مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم يكتب: نحو إقرار مسئولية طبية عادلة 

alx adv

يستغرب البعض توجيه مخالب المسئولية الجنائية تجاه الأطباء الذين يقدمون خدمات جليلة للإنسانية ، فيخففون الآلام ويعالجون الأمراض ، فلا يتناسب مع ذلك عقابهم حال ارتكابهم خطأ طبي غير مقصود ، ولكن يرد علي ذلك بأن من يضار بسبب خطأ الطبيب له حقوق يلزم حمايتها من عدم احتراز صغار الأطباء واهمالهم ، ومن ثم فإن المسئولية الطبية تحمي الطبيب الملتزم ، كما تحمي المريض الذي يعد طرفاً ضعيفاً في علاقة الاستشفاء .

 

 

كما أن اعفاء الطبيب من مسئوليته الطبية بحجة كونه طبيب ، يفتح الباب علي مصراعيه لبقية فئات المجتمع للمطالبة بالإعفاء من المسئولية بسبب الوظيفة ، فيطالب الصحفي بعدم العقاب عن مسئولياته الصحفية عند خطئه المهني ، والمحامي كذلك ، لا لشيء إلا لأنه يمارس مهنته ولا يقصد من وراء ذلك الخطأ إضرار أحد .

 

 

وحيث تنصب الأعمال الطبية علي جسد الإنسان وهو له قدسية عالية تستلزم الحماية الجنائية ضد أي عبث أو خطأ قد يتسبب في إلحاق الأذى به ، وحتى تقوم المسئولية الجنائية ضد الجاني فلا بد من ثبوت أنه قد ارتكب خطأ لأن الخطأ هو سبب لقيام المسئولية الجنائية وإذا انعدم فلا يسأل الفاعل عن الفعل.

 

 

والخطأ الذي هو الفعل المخالف للقانون الذي فيه يقوم الجاني بمخالفة ما أمر به المشرع أو ما نهى عنه، وهو إما أن يكون عمدياً أو غير عمدي ويتحقق الأول عندما يريد الفاعل الفعل والنتيجة أي أن يتوافر لديه القصد الجرمي في ارتكاب الفعل الذي جرمه القانون كأن يتعمد الجاني على إزهاق روح إنسان على قيد الحياة كأن يدس له السم في الطعام.

أو أن يكون الخطأ غير عمدي ويتحقق ذلك عندما يريد الفاعل الفعل فقط دون أن يقصد أي نتيجة من النتائج التي ستترتب على الفعل ومثل ذلك جرائم القتل الخطأ كأن يقوم أحد الأطباء بأجراء إحدى العمليات الجراحية لأحد المرضى فيقطع احد الأوردة الدموية للمريض ويتسبب بموته.

 

 

و ما تقدم يقتضي أن يتوافر عنصري الإدراك والإرادة -حرية الاختيار- لكي يمكن أن يسأل الفاعل عن ما اقترفه من خطأ، فالخطأ وصف يلحق بالإرادة المميزة ، والإدراك أو التمييز يعني قدرة الإنسان على فهم طبيعة فعله بحيث يكون باستطاعته أن يقدر نتائجها، ويسأل الفاعل عن فعله ولو كان يجهل أن القانون يعاقب عليه فالعلم مفترض بالقانون.

 

 

وينتفي الإدراك إذا كان الفاعل صغير السن أو كان مصاباً بعاهة عقلية أو كان فاقد لإدراكه بسبب تناوله مسكراً بدون اختياره أو علمه.

 

 

أما الإرادة فهي قدرة الإنسان على توجيه نفسه إلى فعل معين أو الامتناع عنه، ويفترض القانون أن الإنسان لديه إرادة التي بها يستطيع أن يسيطر على دوافعه الذاتية وإتباع السلوك الذي اختاره فإذا ما ارتكب الفاعل فعلاً شكل جريمة تترتب المسئولية الجنائية عليه، أما إذا كان هذا الشخص فاقداً لحرية اختياره كأن يكون لأسباب خارجية كالإكراه أو حالة الضرورة أو أسباب داخلية كأن يكون مجنوناً فهنا تنتفي عنه المسئولية الجنائية لأن شرطاً أساسيا من شروط قيام المسئولية الجنائية أضحى غير متوفر.

