
رفع أسعار الوقود.. كيف يؤثر على الأسواق؟
قررت لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية المعنية بمراجعة وتحديد أسعار بيع المنتجات البترولية، رفع أسعار البنزين والسولار في مصر، في اجتماعها الأول للعام الجاري 2025، بعد تأجيل جلسة اللجنة لمدة 6 أشهر منذ أكتوبر الماضي.
وتضمن القرار زيادة أسعار البنزين والسولار، حيث بلغ سعر بنزين 95 – 19.25 جنيه / لتر، وبنزين 92 – 17.5 جنيه / لتر، وبنزين 80 – 15.75 جنيه / لتر، والسولار والكيروسين 15.25 جنيه / لتر.
كما بلغ سعر المازوت المورد لباقي الصناعات 10500 جنيه / طن، وأسطوانة البوتاجاز المنزلي 12.5 كجم 200 جنيه، وأسطوانة البوتاجاز 400 جنيه، وطن الغاز الصب 16000 جنيه، والغاز المورد لقمائن الطوب 210 جنيهات للمليون وحدة حرارية.
كما قررت اللجنة تثبيت سعر المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية وغاز تموين السيارات.
ويأتي قرار رفع أسعار البنزين والسولار في اتجاه برنامج الحكومة لهيكلة أسعار المواد البترولية حتى نهاية العام الجاري، مع استمرار تقديم دعم جزئي لمنتجات محددة، أبرزها السولار وأسطوانات غاز الطهي.
عالم المال خلال السطور التالية ترصد آراء الخبراء والمتخصصين لمعرفة تداعيات وتأثير هذا القرار على الأسواق وخاصة على مصير الفائدة فى اجتماع المركزي المقبل وكذلك قطاع الدواجن والأسواق الزراعية بما فيها الخضروات والفاكهة وكذلك سعر رغيف الخبز المدعم والسياحي.
اتجاه لتثبيت الفائدة.. ونافذة صغيرة للخفض
بدوره، أكد الدكتور مجدي عبد الفتاح، مدير قطاع الاستثمار ببنك الكويت الوطني سابقًا، أن زيادة أسعار البنزين والسولار ستسهم في زيادة معدلات التضخم ومن ثم ارتفاع الأسعار بالأسواق، مما يؤثر سلبًا على المواطنين، حيث يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المنتجات بجميع أنواعها.
وعلى مستوى أسعار السلع، أوضح أن ارتفاع أسعار المحروقات بنسبة 15%، والتي تشمل الوقود المستخدم في التصنيع والنقل والتوزيع، سيؤدي إلى مضاعفة أسعار السلع تقريبًا، مضيفًا أن هذه الزيادة في التكاليف ستنتقل حتمًا إلى المستهلك النهائي، وهو نتيجة مباشرة لزيادة تكاليف الإنتاج.
وتوقع أن يتجه المركزي إلى تثبيت أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية في 17 أبريل، رغم إعلان البنك المركزي المصري تراجع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 9.4% خلال شهر مارس 2025، مقابل 10% في فبراير الماضي.
وأضاف عبد الفتاح أن رفع أسعار الوقود معلن من قبل الحكومة وذلك ضمن خطة التعاون بين مصر وصندوق النقد الدولي، حيث ألزم صندوق النقد الدولي خفض الدعم كجزء من برنامج قرض مصر البالغ 8 مليارات دولار، والذي يتطلب تحريرًا تدريجيًا للأسعار بحلول نهاية عام 2025.
وقال الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، إنه من المرجح أن تشهد قراءات التضخم خلال الشهرين القادمين ارتفاعات طفيفة إضافية، مدفوعة جزئيًا برفع أسعار البنزين والسولار، إلى جانب عدد من منتجات الطاقة الأخرى.
وأوضح أنيس أنه على الرغم من تسجيل التضخم لارتفاع طفيف في شهر مارس بنسبة 1% مقارنة بشهر فبراير، الذي شهد تراجعًا ملحوظًا في معدلات التضخم بنحو 12 نقطة مئوية (من 24% إلى 12%)، فإن هذا الارتفاع يظل محدودًا نسبيًا.
