يشهد قطاع غزة حاليًا الحرب الأعنف التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع، بعد أن نفذت فصائل المقاومة الفلسطينية “عملية طوفان الأقصى” قبل أكثر من شهر.
ومع استمرار الحرب، بدأت تظهر آثارها السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، إذ يشير تقرير لصحيفة “فورين بوليسي” الأمريكية، إلى أن تكلفة هذه الحرب على الاقتصاد الإسرائيلي مليارات الدولارات، إذ يتأثر الاقتصاد الإسرائيلي بشكل مباشر في قطاعات مثل الزراعة والسياحة والطيران، بالإضافة إلى التأثير غير المباشر على قطاعات أخرى.
دخلت إسرائيل الحرب مع 200 مليار دولار من الاحتياطيات و14 مليار دولار من المساعدات، بشكل أساسي للتمويل العسكري، من الولايات المتحدة. ومع ذلك، يقول الخبراء إن الصراع المستمر سيكلف الاقتصاد الإسرائيلي مليارات أخرى ويستغرق فترة أطول بكثير للتعافي مما كان عليه في الماضي.
أشارت الصحيفة إلى انخفاض قيمة الشيكل الإسرائيلي لأدنى مستوياته منذ 14 عامًا، بالتزامن مع انخفاض توقعات البنك المركزي الإسرائيلي لمعدل النمو الاقتصادي في العام الحالي. كما باع البنك المركزي الإسرائيلي كميات كبيرة من أصوله النقدية الأجنبية، لمنع تراجع أكبر للعملة المحلية.
وصرح ميشيل ستروزينسكي، الخبير الاقتصادي في الجامعة العبرية بالقدس، والمدير السابق لقسم الأبحاث في البنك المركزي الإسرائيلي للصحيفة، بأن تكلفة المواجهتين السابقتين، حرب لبنان في صيف 2006 وضد الفصائل في 2014، كلفت ما يصل إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وأثرت بشكل أساسي على قطاع السياحة. لكن هذه المرة، “التقديرات ترتفع بنسبة 3.5% إلى 15% من حيث القيمة السنوية” في الربع الأخير من هذا العام.
وتوضح فورين بوليسي تأثر قطاع الزراعة في إسرائيل بالحرب، إذ فر معظم العمال الزراعيين الأجانب من إسرائيل؛ مما تسبب في توقف العديد من المزارع عن العمل. كما تحولت بعض المزارع في منطقة غلاف غزة إلى معسكرات لجيش الاحتلال الإسرائيلي. ونتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل لاستيراد بعض أنواع المحاصيل الغذائية لتلبية احتياجاتها.
كما أن قطاع الزراعة يواجه نقصًا في المزارعين بلغ 10 آلاف مزارع، فيما اقترحت وزارة الزراعة الإسرائيلية خطة لتوظيف 8 آلاف مزارع من الضفة الغربية.
وتسلط الصحيفة الضوء على قطاع السياحة، الذي يُسهم بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي ويوفر 6% من فرص العمل، الذي تأثر سلبًا بشكل كبير، إذ غاب السياح عن مواقع الجذب السياحي الرئيسية مثل شواطئ تل أبيب وأسواق القدس القديمة. كما توقفت العديد من شركات الطيران عن تشغيل رحلاتها إلى إسرائيل؛ مما أدى إلى تراجع كبير في إيرادات قطاع السياحة.
وأدت عملية استدعاء 360 ألف جندي احتياطي إلى ضغط كبير على الشركات، حيث تم سحب أفراد كانوا يشغلون وظائف مختلفة في وقت السلم، ما زاد من حدة الأزمة الاقتصادية التي تمر بها إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت البلاد هجرة أعداد كبيرة من العمال الأجانب، مثل العمالة الأجنبية في قطاعي الزراعة والرعاية الصحية، كما تأثر قطاع الطاقة.
بالنظر إلى مجموع الآثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن التقديرات تُشير إلى أن تكلفة هذه الحرب ستصل إلى 15% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي للعام، ما يعادل تقريبًا 30 مليار دولار، في حال استمرارها لمدة طويلة.
وستستغرق البلاد فترة زمنية طويلة للتعافي من هذه الأضرار والعودة لمسار النمو الاقتصادي مرة أخرى.
تُشير التقديرات أيضًا إلى أنه حتى في حال انتهاء الحرب الحالية، فإن إعادة إعمار ما تم تدميره في قطاع غزة ستكلف عشرات المليارات من الدولارات، وستبقى إسرائيل مطالبة بدفع تكاليف إعادة الإعمار، وفقًا للقانون الدولي، مما سيضيف المزيد من الأعباء المالية على الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات المقبلة.
من جهة أخرى، تشهد العلاقات الإسرائيلية الأمريكية توترًا كبيرًا حاليًا؛ بسبب هذه الحرب، حيث تزايدت المطالبات الداخلية في أمريكا بوقف الدعم المالي والعسكري لإسرائيل، كما تراجعت شعبية إسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي؛ مما قد يؤثر سلبًا على التبادل التجاري بين البلدين في المستقبل القريب بحسب ما تشير الصحيفة.
وبالتالي، فإن هذه الحرب تمثل أخطر أزمة اقتصادية تواجهها إسرائيل منذ عقود، إذ ستستمر آثارها السلبية لسنوات طويلة مقبلة، خاصة أن التوترات مع فلسطين مستمرة؛ مما يجعل الاستقرار والتنمية الاقتصادية الإسرائيليتين في مخاطر مستمرة.
وهكذا، تؤكد فورين بوليسي، أن الحرب سلطت الضوء على ترابط أمن إسرائيل الاقتصادي بشكل وثيق مع أمنها العسكري، إذ باتت دولة الاحتلال في حاجة ماسة إلى إيجاد حل سياسي دائم للصراع مع الفلسطينيين، لحماية اقتصادها من الهزات المستمرة الناجمة عن الصراع، وإلا ستواجه إسرائيل أزمات اقتصادية كبرى في المستقبل؛ بسبب هذا الوضع غير المُستقر.