تغطي مساحة 2.5 مليون فدان، وستساهم في ضبط الأسعار وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتقليل الاستيراد.
وتابع: “سيتم التأكيد على ضرورة التوسع في الزراعة التعاقدية لتشجيع المزارعين على توريد محاصيلهم، وكذلك زيادة نسبة التغطية بالتقاوي الجيدة والمعتمدة الخاصة بالمحاصيل الاستراتيجية، بما يسهم في زيادة إنتاجية الفدان وكذلك تشجيع المزارعين على زراعة المحاصيل الاستراتيجية خاصة القمح”.
وأكد على أن الرئيس السيسي وجه بزيادة السعة التخزينية في مصر، وأن يكون لدينا مخزون استراتيجي من السلع يكفي الاستهلاك المحلي 6 أشهر، وعلى هذا الأساس جرى التوسع في الصوامع، حيث تم تطوير المخازن والصوامع القائمة وهو ما انعكس على زيادة المخزون الاستراتيجي.
وبحسب التقرير، فإن مصر احتاجت لاستراتيجية وطنية تمتد لعشر سنوات ليكون هناك مردود إيجابى لزيادة الإنتاج الزراعى لأغراض تحقيق الأمن الغذائي، وزيادة التصدير من المنتجات الزراعية، حيث بدأت الدولة خطوات جادة نحو ذلك من خلال المشروعات القومية لزيادة مساحة الرقعة الزراعية عبر تنفيذ استراتيجية تقوم على عدة محاور أهمها:
– تحسين سلالات الإنتاج وتوفير التقاوى ذات الجودة العالية بداية كل موسم زراعى وبأسعار مدعومة، فى إطار سياسات الدعم الاقتصادى الأخضر، كما يُناط بالهيئات الحكومية المعنية، وعلى رأسها وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، المشاركة فى تحسين المحاصيل الزراعية وتوفير تقاوى محاصيل محسنة لزيادة الإنتاجية، وبالتالى التصدير إلى الأسواق الدولية.
– توفير الأسمدة والمبيدات، ولمصر باع طويل فى إنتاج الأسمدة الجيدة، علاوة على التوسع الأفقى والرأسى فى الإنتاج الزراعي، إذ تحتاج الأراضى القديمة فى الوادى والدلتا إلى زيادة الإنتاجية واستخدام أنظمة محسنة للري.
– محاولة التكيف وإيجاد حلول لما يواجهه القطاع الزراعى من معوقات، منها: الضغط المتزايد للنمو السكاني، وآثار التغير المناخي، وهذا يدفع إلى توجيه الإنتاج الزراعى نحو الداخل بدلًا من التصدير.
– وضع معايير جودة أفضل وأوضح للإنتاج الزراعى يساعد فى زيادة الصادرات وفتح أسواق جديدة، وتحقيق التكامل لقنوات التوزيع بما يساعد صغار المزارعين فى الوصول إلى أسواق التصدير.
– رغم أهمية التصدير الزراعى فى صورته السلعية الحالية، فإن الاستراتيجيات الحالية والمستقبلية تضع فى اعتبارها زيادة القيمة المضافة من خلال التصنيع الزراعى لتحسين المردود النقدى وزيادة معدلات التشغيل.
– الاستفادة التامة من مياه الصرف الزراعي، وإعادة تدويرها وتنقيتها عدة مرات للاستفادة منها فى النشاط الزراعي، إذ تستحوذ الزراعة وحدها على نحو 80% من موارد المياه فى مصر، وقد بدأت مصر بالفعل فى محطة معالجة مياه مصرف بحر البقر لإعادة تدوير مياه الصرف الزراعي.