أصبحت منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن وسط توترات إقليمية بالغة التعقيد , بسبب حرب الإبادة التى تشنها قوات الاحتلال ضد سكان قطاع غزة , زادت من حدته سياسة الاغتيالات التى تنتهجها إسرائيل ، باستخدام الأسلحة شديدة الدقة بالتطور التقني واستخدام الذكاء الاصطناعي مما ينذر بحرب إقليمية خطيرة قد تكون مقدمة لحرب عالمية ثالثة , وتقف مصر موقفاً ثابتاً لدعم القضية الفلسطينية , وتنويراً للعقل العربى نعرض لدراسة المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة بعنوان : ( إسرائيل شرعنت الاغتيالات المسمى بالقتل المستهدف منذ عام 2000 والقضاء الإسرائيلى منحها صك المشروعية عام 2006)
ونعرض للجزء الثالث والأخير لدراسة الفقيه المصرى لنظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة ومصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية واللاعب الرئيسى لعملية التفاوض المعقدة التى تعرقلها إسرائيل , وأن إسرائيل أول دولة فى العالم تشرعن سياسة الاغتيالات وتاريخها حافل.
ما لا يفهمه العالم نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة
يثير الدكتور محمد خفاجى نقطة غاية فى الدقة والأهمية ويذكر ” ما لا يفهمه العالم نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة, إن العقلية الإسرائيلية تشرعن الاغتيال بحجة أنه وسيلة للدفاع عن النفس , ويرى العقل الإسرائيلى أن حركة المقاومة الفلسطينية حماس تصر على أنه لا يوجد شيء يمكن التفاوض عليه مع إسرائيل، باستثناء كيفية تفكيك الدولة اليهودية. كما يرى العقل الإسرائيلى وجود قوة أصغر وأكثر تشدداً في المعسكر الأصولي وهي حركة الجهاد الإسلامي، التي تعارض بشكل قاطع السلام مع إسرائيل تحت أي ظرف من الظروف , ثم يرى العقل الإسرائيلى وجود الميليشيات الأصولية المدعومة من إيران المنضمة إلى الفصائل الفلسطينية في جنوب لبنان.”
ويضيف ” وترى العقيدة الإسرائيلية خطورة الجماعات الأصولية الثلاث على وجود دولة إسرائيل ذاتها وعقديتهم أن المسلمين ملزمون، بأمر نبيهم، بقتال وقتل اليهود أينما وجدوهم، وأن الجهاد – الحرب المقدسة – من أجل تخليص الأرض هو واجب ديني شخصي على كل مسلم. وأخيراً يرى العقل الإسرائيلى أن هذه الجماعات تمثل عدواً أكثر خطورة من الفصائل الفلسطينية العلمانية المختلفة، وتنتهى العقيدة الإسرائيلية إلى أن كل هؤلاء الأعداء لإسرائيل يخططون لاستعادة فلسطين بالكامل على مراحل وتلك عقيدة راسخة لدى اليهود . ”
ويوضح الدكتور محمد خفاجى ” من المهم قراءة العمق الاستراتيجى للعقل الإسرائيلى وعقيدته التى تنظر إلى عملية الحوار على أنه حواراً مستحيلاً مع حركة المقاومة حماس التى تراها تسعى إلى تدمير إسرائيل وفقاً للعقيدة الإسرائيلية ،وهذا يعني أنه في مثل هذه المفاوضات، سوف يُسمح لإسرائيل بتبرير إبادتها , لذا فيرى العقل الإسرائيلى أن الإبادة الجماعية للفلسطينيين هى العمل الاستباقى الواجب فعله دوماً بركيزة أن إسرائيل تدافع عن نفسها مما يبرر لجوءها إلى القوة العسكرية باعتبارها تدابير للمساعدة الذاتية , ويبرر لديها الاغتيال كشكل من أشكال الدفاع عن النفس الوقائى , على الرغم من تحول السلوك القانوني من الدول العربية المطبعة مع إسرائيل وهو تحول مؤسف لأنه يركز اللوم الفلسطينى بشكل غير عادل لصالح الدولة اليهودية .”