وتابع أنه بالرغم من ذلك، فإن معدلات التضخم تدور حاليًا حول مستوى 13%، والتي تظل أقل بكثير من سعر الفائدة الأساسي البالغ 28%، ما يخلق فجوة إيجابية تمنح البنك المركزي هامشًا لخفض أسعار الفائدة، حتى إذا ارتفع التضخم إلى مستويات تتراوح بين 15% و16%.
وأشار إلى أن هذا الهامش يمنح لجنة السياسة النقدية إمكانية اتخاذ قرارات تيسيرية دون الإخلال بالاستقرار المالي، بشرط عدم تعرض السوق لاضطرابات مفاجئة، خاصة فيما يتعلق بتدفقات النقد الأجنبي المرتبطة بسوق السندات، وبناءً عليه، فإن البنك المركزي لا يزال أمامه نافذة مناسبة لاتخاذ قرار بخفض أسعار الفائدة خلال اجتماعيه القادمين في 17 أبريل و22 مايو، ما لم تطرأ متغيرات خارجية تضغط على هذه المعادلة، سواء من ناحية مبيعات السندات أو تطورات أخرى قد تؤثر على سوق الصرف والتدفقات الدولارية.
وكان المركزي قد أوضح أن معدل التغير الشهري في الرقم القياسي الأساسي لأسعار المستهلكين، الذي يعده البنك المركزي المصري، سجل 0.9% في مارس 2025 مقابل 1.4% في مارس 2024 و1.6% في فبراير 2025.
وسجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه اليوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 1.6% في مارس 2025 مقابل 1.0% في مارس 2024 و1.4% في فبراير 2025.
ونوه البنك المركزي المصري بأنه على أساس سنوي، سجل معدل التضخم العام للحضر 13.6% في مارس 2025 مقابل 12.8% في فبراير 2025.
ارتفاع فوري في أسعار الدواجن.. والتأثير الأكبر لاحقًا
وبين أكثر القطاعات تأثرًا، برز قطاع الدواجن كواحد من الضحايا الصامتين، حيث بدأت تكلفة الإنتاج تتصاعد، ومعها أسعار الدجاج والبيض، في ظل تحديات تواجه المربين والمستهلكين على حد سواء.
ومن المتوقع أن يؤدي قرار رفع أسعار البنزين والسولار إلى موجة جديدة من الزيادات في تكاليف النقل والإنتاج في مختلف القطاعات، وسيكون لقطاع الدواجن نصيب كبير من هذه التداعيات، فالمزارع تعتمد بشكل أساسي على شحن الأعلاف من الموانئ والمصانع إلى أماكن التربية، وهي عملية تعتمد كليًا على وسائل نقل تستهلك كميات كبيرة من الوقود.
وأوضح عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بغرفة القاهرة التجارية، أن زيادة أسعار المحروقات ستكون لها تأثير واسع على عدد من السلع التي تعتمد على السولار في مراحل الإنتاج المختلفة.
وأشار إلى أن مصانع الأعلاف، التي تعتمد على “غلايات” تستهلك كميات كبيرة من السولار، ستتأثر بشكل مباشر، موضحًا أن الزيادة بنسبة 15% في سعر السولار قد تنعكس بزيادة مماثلة في أسعار الأعلاف، إن لم تكن أكبر.
وفيما يخص سوق الدواجن، توقع السيد حدوث ارتفاع في الأسعار خلال الأيام المقبلة نتيجة زيادة تكاليف النقل، مؤكدًا أن التأثير الأكبر سيظهر لاحقًا، حيث سترتفع تكلفة إنتاج الدورات الجديدة بشكل كبير بسبب الزيادة المتوقعة في أسعار الأعلاف.
الأسمدة والنقل يرفعان كلفة الزراعة.. وارتفاع المحاصيل ينقذ الفلاح
ويترقب العاملون في الأسواق الزراعية تأثيرات قرار الحكومة برفع أسعار الوقود بنسب بلغت 15%، وسط مخاوف من تداعياته المحتملة على أسعار المنتجات الغذائية، حيث إن ارتفاع أسعار المحروقات له تأثير مباشر وكبير على صناعة الأسمدة والمزارعين، سواء من الناحية الاقتصادية أو الإنتاجية.
وقال المهندس محمد وحش، المدير التنفيذي لشركة الهدى للتعدين والتنمية الزراعية، إن ارتفاع أسعار المحروقات والغاز يؤثر بشكل كبير على صناعة الأسمدة، خصوصًا الأسمدة النيتروجينية (مثل اليوريا)، التي تعتمد بشكل مباشر على الغاز الطبيعي كمادة خام ومصدر للطاقة.
وأضاف أن صناعة الأسمدة تعتمد اعتمادًا كليًا على الطاقة من تشغيل خطوط الإنتاج والمعدات والنقل، سواء نقل الخامات إلى المصانع أو نقل المنتج النهائي وحركة المعدات الثقيلة داخل المصنع لإتمام عملية التصنيع.
وأوضح أن ارتفاع أسعار الوقود يزيد من تكلفة إنتاج الأسمدة، حيث إن نقل المواد الخام إلى المصانع ثم نقل المنتج النهائي إلى الأسواق يحتاج إلى وقود، وارتفاع أسعار النقل يؤدي إلى زيادة سعر الأسمدة على المستهلك النهائي.
وعن تأثير ارتفاع أسعار المحروقات على المزارعين، أكد أن السولار يُعد عنصرًا أساسيًا في مختلف مراحل الزراعة، من الري والرش وصولًا إلى النقل والحصاد، وعليه فإن هذه الزيادة في التكلفة ستنعكس سلبًا على الفلاحين الذين يعانون بالفعل من ارتفاع أسعار المبيدات والأسمدة، لافتًا إلى أن المزارع يضطر لدفع المزيد مقابل الأسمدة، ما يزيد تكاليف الزراعة بشكل عام.
واستطرد قائلًا إن ارتفاع أسعار الوقود يعني أن الزراعة أصبحت أكثر كُلفة، وفي حال لم ترتفع أسعار بيع المحاصيل بشكل متوازن، فإن المزارع قد لا يغطي مصاريفه، كما توقع أن تشهد الفترة المقبلة زيادة في أسعار الخضروات والفاكهة، نتيجة استمرار ارتفاع أسعار الوقود، موضحًا أن التأثير سيظهر على محاصيل الفترة القادمة وليست الموجودة حاليًا في الأسواق.
الخضراوات على أبواب موجة غلاء جديدة
مع دخول قرار زيادة أسعار الوقود حيز التنفيذ، بدأت المخاوف تتصاعد بشأن تأثيراتها المتوقعة على أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها الخضراوات، إذ يعتمد قطاع الزراعة بشكل كبير على السولار، سواء في تشغيل ماكينات الري أو في عمليات النقل من المزارع إلى الأسواق.
ووفقًا لتقديرات عدد من التجار والمزارعين، فإن تكاليف النقل تمثل نسبة لا يُستهان بها من تكلفة الخضراوات، وبالتالي فإن أي زيادة في سعر السولار تؤدي إلى ارتفاع تلقائي في الأسعار النهائية للمستهلك.
وستظهر بوادر هذه الزيادة تدريجيًا في بعض الأسواق خلال الفترة المقبلة، خصوصًا في الخضراوات ذات الطابع الموسمي أو التي تُنقل من محافظات بعيدة.
كما أشار خبراء إلى أن هناك سلسلة من التأثيرات غير المباشرة أيضًا، أبرزها ارتفاع أسعار الأسمدة، التي تعتمد مصانعها على الغاز والسولار في الإنتاج، ما قد يؤدي إلى زيادة في تكاليف الزراعة نفسها على المدى القريب.
ويحذر مراقبون من استغلال بعض التجار للوضع في رفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، ما يفرض ضرورة الرقابة الصارمة على الأسواق، لضمان عدم تحميل المواطن زيادات غير مبررة تفوق نسبة الزيادة الحقيقية في التكلفة.
يقول حاتم النجيب، نائب رئيس شعبة الخضراوات بغرفة القاهرة التجارية، إن ارتفاع سعر السولار والبنزين، سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لافتًا إلى أن شاحنات نقل الخضار والفاكهة تعتمد على السولار، وبالتالي سترتفع تعريفة نقل البضائع.
وأشار النجيب إلى أن أكثر من 90% من الآلات والمعدات الزراعية التي تستخدم في عمليات زراعة وحصاد الخضر والفاكهة تعتمد على السولار في عملها، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية، حيث تتوزع الزيادة على الشاحنة كاملة، وهو ما يجعل التكلفة أقل.
وتابع أن الأسواق تتأثر أيضًا بعوامل أخرى مثل العرض والطلب، وهو ما يشغل بال المستهلكين، فأي نقص في السلعة يعرضها للارتفاع.
ولفت إلى أن هناك وفرة في المعروض من الخضر والفاكهة، نتيجة لزيادة الإنتاج، ولم تتأثر أسواق الجملة، ووارد الأسواق منتظم، خاصة من المنتجات كالبطيخ والكانتلوب والكوسة والخيار وغيرها.
الخبز المدعم ثابت.. والسياحي مرتبط بزيادة أنابيب الغاز
قال ناصر ثابت، وكيل وزارة التموين بالقاهرة، إن زيادة سعر البنزين خلال الساعات الأخيرة جاء نتيجة لوجود فجوة بين تكلفة الإنتاج وكذلك سعر بيع المنتجات البترولية نظرًا لوجود زيادة كبيرة في التكاليف لم تنجح زيادة البنزين الأخيرة منذ 6 أشهر في تغطيتها.
وأشار إلى أن الحكومة تقوم باستيراد حوالي 40% من استهلاكها للسولار، في حين أنها تقوم باستيراد حوالي 50% من استهلاك البوتاجاز، بالإضافة إلى وجود دعم ضخم تتحمله الحكومة لدعم المواطن، وذلك بسبب الفجوة المتواجدة بالفعل بين الأسعار التي تم الإعلان عنها والتكلفة الفعلية للمنتجات البترولية.
بينما قال محمد عبد الجواد، السكرتير العام للشعبة العامة للمخابز في الاتحاد العام للغرف التجارية، إن رغيف الخبز البلدي المدعم الحامل للبطاقة التموينية لن يشهد أي زيادة في سعره، حيث سيظل ثابتًا عند 20 قرشًا للرغيف.
وأوضح عبد الجواد أن هيئة السلع التموينية التابعة لوزارة التموين والتجارة الداخلية هي الجهة المسؤولة عن تحمل فروق أسعار الوقود، مما يضمن استقرار سعر الخبز للمواطنين.
وفيما يتعلق بالخبز السياحي، أشار إلى أن أسعاره مرتبطة بتكاليف أنابيب الغاز، التي ارتفعت أسعارها ضمن القرار، ومن المتوقع أن يتم تحريك سعر الخبز السياحي أيضًا بنسبة تصل إلى 10%.
وبدوره، أكد الدكتور شريف فاروق، وزير التموين والتجارة الداخلية، ثبات سعر رغيف الخبز البلدي المدعم والمُسعر على البطاقات التموينية بسعر 20 قرشًا للرغيف.
وأشار فاروق إلى أن وزارة التموين والتجارة الداخلية تضع في اعتبارها جميع عناصر التكلفة ومدخلات الإنتاج الخاصة بتصنيع رغيف الخبز البلدي المدعم، ومن ضمنها سعر السولار، وذلك في ضوء الأسعار الجديدة للمنتجات البترولية.
وأكد فاروق على أن المواطن يحصل على الخبز البلدي المدعم من خلال بطاقة التموين بسعر 20 قرش، واستمرار تحمل الدولة لفرق تكلفة الإنتاج وسدادها لأصحاب المخابز.
ويأتي ذلك في إطار حرص وزارة التموين والتجارة الداخلية على توفير الخبز البلدي المدعم على بطاقات التموين وصرفه للمواطنين بشكل منتظم.