 

 

ومن هنا تظهر الأصوات التي تنادي بإبعاد المسئولية الجنائية عن كافة الأعمال الطبية ، ويستندون في ذلك إلي أن المساس المقصود بجسم الإنسان يشكل اعتداءً على حقه في سلامته البدنية أو الصحية ، إلا أن الأعمال الطبية التي يمارسها الأطباء على مرضاهم تخرج من نطاق التجريم وتعتبر مجازة ومشروعة ؛ لأن القانون نفسه يرفع الصفة الجنائية في حال توافر شروط معينة وهذه الإجازة والمشروعية للأعمال الطبية تجد أساسها فى إنها وإن كانت تمس جسم الإنسان إلا أنها تعتبر ضرورية وتصب بمصلحته وبدونها قد لا تستمر حياة الإنسان.

 

 

كما أن تخويف الأطباء بالتلويح بحبسهم حال وجود خطأ طبي ، يؤدي إلي هجرتهم وعزوفهم نهائياً عن ممارسة مهنة الطبي طالما كان مصيرهم الحبس عند ارتكاب الخطأ الطبي ، وهو أمر ينعكس علي قلة الأطباء ونقص عددهم مما يؤدي إلي العجز في هذا القطاع الطبي .

 

 

وهذه الأعمال الطبية تعتبر مباحة ولا يترتب عليها أي مسئولية أن توفرت شروط معينة وهي: الترخيص بالعلاج أو الترخيص بمزاولة مهنة الطب وقصد العلاج ورضا المريض وإتباع أصول الفن والمهنة.

 

 

إلا أن المسئولية الجنائية حتي عن الخطأ يُعد أمر مستقر في البنيان القانوني للجرائم غير العمدية ، وتخضع له كافة الأعمال المهنية ، فالجريمة بوجه عام تقوم علي ركن مادي وركن معنوي ، ويتوافر الركن المعنوي في الجرائم غير العمدية حيث يتمثل فيها الركن المعنوي في الخطأ الذي يحدث في صورة الإهمال أو التقصير أو عدم الاحتراز أو مخالفة القواعد والتعليمات الفنية المعمول بها .

 

 

ولكن من خلال هذه المقال نرسل رسالة طمأنينة للأطباء فإن المسئولية الطبية لا تنعقد إلا عند ثبوت الخطأ المهني الجسيم ، وفي ظل ضمانات قانونية صارمة ، تحقق العدالة للطبيب وللمريض في آن واحد ، طالما قام الطبيب ببذل العناية المطلوبة بعد الأخذ بكل الأسباب المتاحة لتحقيق النتيجة المرجوة ، وهي صحة المريض و سلامة العمل الطبي من أي انحراف .

 

 

إشكالية المسئولية الطبية :

 

 

تثير ممارسة الأعمال الطبية العديد من المشاكل و بالتالي الكثير من الاهتمام ، و لعل من أبرز هذه المشاكل ما يتصل بالمسئولية الجنائية الناتجة عن تلك الممارسة حيث تحتك النصوص القانونية بمجال علمي صرف.

 

 

فالبحث في موضوع المسئولية الجنائية للطبيب ليس بالأمر السهل باعتبار أن الممارسة الطبية نشاط علمي يتحلى بالطابع الإنساني وينصب علي الجسد الآدمي و له مساس مباشر بجسم الإنسان و حياته ، لذا فقد أثارت هذه المسئولية العديد من الجدل لدى الفقه و القضاء ، خاصة و أن الطبيب شخص جند نفسه من أجل القيام بعمل إنساني يتصل بإنقاذ حياة المريض و تحقيق سلامته الجسدية و النفسية .

 

 

ومن ثم يجد الباحث القانوني نفسه أمام هذه المهمة الإنسانية الجسيمة أن يجد نفسه فجأة أمام هدفين كلاهما مطلوب تحقيقه:

 

 

الأول : حماية المرضى مما قد يصدر عن الأطباء من أخطاء تكون لها آثار سيئة و ضمان توفير العناية الطبية اللازمة من خلال تأكيد مسئولية الأطباء.

 

 

الثاني : توفير الحرية اللازمة للأطباء في ممارسة مهامهم ، ففعل الطبيب يجب أن يتم في جو كاف من الثقة و الاطمئنان حتى يستطيع أن يطور عمله، و يتمكن البحث العلمي من الرقي و التطور. و هو ما يعد مكسبا للمريض وللإنسانية جمعاء.

لذلك و لاعتبارات التطور الاجتماعي و التطور الفني و التقني للعلوم الطبية تطورت فكرة المسئولية الطبية عن الأخطاء الطبية التي تشمل حالتي الإهمال و الخطأ الجسيم، الأمر الذي يلزم الطبيب من حيث المبدأ ببذل العناية المطلوبة بعد الأخذ بكل الأسباب المتاحة لتحقيق النتيجة المرجوة .

 

 

و في ضوء ذلك فإن الطبيب لا يكون مسئولا عن جريمة معينة إلا إذا كان قد تسبب ماديا في حدوثها أي ثبت وجود سببية بين نشاطه المادي و النتيجة الإجرامية، و يكون متمتعا بالأهلية المطلوبة لتحمل التبعة والمتمثلة في عنصري الإدراك و التمييز، أي تكون هذه الجريمة قد تمت إما عن عمد و إما عن خطأ.

 

 

و بناء على ما تقدم يمكننا تحديد المسئولية الجنائية للطبيب بالالتزام القانوني القاضي بتحمله الجزاء نتيجة اقترافه فعل أو الامتناع عن فعل يشكل مخالفة للقواعد و الأحكام التي قررتها التشريعات الجنائية أو الطبية، و من تم تمتنع المسئولية الجنائية للطبيب إذا كان فعله يرتكز إلى أساس قانوني توافرت فيه الشروط التي استقر عليها الفقه و القضاء لمشروعية العمل الطبي.

 

 

و هكذا يتضح أن قيام المسئولية الجنائية من عدمها تتأرجح بين ما هو قانوني – يتضمن النصوص التشريعية العامة و القوانين الخاصة بمهنة الطب – و بين ما هو موضوعي يضم مجموعة من المبادئ المتعارف عليها في إطار العمل الطبي ، الشيء الذي يستدعي التدقيق في كل محاولة للتوفيق بين إدانة الطبيب في حالة مخالفته للنصوص القانونية العامة و الخاصة و بين تبرئته إذا احترم المبادئ المتفق عليها طبيا .

بل إن الأمر يفرض التدقيق أكثر على اعتبار أنه في التشريع الجنائي تختلف أسس المسئولية الجنائية باختلاف طبيعة الجريمة، هل هي جريمة عمدية يتوفر لدى مرتكبها القصد الجنائي العام والخاص و ما لهذا الأخير من تأثير على تكييفها و تشديد أو تخفيف العقوبة فيها كما أن التخصص المهني للفاعل في الجريمة العمدية المرتكبة من طرفه ليست مثل الجريمة التي يرتكبها الشخص العادي. أم أن الجريمة غير عمدية مع ما تثيره هذه الأخيرة من نقاش حاد – فقها و قضاء – فيما يتعلق بمساءلة الطبيب أو عدم مساءلته جنائيا عن الخطأ الذي يرتكبه في مجال مهنته خاصة مع علمنا أن القانون الجنائي المصري لا يفرق بين الخطأ المادي و الخطأ المهني و بين الخطأ الجسيم و الخطأ اليسير حتى تقوم المسئولية الجنائية.

 

 

مدي أهمية تنظيم المسئولية الطبية :

 

 

يكتسب موضوع مسئولية الطبيب الجنائية أهمية كبيرة لتعلقه بحياة الإنسان وسلامة جسمه والحفاظ على أسراره- وإذا كانت المسئولية الطبية تقوم, في الغالب في صورتها غير العمدية, من جراء الأخطاء التي يقترفها الطبيب عند ممارسته للمهنة, فإنها تقوم أيضا , في صورتها العمدية, عن الجرائم الطبية العمدية التي تتعلق بالجرائم التي تتصل بعمله ويقترفها عن قصد, ومنها ما ورد في قانون العقوبات وهي اسقاط الحوامل , وتزوير الشهادات الطبية, وإفشاء السر الطبي, ومنها أيضا ما ورد في قانون مزاولة مهنة الطب البشري وهي: مزاولة مهنة الطب دون ترخيص .

أما مسئولية الطبيب غير العمدية فتتطلب ضرورة إثبات توافر الخطأ الطبي ماديا كان أو فنيا , والنتيجة الإجرامية المتحققة وارتباطها سببياً بالخطأ- ومن تطبيقات المسئولية عن الخطأ الطبي نرصد الأخطاء المتعلقة بأخطاء التشخيص, وأخطاء العلاج, وأخطاء التخدير, وأخطاء الجراحة .

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار