أفاد تقرير حديث صادر عن المؤسسة الدولية لتمويل التنمية، بأن نحو نصف سكان العالم يعيشون في دول تواجه صعوبات في سداد ديونها وتتجاوز هذه الديون إنفاقها على الرعاية الاجتماعية الأساسية.
أسوأ أزمة ديون في التاريخ الحديث
ويعتبر هذا السيناريو “أسوأ أزمة ديون في التاريخ الحديث”، وفقًا لتعليق منظمة “ريد فلاغ” على التقرير في موقعها على الإنترنت؛ ويكشف التقرير عن حقيقة مأساوية للأوضاع المالية التي يواجهها جزء كبير من سكان العالم.
تتحدث الأرقام التي وردت في التقرير بشكل واضح، حيث ارتفعت مدفوعات خدمة الديون في الدول ذات الدخل المنخفض بشكل كبير، حيث تجاوزت ضعف ما يُنفق على التعليم و4 أضعاف ما يُنفق على الرعاية الصحية.
وخلال الثلاث سنوات الماضية فقط، شهدنا حدوث 18 حالة تخلف عن سداد الديون السيادية في 10 دول، وهو عدد يتجاوز إجمالي العقدين السابقين.
دول تتأرجح على حافة الأزمة
يُلقي التقرير السنوي لصندوق النقد الدولي لعام 2022 بظلال أكثر كثافة، حيث يشير إلى أن 60% من البلدان ذات الدخل المنخفض كانت تتأرجح بالفعل على حافة أزمة الديون؛ وعلى الرغم من انخفاض النسبة ظاهريًا إلى 50%، إلا أن الوضع القاسي لا يزال ماثلاً، حيث تواجه 34 دولة أزمةً محتملةً و25 دولة تواجه مخاطر عالية.
ورغم وصف هذه الإحصائيات بأن هناك تحسن طفيف، فإن خطورة الأوضاع الفعلية لا تزال ماثلة بشكل كبير.
وفقًا لتقرير منظمة “ريد فلاغ”، فقد وصل عبء خدمة الديون في البلدان النامية إلى مستوى مثير للقلق يبلغ نصف تريليون دولار سنويًا، مما دفع أكثر من 100 دولة إلى خفض الإنفاق على القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم لتلبية التزاماتها الديونية.
ويبدو أي مظهر من مظاهر الارتياح بعيد المنال، حيث يثور التضخم في الولايات المتحدة، محطمًا الآمال في تخفيضات قريبة في أسعار الفائدة.
تكاليف باهظة للاقتراض
وبالنسبة للبلدان ذات الدخل المنخفض، التي تعاني من تكاليف الاقتراض الباهظة، فإن الوضع يزداد تعقيدًا. فالدول الأفريقية، على سبيل المثال، تتحمل أسعار فائدة تصل إلى 4 مرات مقارنة بالولايات المتحدة و8 مرات أكثر من نظرائها في أوروبا الغربية، وفقًا لتقرير منظمة “ريد فلاغ”.
يتوارى في الأفق شبح إعادة تمويل الديون بشكل كبير، مع تفاقمه بسبب تراجع دعم الدائنين وتعزيز العملات الأجنبية مقابل العملات المحلية.
ووفقًا لتقرير منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، ترسم صورة قاتمة، حيث تكشف أن البلدان ذات الدخل المنخفض تخصص نسبة مذهلة تبلغ 23% من عائدات التصدير لخدمة الديون، وهو ما يفوق بكثير الحد الأقصى الضئيل الذي فرض على ألمانيا ما بعد الحرب والذي يبلغ 5%.
تدور الاقتصادات المثقلة بالديون في دوامة اقتصادية مفرغة تهدد الدول، حيث تتراكم الديون بشكل أسرع من النمو الاقتصادي.
10 تريليونات خلال عقدين فقط
وتكشف تقديرات الأمم المتحدة عن تحويل صافي للثروة من الدول الأفقر إلى الدول الأكثر ثراء، والذي بلغ مبلغًا ضخمًا قدره 10 تريليونات دولار على مدى العقدين الماضيين.
ويسلط هذا التفاوت الكبير الضوء على الحاجة الملحة إلى إلغاء الديون، في حين يكافح السكان الفقراء تحت وطأة الالتزامات التي لا يمكن التغلب عليها، وفقًا لتقرير منظمة “ريد فلاغ”.
تصبح الحقيقة الملحة المتمثلة في عدم المساواة في الرأسمالية محل اهتمام متزايد، في حين يتصارع العالم مع أزمات وجودية مثل الجوع وتغير المناخ. يؤكد تقرير منظمة “ريد فلاغ” أن النظام الدولي الحالي، الذي يتحكم فيه الدوافع المالية، يفشل في تلبية الاحتياجات الأساسية للفئات الأكثر ضعفًا في العالم، مما يؤدي إلى استمرار دائرة الفقر والاستغلال.