
“السل البقري” مرض مشترك يهدد الإنسان والثروة الحيوانية (حوار)
حازم رمضان أستاذ الأمراض المشتركة بجامعة المنصورة:
– “الأمراض وأسعار الأعلاف ونقص الموارد المائية” تحديات تعوق تطوير الثروة الحيوانية في مصر
– العدوى تنتقل بالحليب غير المبستر واللحوم المصابة
– اللقاح لا يوفر الحماية الكاملة ويقتصر توفيره على بعض الدول والمناطق
– الاستثمار في صناعة الأعلاف سيسهم في تقليل الفاتورة الاستيرادية
تعد الثروة الحيوانية من القطاعات الاقتصادية المهمة التي تسهم بشكل كبير في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل، وهي من الركائز الأساسية للاقتصاد الزراعي المصري، حيث تسهم في توفير مصادر غذائية متنوعة ، وتعزيز الإنتاج الزراعي وخلق فرص عمل وتحقيق الأمن الغذائي.
ويقول الدكتور حازم رمضان، أستاذ الأمراض المشتركة بكلية الطب البيطري، بجامعة المنصورة، في حوار لجريدة “عالم المال” إن القطاع الحيواني في مصر يواجه العديد من التحديات التي تعوق تطويره وزيادة إنتاجيته، ومن أهم التحديات التي تواجه الثروة الحيوانية انتشار الأوبئة والأمراض، والندرة في الأعلاف وتكلفتها العالية.
وإلى نص الحوار..
– في البداية.. كيف تتم تنمية الثروة الحيوانية في مصر؟
تنمية الثروة الحيوانية في مصر تتم من خلال مجموعة من السياسات والممارسات التي تهدف إلى تحسين الإنتاجية وزيادة أعداد الحيوانات وتطوير أساليب الرعاية والوقاية، ويتم ذلك من خلال عدة محاور تشمل تحسين سلالات الحيوانات من خلال استيراد السلالات عالية الإنتاجية والتزاوج الانتقائي للسلالات المحلية مع السلالات عالية الإنتاجية، وتطوير الرعاية البيطرية من خلال إجراء تحصينات دورية للوقاية من الأمراض مثل الحمى القلاعية، وتحسين تغذية الحيوانات والعمل على التوسع في الإنتاج المحلي بزيادة مشروعات المزارع المتكاملة ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
بالإضافة إلى تحسين نظم التسويق وتطوير مراكز لتجميع وبيع منتجات الثروة الحيوانية لتسهيل الوصول إلى الأسواق المحلية والدولية، وأيضًا فتح أسواق جديدة، بالإضافة إلى ذلك، العمل على زيادة التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص في مشروعات تطوير وتوسيع تربية الثروة الحيوانية، وكذلك في مصانع الأعلاف والمجازر.
– ما التحديات التي تواجه الثروة الحيوانية.. وكيف يتم مواجهتها؟
القطاع الحيواني في مصر يواجه العديد من التحديات التي تعوق تطويره وزيادة إنتاجيته، ومن أهم التحديات التي تواجه الثروة الحيوانية انتشار الأوبئة والأمراض، والندرة في الأعلاف وتكلفتها العالية، والزحف العمراني وتقلص الأراضي الزراعية، ونقص الموارد المائية، وقلة التدريب والإرشاد للمربين، ومشاكل التسويق والتوزيع، والاعتماد على الاستيراد.
وتعكف الدولة حاليًا على وضع استراتيجيات متعددة لمواجهة هذه التحديات وتحقيق التنمية المستدامة للثروة الحيوانية، ومنها توسيع حملات التحصين ضد الأمراض الوبائية، وتنفيذ برامج وقائية دورية، وتعزيز نظم مراقبة الأمراض الحيوانية باستخدام التكنولوجيا الحديثة، وإنشاء مختبرات بيطرية لتشخيص الأمراض.
كما تعمل على تشجيع زراعة محاصيل الأعلاف محليًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتشجيع استخدام المخلفات الزراعية كمصادر للأعلاف، والبحث عن بدائل غذائية جديدة وغير مكلفة للحيوانات، بالإضافة إلى تحسين إدارة الموارد المائية لمواجهة النقص في الموارد المائية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد من خلال تعزيز الإنتاج المحلي عن طريق زيادة دعم المشاريع الزراعية وتوفير الحوافز للمربين لتشجيعهم على زيادة الإنتاج المحلي، وتقديم الدعم الفني والمالي للمربين لزيادة عدد الحيوانات المنتجة، وكذلك تحسين الإنتاجية من اللحوم والألبان.
– وماذا عن أهمية الثروة الحيوانية في الإنتاج الزراعي.. وكيف تسهم في الناتج القومي الإجمالي؟
تعد الثروة الحيوانية من الركائز الأساسية للاقتصاد الزراعي المصري، حيث تسهم في توفير مصادر غذائية متنوعة، وتعزيز الإنتاج الزراعي، وخلق فرص عمل، وتحقيق الأمن الغذائي، والاستثمار في تطوير هذا القطاع من خلال تحسين الإنتاجية ورعاية الحيوان له دور كبير في تعزيز الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلي الإجمالي، وتُشير بعض الدراسات إلى أن الثروة الحيوانية تشكل حوالي 25-30% من إجمالي الناتج الزراعي في مصر، وهو ما يعكس أهميتها البالغة، كما تساهم الثروة الحيوانية بنحو 5-6% من الناتج القومي الإجمالي، مما يجعلها من القطاعات الاستراتيجية في الاقتصاد الوطني.

– وهل تستطيع مصر تحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية وتقليل الاستيراد؟
مصر تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الثروة الحيوانية وتقليل الاستيراد، ولكن هناك إمكانيات وسبل يمكن أن تساهم في ذلك، ويتطلب تحقيق الاكتفاء الذاتي تحسين الإنتاج المحلي من اللحوم والألبان، وكذلك زيادة الكفاءة في إدارة الثروة الحيوانية، ويتم ذلك من خلال تحسين الإنتاجية المحلية من خلال تطوير السلالات الحيوانية المحلية وتحسينها وراثيًا لزيادة الإنتاجية، واستخدام تقنيات حديثة في تربية الماشية، والاهتمام بالرعاية الصحية والوقاية من الأمراض، بالإضافة إلى ذلك، فإن الاستثمار في صناعة الأعلاف والاعتماد على المحاصيل المحلية مثل الذرة وفول الصويا لتصنيع الأعلاف سيسهم بشكل كبير في تقليل الفاتورة الاستيرادية لمصر من الأعلاف.
– هل من الممكن أن تتأثر الثروة الحيوانية في مصر بالأحداث والتوترات الجيوسياسية؟
نعم، من الممكن أن تتأثر الثروة الحيوانية في مصر بالأحداث والتوترات الجيوسياسية، حيث إن هذا القطاع يعتمد بشكل كبير على عدة عوامل مرتبطة بالاستقرار الإقليمي والدولي، وقد تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى اضطراب الاقتصاد المحلي وزيادة التضخم، مما يزيد من تكلفة المواد الخام التي تحتاجها صناعة الثروة الحيوانية، وبالنسبة للتهديدات الصحية والتجارة عبر الحدود، فقد تؤدي التوترات الجيوسياسية إلى تقييد أو تأخير عمليات الحجر الصحي أو الرقابة على المنتجات الحيوانية المستوردة، مما قد يسمح بدخول أمراض حيوانية من دول أخرى تؤثر على صحة الثروة الحيوانية المحلية، مما يعرضها لخطر كبير.
بالإضافة إلى ذلك، نجد أن حدوث الصراعات أو أزمات صحية في الدول المجاورة أو دول الإنتاج الرئيسية قد يؤدي إلى توقف النقل أو زيادة الصعوبة في استيراد الحيوانات والمنتجات الحيوانية.
أيضًا بالنسبة لتأثيرات التغيرات المناخية، نجد أن التوترات الجيوسياسية قد تؤدي إلى تقليل التعاون بين الدول في مواجهة آثار التغير المناخي، مما يزيد من ضغوط نقص المياه أو الموارد الطبيعية الأخرى التي يعتمد عليها قطاع الثروة الحيوانية.
