الروبوت المحامي.. والعقبات القانونية

بقلم/ مستشار دكتور محمد جبريل إبراهيم

alx adv

بالنظر إلي التطورات المذهل في مجالات علوم الكمبيوتر والروبوتات والذكاء الصناعي ، وتداخل هذه التطورات في مجالات حديثة كتوظيف الروبوت في المصانع لإنجاز الأعمال الشاقة ، وفي المنازل لأداء الأعمال المنزلية المرهقة ، وفي المستشفيات للعمل في الظروف الصعبة ، ناهيك عن استخدامها في التطبيقات العسكرية، والأمنية ما ينبأ عن حدوث تطور هائل في أجهزة الكمبيوتر والروبوتات أكثر من أي وقت مضى، بحيث لم تُعد مجرد أدوات نستخدمها فحسب في تنفيذ بعض المهام ، والدليل علي ذلك ما نسمعه كثيراً عن انتشار الأنباء عن توظيف الروبوت للعمل كمحام !!

ونحن بدورنا لا نستبعد صحة هذه الأنباء التي تشير لي قيام الروبوت بالعمل كمحام في دعوي قضائية في الولايات المتحدة لمساعدة متهم في مخالفة مرورية ، ففي علم الروبوتات أصبح صنع آلات التي تمتلك القدرة علي التعبير ، كما تمتلك القدرة علي الاستشعار، وجمع المعلومات عن البيئة المحيطة بها، مما يسمح للروبوت باجتياز العقبات المادية والفكرية التي تقابلها ، فأصبحت الروبوتات يمكنها صعود الدرج والركض ولعب الكرة ، كما يمكنها وضع الحلول لبعض المشكلات وفقاً لخوارزميات تمتلكها .
وفي مجال المحاماة ، فقد تم تطوير الروبوت وبرمجته ، حيث يتم تشغيله على هاتف ذكي ليستمع إلى جميع المرافعات التي تخص الدعوي في المحكمة وفي الوقت الفعلي مثله في ذلك مثل المحامي الطبيعي ، ولكنه لن يقوم بالمرافعة بذاته ولكنه يقوم بإخبار المتهم أو المدعى عليه عبر سماعات بما يجب أن يدافع به من ردود قانونية .
وفي إطار هذا التطوير فقد تم تدريب الروبوت علي ملفات قضائية عديدة شملت موضوعات متنوعة ، كما حرص الخبراء والمبرمجين الذين زودوا الروبوت بالمعلومات علي الالتزام بالقوانين وتقليص التحايل عليها لأقل قدر تطبيقاً لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي .
كما تم تعدّيل تطبيق الذكاء الاصطناعي وبرمجة الروبوت المحامي بحيث لا يتفاعل تلقائيا مع كل ما يسمعه في قاعة المحكمة ، بحيث تتلخص مهمته في الاستماع للتهم الموجهة للمتهم ، والحجج المقدمة من الخصوم ، فيحللها قبل توجيه التعليمات للمدعي عليه بكيفية الرد .

 

إرهاصات المشورة القانونية عبر الذكاء الاصطناعي :

كان هناك إرهاصات لاستخدام الذكاء الاصطناعي في تقديم المشورة القانونية ، حيث تم تطوير الروبوت الآلي وإطلاقه كروبوت دردشة لتقديم المشورة القانونية للمستهلكين الذين يواجهون الرسوم أو الغرامات المتأخرة .
حيث يقوم روبوت الذكاء الاصطناعي بمعالجة وتحليل المعلومات التي يتم الاستماع إليها ، ومن ثم يقدم المشورة القانونية لمن يطلبها آلياً ، وهو ما يحقق تكافؤ الفرص وجعل المعلومات القانونية والمساعدة الذاتية في متناول الجميع .
ولقد أحرزت الصين تقدماً ملحوظاً في هذا المجال ، حيث عملت علي تطوير نظام “المحاكم الذكية” منذ عام 2016 عندما دعا رئيس المحكمة العليا ” تشيانج زو ” إلي التكنولوجيا لتحسين “عدالة وكفاءة ومصداقية” النظام القضائي عن طريق تقديم موظفي استقبال الروبوتات إلي المحاكم من أجل المساعدة القانونية عبر الإنترنت من خلال مسجلات التعرف علي الصوت التلقائية في قاعات المحاكم التي تلغي الحاجة إلي النسخ ، و “قاعات المحاكم الافتراضية” حيث يمكن الاستماع إلي القضايا عبر الإنترنت.

لماذا تصاعد الدعوة للمحامي الروبوت ؟

قد تكون تكلفة توكيل محام طبيعي للدفاع في تهمة مخالفة مرورية صغيرة باهظة الثمن ، ومرهقة في الوصول إلي مكان المحامي والتواصل معه ، فالبرعم من أن هناك الكثير من المحامين الجيدين الذين قد يترافعون في المحاكم عن المتهمين ، لكنهم يتقاضون الكثير من المال لمجرد نسخ المستندات وتقديمها ، مما يروج لإحلال المحامين الاصطناعيين بدلاً من المحامين الطبيعيين .
كما أن شرح تفاصيل التهمة والقضية للمحامي الطبيعي قد يأخذ جهداً أكبر ، ويستتبع ذلك استطالت الوقت في إعداد الدفاع فيها وتحضيرها ، وهو ما يتغلب عليه المحامي الروبوت الذي يتميز بالسرعة في استدعاء نصوص القوانين والسوابق القضائية ، وكذلك الدقة في تطبيقها .
ويري البعض أن استخدام المحامي الاصطناعي ( الروبوت ) قد يكون أنسب وأسهل ، حيث تجتاح بعض الفترات الجوائح والظروف غير المواتية للعمل بصورة طبيعية ، ولذلك فإن معظم الأعمال تعطل في مثل هذه الظروف ، كما أن معظم الشركات سمحت بالعمل عبر التقنيات الحديثة أونلاين و من المنزل ، وظهر ذلك خلال فترة جائحة كورونا .

العقبات القانونية لعمل الروبوت كمحام

الضوابط القانونية لممارسة المحاماة لا تتوافر في الروبوت ، فالروبوت لا يمكن وصفه بوضعه الحالي بوصف المحامي ، ولا تنطبق عليه شروط ممارسة مهنة المحاماة التي تتطلب مواصفات معينة وضعها القانون لهذه المهنة ، حيث تنص المادة 132 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 علي أنه :- للمحامين دون غيرهم حق الحضور عن الخصوم أمام المحاكم وللمحكمة أن تأذن للمتقاضين في أن يُنيبوا عنهم في المرافعة أمامها أزواجهم وأصهارهم أو أشخاصاً من ذوي قرباهم إلى الدرجة الثالثة.
كما تنص المادة 133 من ذات القانون علي أنه :- يُعين القانون الشروط اللازم توافرها للاشتغال بالمحاماة ويبين حقوق المحامين وواجباتهم وينظم تأديبهم .
وحيث نظم قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 ممارسة مهنة المحاماة وحصر ممارستها للمحامين وحدهم فنص في مادته الأولي علي أنه :- ” ….. ويمارس مهنة المحاماة المحامون وحدهم فى استقلال، ولا سلطان عليهم فى ذلك الا لضمائرهم وأحكام القانون.
وتنص المادة الرابعة من ذات القانون علي أنه :- ” يمارس المحامي مهنة المحاماة منفردا أو شريكا مع غيره من المحامين أو فى صورة شركة مدنية للمحاماة.

ووضع القانون شروطاً معينة لمن يترافع أمام المحاكم الجزئية ، والقيد في الجدول العام لنقابة المحامين ، فنصت المادة 13 من ذات القانون علي أنه :- ” يشترط فيمن يطلب قيد اسمه فى الجدول العام أن يكون:

١ – متمتعًا بالجنسية المصرية ومقيمًا بها إقامة دائمة وفقًا للضوابط التى يقررها مجلس النقابة، ويجوز لوزير العدل وفقًا للقواعد التى يضعها بالتنسيق مع مجلس نقابة المحامين الترخيص للمحامين الأجانب بالعمل في دعوى أو موضوع معين بشرط المعاملة بالمثل.

ويُنشى مجلس النقابة جداول خاصة بالمحامين الأجانب والمحامين المشتغلين خارج جمهورية مصر العربية وبقواعد التعامل من حيث تدرج القيد ورسومه والاشتراكات السنوية والخدمات التى تقدم لهذه الجداول.٢ – متمتعا بالأهلية المدنية الكاملة.
٣ – أن يكون حاصلاً على الثانوية العامة أو ما يعادلها من الشهادات الأجنبية المعتمدة في مصر، وإجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق أو شهادة من إحدى الجامعات الأجنبية أو فروعها في مصر والتى تعتبر معادلة لها طبقًا لأحكام القوانين واللوائح المعمول بها في جمهورية مصر العربية.
٤ – ألا يكون قد سبق إدانته بحكم نهائى فى جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو بعقوبة جناية، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره.
٥ – أن يكون محمود السيرة، حسن السمعة، أهلا للاحترام الواجب للمهنة، وألا تكون قد صدرت ضده أحكام تأديبية أو انتهت علاقته بوظيفته أو مهنته أو انقطعت صلته بها لأسباب ماسة بصلاحيته للوظيفة التى كان يشغلها…..”
وتنص المادة 58 من قانون المحاماة علي أنه :- ” لا يجوز فى غير المواد الجنائية التقرير بالطعن أمام محكمة النقض أو المحكمة الادارية العليا الا من المحامين المقررين لديها سواء كان ذلك عن أنفسهم أو بالوكالة من الغير.
كما لا يجوز تقديم صحف الاستئناف أو تقديم صحف الدعاوى أمام محكمة القضاء الإداري الا اذا كانت موقعة من أحد المحامين المقررين أمامها.
وكذلك لا يجوز تقديم صحف الدعاوى وطلبات أوامر الأداء للمحاكم الابتدائية والادارية الا اذا كانت موقعة من أحد المحامين المقررين أمامها على الأقل.
وكذلك لا يجوز تقديم صحف الدعاوى أو طلبات أوامر الأداء للمحاكم الجزئية الا اذا كانت موقعة من أحد المحامين المشتغلين وذلك متى بلغت أو جاوزت قيمة الدعوى أو أمر الأداء خمسين جنيها.
ويقع باطلا كل اجراء يتم بالمخالفة لأحكام هذه المادة.

طبيعة العلاقة بين الروبوت وبين أطراف المنازعة القضائية :
العلاقة بين الروبوت المحامي ، وبين الموكل :
يتلخص عمل الروبوت المحامي خلال الجلسة المنتظرة له والتي تم الترويج لها والتي ستقام في فبراير القادم في نصح المدعي عليه عبر سماعات تطبيق ذكي بما سيقوله أمام المحكمة ، وذلك بعد أن يستمع للمرافعة وللحجج المقدمة ضد موكله ، فيقوم بتحليلها وتقديم الرد المناسب عليها للموكل ، مما تعد المرة الأولي التي يتم فيها تمثيل الشخص بذكاء اصطناعي في ساحات المحاكم .
ولقد تم تطوير عمل الروبوت وتصميمه بحيث يمتلك خوارزميات الردود والإجابات علي الاسئلة التي توجه إلي المتهم عن المخالفات المرورية ، مثل: “هل كنت أنت أو أي شخص تعرفه يقود سيارتك؟” أو “هل كان من الصعب فهم لافتات وقوف السيارات؟”.
وبعد أن يقوم الروبوت بتحليل التهم والإجابات يقرر تقديم المشورة للمدعي عليه أو المتهم ، الذي سينفذ كل توجيهات الروبوت مهما كانت ، مع تحمّل مطوري الروبوت لأي خسائر قد يتعرض لها المتهم .
العلاقة بين المحامي الروبوت وبين المحامي الطبيعي :
يمكن للمحامي الطبيعي أن يستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي ، فيتم استدعاء هذا الأخير لتقديم المساعدة القانونية للمحامي الطبيعي إذا طلبها منه ، فلا مانع قانوني يمنع المحامي الطبيعي من الاستفادة من تطورات الذكاء الاصطناعي المفيدة .
وحيث تنص المادة 47 من قانون المحاماة علي أنه :- ” للمحامي أن يسلك الطريقة التي يراها ناجحة طبقاً لأصول المهنة فى الدفاع عن موكله ولا يكون مسئولا عما يورده في مرافعته الشفوية أو في مذكراته المكتوبة مما يستلزمه حق الدفاع، وذلك مع عدم الاخلال بأحكام قانون الاجراءات الجنائية وقانون المرافعات المدنية والتجارية ”
فهل يجوز للمحامي الطبيعي أن ينيب عنه روبوت محامي في حضور الجلسات والمرافعة ؟
ولكن تقتصر استفادة المحامي الطبيعي من المحامي الروبوت علي أخذ المشورة فقد ، ولا تتعدي الاستفادة ذلك فلا يجوز له أن ينيبه الروبوت في القيام بعمله كحضور الجلسات أو المرافعة بدلاً منه ، حيث تنص المادة 56 من قانون المحاماة علي أنه :- ” للمحامي سواء كان خصما أصليا أو كيلا فى دعوى أن ينيب عنه فى الحضور أو فى المرافعات أو فى غير ذلك من اجراءات التقاضي محاميا آخر تحت مسئوليته دون توكيل خاص ما لم يكن فى التوكيل ما يمنع ذلك ”

ومن جماع ما تقدم يكون عمل الروبوت كمحام يكتنفه الكثير من العقبات القانونية التي تستلزم إجراء التعديلات القانونية الجوهرية في قانون المرافعات ، وفي قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 ، وفي قانون المحاماة رقم 17 لسنة 1983 ، وتكون هذه التعديلات بما يتناسب مع طبيعة الروبوت .
وأول هذه التعديلات وأهمها هو منح الروبوت الشخصية القانونية المعتبرة بوجه عام ، والاعتراف له بهذه الشخصية القانونية ؛ فيقدر بمقتضاها تحمل الالتزامات واكتساب الحقوق بقدر محدود .

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار