أصبح سوق العمل مصدر قلق كبير للمسؤولين الأمريكيين بعد نحو عامين من تركيز الاحتياطي الفيدرالي والبيت الأبيض بشكل مكثف على مكافحة التضخم المرتفع، والذي كان الهدف الرئيسي للسياسات الاقتصادية وتوقعات الأسواق.
تغيرت الأوضاع بشكل درامي مع إصدار تقرير الوظائف لشهر يوليو، مما أثار مخاوف جديدة بشأن حالة سوق العمل.
بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، يبرز هذا التحول معضلة اقتصادية أكبر تتعلق بموازنة السيطرة على التضخم مع الحفاظ على مستويات التوظيف القوية.
ميزان البطالة والاستقرار الاقتصادي
وكشف تقرير الوظائف لشهر يوليو عن زيادة غير متوقعة في معدل البطالة، الذي ارتفع إلى 4.3% من 4.1% في يونيو و3.7% في بداية العام.
هذه الزيادة، مع الأداء الضعيف للتوظيف، أثارت تساؤلات حول قوة الاقتصاد ومستقبله، بحسب الصحيفة.
وأوضح أوستان جولسبي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو، أهمية هذا الوضع قائلاً: “السؤال الآن هو ما إذا كنا نستقر عند مستوى التوظيف الكامل أم نتجاوزه. هذه مسألة حاسمة”.
التحديات الاقتصادية
بينما ركز الاحتياطي الفيدرالي على تحقيق “هبوط سلس” من خلال خفض التضخم دون التسبب في تباطؤ اقتصادي كبير، تشير البيانات الأخيرة إلى أن الأوضاع الاقتصادية قد تتطور بسرعة أكبر من المتوقع.
تظهر البيانات الحديثة تباطؤاً أكثر وضوحاً في سوق العمل مقارنة بالتوقعات السابقة، مما قد يعقد إستراتيجية الاحتياطي الفيدرالي مستقبلاً، وفقًا للصحيفة.
يواجه مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي تحديًا في تعديل سياساتهم استجابة لهذا المشهد المتغير، وقد أدت الزيادة الأخيرة في معدل البطالة، مع تباطؤ نمو الوظائف، إلى تساؤل العديد حول كفاية سياسات الفائدة الحالية للاحتياطي الفيدرالي في معالجة هذه القضايا الناشئة.
تحليل حجم التعديلات المطلوبة
وفقًا لما ذكرته “وول ستريت جورنال”، ينقسم المحللون حول حجم التعديل اللازم، حيث يدعو البعض إلى تقليص تدريجي في معدلات الفائدة لتجنب تفاقم الضعف الاقتصادي المحتمل، ستكون تحركات الاحتياطي الفيدرالي القادمة حاسمة في تحديد قدرته على الانتقال من سياسة مكافحة التضخم إلى سياسة تدعم الاستقرار والنمو الاقتصادي.
تداعيات سياسية للغموض الاقتصادي
استجاب سوق السندات بالفعل لتوقعات تعديلات السياسات من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مع انتعاش أدى إلى خفض تكاليف الاقتراض، وانخفض معدل الرهن العقاري لمدة 30 عامًا إلى 6.4% يوم الجمعة من 6.86% قبل أسبوع، مما يعكس تفاؤل المستثمرين بشأن تخفيضات الفائدة المستقبلية.
ويمكن أن يحفز هذا الانخفاض في معدلات الرهن العقاري الطلب على الإسكان ويوفر بعض الإغاثة الاقتصادية، مما قد يعوض بعض التأثيرات السلبية من ضعف سوق العمل الحالي.
تأثير تراجع سوق الأسهم
ومع ذلك، يظل تراجع سوق الأسهم المستمر خطرًا كبيرًا، حيث اعتمد الانتعاش الاقتصادي بعد الجائحة بشكل كبير على أسعار الأصول القوية ونمو الدخل، أي انخفاض كبير في هذه المجالات قد يجهد الاقتصاد أكثر.
وتشير “وول ستريت جورنال” إلى أن التداعيات السياسية للوضع الاقتصادي تعد ذات أهمية كبيرة، وقد يؤثر التباطؤ على سباق الرئاسة بين الرئيس السابق دونالد ترامب ونائبة الرئيس كامالا هاريس، إذ استغلت حملة ترامب تقرير الوظائف، واصفة إياه بـ”تقرير وظائف بخمسة إنذارات”، ودليلًا على حدوث ركود محتمل.
وأشار مارك سومرلين، الاقتصادي الذي قدم المشورة للرئيس جورج بوش الابن، إلى أنه “إذا انقلب الاقتصاد، فإن فرص هاريس في أن تصبح رئيسة ستتضاءل”.
وتعكس هذه المشاعر قلقًا أوسع من أن عدم الاستقرار الاقتصادي قد يؤثر على شعور الناخبين ونتائج الانتخابات.
الوضع الحالي لسوق العمل
بينما ما يزال معدل البطالة منخفضًا تاريخيًا مقارنة بالركودات السابقة، قد تؤثر الاتجاهات الأخيرة وتأثيراتها على الاقتصاد الأوسع بشكل كبير على الانتخابات الرئاسية المقبلة، رغم المخاوف الحالية، تشير الصحيفة إلى أنه لا يمكن وصف سوق العمل بأنه ضعيف بعد، وما يزال هناك المزيد من فرص العمل مقارنة بالعمال العاطلين عن العمل، وقد ظلت عمليات التسريح منخفضة نسبيًا.
أشار الرئيس بايدن في وقت سابق إلى الجوانب الإيجابية لسوق العمل، ملاحظًا أن ما يقرب من 16 مليون وظيفة قد تم إنشاؤها منذ توليه وهاريس منصبهما.