– ما هو مرض السل في الحيوانات.. وتأثيره على الماشية؟
مرض السل في الحيوانات (Bovine Tuberculosis) هو مرض معدٍ يسببه نوع من البكتيريا يُدعى Mycobacterium bovis (أو في بعض الحالات Mycobacterium tuberculosis)، وينتقل بشكل رئيسي عبر الهواء من خلال التنفس أو ملامسة الحيوانات المصابة، قد يصيب هذا المرض العديد من الحيوانات، ومنها الأبقار، بالإضافة إلى أنه مرض مشترك يؤثر على الصحة العامة، حيث ينتقل إلى الإنسان من خلال استهلاك منتجات حيوانية ملوثة مثل الحليب غير المبستر أو الاتصال المباشر مع الحيوانات المصابة.
وتعد بكتيريا Mycobacterium bovis هي المسبب الرئيسي للعدوى في الحيوانات، والتي تنتقل من حيوان إلى آخر عبر الرذاذ التنفسي أو عبر الاتصال المباشر مع إفرازات الحيوانات المصابة، ومن العوامل التي تساعد على انتشار المرض هي ازدحام الحيوانات في أماكن غير نظيفة، وضعف النظام المناعي، ونقص التغذية.
ويؤثر مرض السل بشكل كبير على إنتاجية الماشية، سواء من حيث إنتاج الحليب أو اللحوم، حيث تنخفض إنتاجية الحليب بشكل كبير بسبب المرض، كما تتأثر جودة اللحوم، وتزداد المخاطر الصحية في المزرعة لسهولة انتقال المرض بين الحيوانات في الظروف غير الصحية أو عندما تكون الحيوانات قريبة من بعضها البعض، مما يؤدي إلى خسائر اقتصادية كنتيجة لانخفاض الإنتاجية وارتفاع التكاليف المرتبطة بمكافحة المرض.
– وما التحديات التي تواجهنا للسيطرة على مرض السل.. وهل يوجد لقاح لهذا المرض؟
التحكم في مرض السل في الحيوانات يتطلب مواجهة العديد من التحديات التي قد تعيق جهود السيطرة عليه، خاصة في الدول ذات القطاعات الزراعية الكبيرة، ومن أبرز التحديات التي قد تواجهنا في السيطرة على مرض السل في الماشية هي صعوبة التشخيص المبكر للمرض بين الحيوانات، والانتقال السهل بين الحيوانات، خاصة في المزارع التي تحتوي على أعداد كبيرة من الحيوانات مع ضعف التهوية، بالإضافة إلى أن تطبيق الرقابة البيطرية على مستوى المزارع قد يكون ضعيفًا في بعض الأحيان، مما يسمح للمرض بالانتشار دون رقابة أو متابعة. أيضًا، صعوبة تتبع السلسلة الوبائية، حيث إنه في بعض الأحيان يصعب تتبع مصدر العدوى بدقة، مما يزيد من صعوبة إدارة المرض ومنع انتشاره، بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف البرامج التوعوية للمزارعين حول كيفية الوقاية من مرض السل، وأهمية الفحص المبكر، والعزل، والتعامل السليم مع الحيوانات المصابة، قد يكون أحد التحديات التي تواجه القطاع البيطري في مواجهة مرض السل في الحيوانات.
وعلى الرغم من وجود لقاح ضد مرض السل في الحيوانات، إلا أن استخدامه يقتصر على بعض الدول والمناطق، وذلك لأن اللقاح لا يوفر الحماية الكاملة ضد الإصابة بالمرض، كما أنه يتداخل مع الاختبار الجلدي للكشف عن السل في الحيوانات.
وبناءً عليه، من المهم اتخاذ التدابير الوقائية وتطبيق الأمان الحيوي في المزارع للحد من انتشار مرض السل في الحيوانات، ومنها تقليل الاكتظاظ، وتحسين التهوية والنظافة في أماكن تربية الحيوانات، والتحكم في حركة الحيوانات، والحد من نقل الحيوانات بين المناطق دون فحص مسبق، بالإضافة إلى إجراء الفحوصات الدورية للكشف عن مرض السل في الحيوانات.