حوار شيرين نوار
أكد المهندس مصطفى الشربيني، عضو لجنة البحث العلمي بمجلس الوحدة الاقتصادية بجامعة الدول العربية، وعضو جمعية المهندسين الكهربائيين بجمعية المهندسين المصرية، أن الآونة الأخيرة شهدت طفرة كبيرة في إنتاج الهيدروجين الأخضر لمواكبة التطور العالمي في مجال إنتاج الطاقة النظيفة، وخفض الانبعاثات الكربونية الضارة للحفاظ على سلامة البيئة ومكافحة التغيرات المناخية.
وأشار الشربيني في حواره مع “عالم المال”، إلى أن الهيدروجين الأخضر يتميز بسهولة تخزينه، وبالتالي يمكن استخدامه في أغراض متعددة مثل إنتاج الكهرباء أو الغاز الصناعي المستخدم في الأغراض التجارية أو الصناعية، مؤكدًا أنه يمثل وقود المستقبل.
وإلى نص الحوار..
ما الهيدروجين الأخضر وكيف يتم الحصول عليه؟
الهيدروجين هو غاز خفيف عالي التفاعل، سريع الاشتعال، عديم اللون، ينتج من طرق متعددة، معظمها من الوقود الأحفوري، ويأخذ ألوانًا طبقًا لطرق إنتاجه، ويسمى بالهيدروجين الأخضر عندما تكون طريقة إنتاجه صديقة للبيئة، وهي أن يُنتج عن طريق التحليل الكهربائي للماء، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس لفصل الأكسجين عن الهيدروجين في الماء.
ما أشهر أنواع وطرق إنتاج الهيدروجين وما الفرق بينها؟
الهيدروجين الرمادي: ويتم استخدام الوقود الأحفوري لاستخلاص الهيدروجين من الغاز الطبيعي، حيث يتم إطلاق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الجو. وهذه العملية مضرة للبيئة وهي الأكثر شيوعًا في الوقت الحالي.
الهيدروجين الأزرق: وهو مشابه جدًا للهيدروجين الرمادي، ولكن يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون في باطن الأرض، وهذه العملية لها أضرار قليلة على البيئة، ولكنها أكثر فعالية من الهيدروجين الرمادي.
الهيدروجين الأخضر: وهو عملية إنتاج الهيدروجين من خلال التحليل الكهربائي للماء (electrolysis) والذي يتم باستخدام مصادر الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. وناتج الانبعاثات هو أكسجين نظيف يتم إطلاقه في الجو، وهذا ما تهدف إليه الدول بحلول عام 2030.
لماذا نحتاج إلى الهيدروجين الأخضر؟ وما أبرز استخداماته؟
هو مصدر للطاقة النظيفة التي ينبعث منها بخار الماء فقط ولا يترك أي بقايا في الهواء، على عكس الفحم والنفط، للهيدروجين علاقة طويلة الأمد بالصناعة. وقد تم استخدام هذا الغاز لتزويد السيارات والمناطيد وسفن الفضاء بالوقود منذ بداية القرن التاسع عشر، يمكن استخدامه في قطاع النقل والأنشطة المنزلية مثل التدفئة، والعديد من الصناعات كالغاز الطبيعي أو إنتاج الأمونيا الخضراء، والشاحنات الكهربائية التي تعمل بخلايا الوقود الهيدروجينية.
ما أبرز دول العالم في إنتاج الهيدروجين؟
الصين، الولايات المتحدة، روسيا، النرويج، كوريا الجنوبية، السعودية، الهند، البرتغال، أستراليا، اليابان.
ما متوسط سعر الهيدروجين الأخضر عالميًا؟
تبلغ تكلفة الهيدروجين الأخضر اليوم حوالي 4-5 دولارات للكيلوجرام في مواقع جيدة، وقد تصل إلى 10 دولارات للكيلوجرام في بعض المناطق، أي ضعفين إلى ثلاثة أو حتى خمسة أضعاف في بعض الأحيان مقارنة بإنتاج الهيدروجين الرمادي أو الأزرق – المنتج من الغاز الطبيعي، مع دعم احتجاز الكربون وتخزينه. ومع تطور وانتشار التكنولوجيا، فإن تكلفة إنتاجه ستأخذ في النزول.
ما مزايا وعيوب الهيدروجين الأخضر والتحديات التي تواجه إنتاجه؟
المميزات أنه مستدام بنسبة 100% ولا تنبعث منه غازات ملوثة، وسهل تخزينه، ومتعدد الاستخدامات إذ يمكن تحويله إلى كهرباء أو غاز صناعي واستخدامه في الأغراض التجارية أو الصناعية أو التنقل.
أما العيوب والتحديات التكلفة العالية، استهلاكه العالي للطاقة، كذلك قضايا السلامة إذ أن الهيدروجين عنصر شديد التطاير وقابل للاشتعال، ولذلك يلزم اتخاذ تدابير سلامة واسعة النطاق لمنع التسرب والانفجارات.
ما مبادرات ومشروعات الهيدروجين الأخضر التي تتبناها الحكومة المصرية؟
تُعَد الاتفاقيات التي أتمتها مصر مع كيانات وحكومات الإمارات والهند وألمانيا والنرويج والمملكة العربية السعودية وغيرها من الدول دليلًا على مدى جدية الدولة المصرية في المغامرة بسوق الهيدروجين الأخضر وحجز حصة كبيرة منها في أسرع وقت ممكن قبل أن تتشبَّع في المستقبل.
إن إطلاق مشروع شركة “رينيو باور” يُعَد إحدى الخطوات الواعدة من بين خطوات أخرى كثيرة اتخذتها مصر لتنويع سلة مصادر الطاقة المتجددة المنتجة؛ حيث وقَّعت الشركة الهندية اتفاقيتها مع كيانات مصرية كبرى، بما في ذلك صندوق مصر السيادي المصري، بالإضافة إلى العديد من الهيئات والجهات الحكومية المصرية، خاصة تلك المرتبطة بإمدادات الكهرباء وإدارتها، وأيضًا المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.
وبموجب هذه الصفقة، تُعَد شركة “رينيو باور” مؤهلة لبناء محطات ومجمَّعات الهيدروجين الأخضر، وتقع منشآتها على البحر الأحمر في مدينة العين السخنة بمحافظة السويس.
تجدر الإشارة إلى أن مصنع الهيدروجين الأخضر الذي أُنشِئ في العين السخنة يمر بعدة مراحل؛ حيث تضم مرحلته الأولى إنشاء منشأة يمكنها إنتاج الأمونيا الخضراء بمعدل سنوي يصل إلى 100 ألف طن. بالإضافة إلى ذلك، سيكون للمصنع حصة ضخمة من إنتاج الهيدروجين الأخضر بين عامي 2023 و2025؛ إذ من المتوقع أن تصل إلى 20 ألف طن.
ومن ناحية أخرى، من المتوقع أن تُنفَّذ المرحلة الثانية بين عامي 2025 و2029. ومن المخطط أن يصل الإنتاج في هذه المرحلة إلى مستوى جديد يقدر بـ 200 ألف طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا. ومن المتوقع أيضًا أن يصل المعدل السنوي لإنتاج الأمونيا الخضراء إلى مليون طن بتكلفة تقديرية 7.147 مليارات دولار.
يأتي ذلك بالإضافة إلى مشروعَي الإنتاج المشترك للأمونيا الخضراء بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، باستثمارات 6 مليارات دولار، وفي دمياط باستثمارات 870 مليون دولار. تشمل استثمارات شركة سكاتك النرويجية في مصر أيضًا مشروع طاقة الرياح بقدرة 5 غيغاواط، باستثمارات 5.6 مليار دولار على عدة مراحل خلال السنوات المقبلة، ومشروع الإنتاج المشترك للميثانول الأخضر في دمياط، باستثمارات 450 مليون دولار.
ما هرؤية الحكومة لمستقبل مشروعات الهيدروجين الأخضر في مصر؟
عدد المشروعات المعلنة أو المخطط تنفيذها وفقًا لتصريح وزارة الاستثمار حتى أبريل 2024 بلغ 33 مشروعًا باستثمارات متوقعة تقدر بـ 215 مليار دولار. تستهدف حكومة الدكتور مصطفى مدبولي أن تصبح مصر مركزًا عالميًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر بحلول عام 2030 (لإنتاج 3.2 ملايين طن سنويًا، وفق السيناريو الأخضر، ترتفع إلى 9.2 ملايين طن بحلول عام 2040).
يأتي ذلك ضمن رؤية متكاملة في البرنامج الحكومي الذي يمتد لمدة 3 سنوات (2024-2027) لزيادة مساحة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي، حيث تولي الحكومة اهتمامًا كبيرًا بزيادة مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي من خلال زيادة نسبة الاستثمارات الخضراء وتحفيز عدد من المشروعات الخضراء، من بينها الهيدروجين الأخضر، فضلاً عن تبني سياسات لرفع كفاءة جمع المخلفات الصلبة.