ويؤكد ” الرأى عندى أن ما يراه العقل الإسرائيلى من مشروعية الاغتيال بالقوة العسكرية هو فى حقيقته وجوهره من قبيل الأعمال الانتقامية ,وهو الأمر المحظور بموجب ميثاق الأمم المتحدة، إذ لا يسمح للدول باستخدام القوة إلا إذا كانت لديها أسباب قانونية كافية. ومشكلة الانتقام كسبب للاستخدام المسموح به للقوة من جانب الدول محددة صراحة وبصورة قاطعة في إعلان الأمم المتحدة لمبادئ القانون الدولي بشأن العلاقات الودية والتعاون بين الدول: “تتحمل الدول واجب الامتناع عن أعمال الانتقام التي تنطوي على استخدام القوة” وفقاً لإعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول . ”
ويشير “والأعمال الانتقامية عقابية بطبيعتها ولا يمكن القيام بها من أجل الحماية أو الدفاع عن النفس وإلا تحول القانون الدولى للسلام إلى قانون الانتقام الدولي , فوفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2625، الدورة الخامسة والعشرون أن حظر الأعمال الانتقامية يستنتج في معظمه من التنظيم الواسع للقوة في المادة 2/4، والالتزام بتسوية النزاعات سلمياً في المادة 2/3، والحظر التام للأعمال الانتقامية يفترض درجة من التماسك العالمي الذي لا وجود له ببساطة فى العصر الحالى ”
ويلخص ” وصفوة القول عندى أن ما لا يفهمه العالم نظرة العقل الإسرائيلى للتفاوض والعقلية التفاوضية المستحيلة ففى عقيدتهم العميقة أنه لا تفاوض مع الفلسطينيين لأن عقديتهم لا تعترف بحق العرب فى فلسطين , ويتخذون من تطويل عملية التفاوض التى قاربت على 10 أشهر – وستصل لعام أو أكثر دون اتفاق – ستاراً صورياً للعالم من أجل شرعنة الاحتلال والاعتراف بالواقع المخالف للقانون الدولى وشرعنة الاغتيالات والإبادة الجماعية المناقضة للقانون الدولى الإنسانى .”
مصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية واللاعب الرئيسى لعملية التفاوض المعقدة التى تعرقلها إسرائيل
يقول الدكتور محمد خفاجى ” إن مصر الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية على مر العصور, وترفض مصر بثبات التهجير القسرى للفلسطينيين فى سيناء حرصاً منها على عدم تصفية القضية الفلسطينية , وأمام عينيها ذكرى النكبة ما حدث من تهجير قسرى للفلسطينييين عام 1948 الذين لم يتمكنوا من العودة إلى ديارهم مرة أخرى , ومن ثم فإن أي طرد أو تهجير جماعي آخر من شأنه أن ينهي أي أمل في إقامة دولة فلسطينية، وهي القضية التي تتضامن معها مصر . ”
ويؤكد ” قد لعبت مصر ومازالت دوراً محوريًا تاريخيًا وجيوسياسيًا، تجاه القضية الفلسطينية. ومنذ البداية كان الموقف الرسمي للدولة المصرية واضحاً بمطالبة إسرائيل بالسماح بدخول المساعدات بشكل آمن إلى قطاع غزة مع الدعوة إلى هدنة إنسانية فورية ورفض التهجير القسرى حرصاً على الوجود الفلسطينى على أراضيهم .فضلا عن أن مصر بصبر وأناة وحكمة هى اللاعب الرئيسى لعملية التفاوض المعقدة التى تعرقلها إسرائيل ”
تعريف الاغتيال المسمى بالقتل المستهدف من قبل إسرائيل , وهل له تعريف فى القانون الدولى ؟
يقول الدكتور محمد خفاجى ” القتل المستهدف الاغتيال (بالعبرية הרג ממוקד ) هو تكتيك استخدمته حكومة إسرائيل خلال الصراع الإسرائيلى الفلسطينى بصفة خاصة , والصراع الصراع العربي الإسرائيلي بصفة عامة , والصراع بالوكالة بين إيران وإسرائيل فضلا عن ثمة صراعات أخرى مستحدثة . وقد استخدمته إسرائيل على نطاق واسع بدءاً من عام 2000 خلال الانتفاضة الثانية عندما أصبحت إسرائيل أول دولة تحدد علنًا سياسة التصفية الجسدية والقتل الوقائي المستهدف وتحديداً في نوفمبر 2000 فى بيت سحور بالقرب من بيت لحم أربعة حينما أطلقت قوات الاحتلال صواريخ موجهة بالليزر من مروحية أباتشى لاستهداف حسين عبيات فأردته قتيلا مع ربتي منزل .وقبل عام 2000 كان القتل المستهدف من إسرائيل إرهاصات تتم بصورة مستترة ”
ويضيف ” ولا يوجد تعريف واضح وصريح للقتل المستهدف – الاغتيال – بموجب القانون الدولى لكن يمكننا تعريفه بأنه عبارة سلوك مادى صادر من شخص من أشخاص القانون الدولي باستخدام القوة المميتة لاستهداف أشخاص مختارين بشكل فردى انتقائى بقتلهم مع توافر السلوك المعنوى بانصراف النية والوعى إلى ارتكاب هذا الاستهداف المميت بغض النظر عما إذا كان ذلك الاستهدف المميت قد يصيب الأبرياء غير المستهدفين من عدمه .”
ويذكر ” وقضت المحكمة العليا الإسرائيلية فى 14 ديسمبر 2006 بمشروعية القتل المستهدف التى تقوم بها قوات الاحتلال فى في الأراضي الفلسطينية بركيزة الدفاع عن النفس من الإرهابيين بصفتهم مدنيين، وهم يفتقرون إلى وضع المقاتل بموجب القانون الدولى بحسبانهم في نظر المحكمة، مدنيين يشاركون بشكل مباشر في الأعمال العدائية، يفقدون بها حصانتهم , حيث تكون الاغتيالات مشروعة متى توافرت معلومات قوية ومقنعة بخصوص هوية الهدف للحد من الإرهاب حسب تعبير المحكمة .”
إسرائيل أول دولة فى العالم تطبق سياسة الاغتيالات بالقتل المستهدف في عام 2000
ويذكر ” إسرائيل أول دولة فى العالم تعترف بسياسة القتل المستهدف في عام 2000– كما جاء فى كتاب نيلز ميلزر لعام 2008 بعنوان “القتل المستهدف في القانون الدولي” – بركيزة أنها سياسة الإحباط المستهدف للإرهاب من قبل الحكومة الإسرائيلية وبدأ استخدامه بشكل علني خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية في عام 2000 , حيث تم استخدام المروحيات والطائرات الحربية والأفخاخ المتفجرة الإسرائيلية ضد أشخاص في الأراضى التي زعمت إسرائيل أنهم إرهابيون. وبحلول عام 2007، تم اغتيال 210 من هؤلاء الأهداف , فضلاً عن 129 من المارة الأبرياء، حسبما أشارت منظمة بتسليم الإسرائيلية ذاتها التى تعمل فى مجال حقوق الإنسان ”
تاريخ إسرائيل حافل بالاغتيالات للفلسطينيين بالقتل المستهدف وبدايته عام 2000
ويشير ” لإسرائيل تاريخ حافل بالاغتيالات – القتل المستهدف – حيث كانت هناك إرهاصات قبل عام 2000 إذ قامت إسرائيل بعدة محاولات لاغتيال ياسر عرفات، الرئيس السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية.منها إسقاط طائرات ركاب كان على متنها ومحاولة غسل دماغ أسير فلسطيني لقتله. حتى قبل وفاته في فرنسا عام 2004 وكان عمره 75 عاما. وكان السبب المعلن لوفاته سكتة دماغية ناجمة عن اضطراب في الدم. وسرت شائعة أنه قد تم تسميمه من قبل إسرائيل.وفى عام 1996 اغتالت إسرائيل يحيى عياش صانع القنابل لحماس حينما رد على هاتف مفخخ انفجر، مما أدى إلى مقتله.والتاريخ يسجل أيضاً أنه عام 1997 قيام عملاء المخابرات الإسرائيلية بحقن السم في أذن خالد مشعل، رئيس الجناح السياسي لحركة حماس فى ذلك الوقت أثناء وجوده في عمان بالأردن. لولا تدخل ملك الأردن ذاته وتهديده المباشر بمحاكمة العملاء الإسرائيليين والتراجع عن اتفاق السلام ما لم يتم توفير الترياق وتم توفيره ونجا مشعل من الاغتيال بالسم .”
ويضيف ” على أن البداية الحقيقية بصورة كاملة لانتهاج إسرائيل سياسة الاغتيالات المتمثلة في القتل المستهدف كانت عام 2000 حيث أطلقت مروحيات إسرائيلية صواريخ على سيارة حسين عبيات – أحد كبار نشطاء فتح – في قريته بالضفة الغربية. توفى على أثرها عبيات واثنين من المارة الأبرياء , وفى عام 2002 أسقطت إسرائيل قنبلة على منزل صلاح شحادة في غزة القائد العسكرى لحركة المقاومة الفلسطينية حماس , وقتل وعائلته و12 من جيرانه أيضاً , وفى عام 2004 أجرت إسرائيل غارة جوية قتلت بمقتضاها عدنان الغول خبير الصواريخ في حركة المقاومة الفلسطينية كما قُتل مساعدًا له أثناء سفرهم بالسيارة في غزة.وغارة أخرى بمروحية إسرائيلية قتلت أحمد ياسين أحد مؤسسي الحركة في غزة. وبصواريخ أطلقتها مروحية إسرائيلية على سيارة عبد العزيز الرنتيسي أحد مؤسسي أردته قتياً على الفور , وفى عام 2009 قصفت إسرائيل غزة فى غارة جوية إسرائيلية لمقتل نزار ريان الزعيم السياسي لحركة حماس، وتسعة من أفراد عائلته ’ وفى عام 2012 غارة جوية إسرائيلية على سيارة أحمد الجعبري رئيس الجناح العسكري لحركة حماس في غزة أردته قتيلاً مع عشرة أشخاص آخرين.”