
مفكر مصري: الإدعاء الأمريكي تحريف للتاريخ
أمريكا لم تشارك سياسيًا أو اقتصاديًا أو هندسياً في مشروع قناة السويس (لم تكن قوة بحرية عالمية كبرى في منتصف القرن التاسع عشر)
القانون الدولي في خطر– هل يشرّع ترامب للفوضى العالمية؟
في تحدٍّ سافر للسيادة المصرية وخرق فاضح للقانون الدولي، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عاصفة سياسية دولية جديدة بتصريح فج طالب فيه بعبور السفن الأمريكية التجارية والعسكرية مجّانًا عبر الممر المائي المصري – قناة السويس – ضارباً بالقانون الدولى عرض الحائط , متجاهلًا أن هذا الشريان الحيوي يقع تحت السيادة الكاملة لمصر. تصريحٌ يعكس ذهنية استعمارية قديمة، ويكشف عن عقلية ترى في ثروات العالم وممراته الاستراتيجية حقًا مكتسبًا لواشنطن دون حسيب أو رقيب! مما أثار حالة من الاستياء الدولي والعربي بما يمس سيادة الدول على ممراتها المائية
ونعرض للجزء الأول من دراسة المفكر والمؤرخ القضائى المصرى المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية فى الشأن العام بعنوان ” ترامب يتحدى القانون الدولى بالدعوة المجانية لسيادة الممر المائى المصرى قناة السويس ” وقد راعى الفقيه المصرى أن عالم اليوم يقوم على التعايش والتعاون، ويشكّل احترام القانون الدولي والأعراف المتفق عليها بين الدول أساسًا لحفظ الأمن والاستقرار مما تعد معه الدعوة المجانية تجاوزًا خطيرًا ليس فقط على سيادة الدولة المصرية، بل على قواعد القانون الدولي التي تنظم حركة الملاحة وحقوق الدول.
الإدعاء الأمريكي تحريف للتاريخ أمريكا لم تشارك سياسيًا أو اقتصاديًا أو هندسياً في مشروع قناة السويس (لم تكن قوة بحرية عالمية كبرى في منتصف القرن التاسع عشر)
يقول الدكتور محمد خفاجى ” إن تصريح الرئيس الأمريكى ترامب بأن أمريكا ساهمت فى بناء قناة السويس لا يستند إلى أي أساس تاريخي أو قانوني , قناة السويس مشروع مصري – فرنسي في الأصل، تم بناؤه بدماء وأرواح المصريين، ولم يكن للولايات المتحدة أي دور فيه. ويعد الإدعاء الأمريكي هو تحريف للتاريخ، وتدخلًا غير مشروع في قضية سيادية خالصة.
ويضيف ” ويجب عرض الحقائق التاريخية حول إنشاء قناة السويس عن المنشأ الفعلي للمشروع , إذ تم حفر قناة السويس بين عامي 1859 و1869، بموجب امتياز من الخديوي سعيد لشركة فرنسية بقيادة المهندس فرديناند ديليسبس. وكانت فرنسا الدولة الرائدة في تمويل المشروع، في حين لم يكن للولايات المتحدة أي دور مالي أو هندسي في الإنشاء , وشارك أكثر من 1.5 مليون عامل مصري في حفر القناة تحت ظروف شاقة، ما أدى إلى وفاة الآلاف منهم، في واحدة من أكبر المشاريع الوطنية.
ويوضح ” أما عن موقف أمريكا آنذاك فإن الولايات المتحدة لم تكن قوة بحرية عالمية كبرى في منتصف القرن التاسع عشر، ولم تشارك سياسيًا أو اقتصاديًا أو هندسياً في المشروع. وطول الوقت السيادة المصرية كاملة على القناة ,فالقناة أرض مصرية بالكامل، وتم تأميمها بقرار من الرئيس جمال عبد الناصر في 26 يوليو 1956، وهو ما أقره المجتمع الدولي لاحقًا، ولم تعارضه أمريكا رسميًا.

“ويجب التأكيد أن قناة السويس تخضع للسيادة المصرية، وأن رسوم المرور يتم فرضها بشكل غير تمييزي على جميع الدول، وفق ما تقره الاتفاقيات الدولية. ويجب التذكير بأن الإعفاء من الرسوم يُعد مخالفة صريحة لمبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة (2/1) من ميثاق الأمم المتحدة.
ويذكر ” قناة السويس تعد إحدى أهم الممرات البحرية في العالم، نظراً لما توفره من وقت وتكاليف وجهد للاقتصاد العالمي , وهي ممر مائى صناعى فى مصر تصل بين البحرين الأبيض المتوسط والأحمر وتعتبر أسرع ممر بحري بين قارتى أوروبا واَسيا , وقد مرت قناة السويس بمراحل تاريخية , وأول من فكر فى شق القناة نابليون بونابرت عام 1798 مع قدوم الحملة الفرنسية على مصر لكن تلك الخطوة لم يكتب لها النجاح.
ويبين المفكر المصرى التاريخ فيذكر ” وفي عام 1854 استطاع المهندس فرديناند ديليسبس إقناع محمد سعيد باشا بمشروع حفر القناة وحصل على موافقة الباب العالى ، بموجبه منح الشركة الفرنسية برئاسة ديليسبس امتياز حفر وتشغيل القناة لمدة 99 عاما, وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون ونصف عامل مصري، مات منهم أكثر من 120 ألف عامل أثناء عملية الحفر نظرا لمشقة الأعمال , واستغرق بناء القناة 10 سنوات من 1859 حتى 1869 , وتم افتتاحها عام 1969 في عهد الخديوى إسماعيل , وفى عام 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية إلا أن تلك المحاولة باءت بالفشل , وبعد قيان ثورة 23 يوليو 1952 بأربع سنوات في يوليو عام 1956 قام الرئيس جمال عبد الناصربتأميم قناة السويس، مسبباً العدوان الثلاثى على مصر بإعلان بريطانيا وفرنسا بمشاركة إسرائيل , ثم انسحبت الثلاث دول تحت ضغوط دولية ومقاومة الشعب المصرى .
ويستطرد ” وحينما قامت حرب 1967 اُغلقت قناة السويس لأكثر من ثمان سنوات، حتى قامت حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 بهزيمة إسرائيل وقام الرئيس أنور السادات بإعادة افتتاحها في يونيو 1975 بعد فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل ووقف إطلاق النار , ثم شهدت القناة بعد ذلك التاريخ مشاريع عديدة لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها بدأت عام 1980 ثم فى 6 أغسطس عام 2015 بافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة التى أحدثت طفرة كبرى فى العالم الملاحى.”
القانون الدولي لا يمنح حقوقًا بناءً على “إسهامات تاريخية.
ويشير الدكتور محمد خفاجى ” إن القانون الدولي لا يمنح حقوقًا بناءً على “إسهامات تاريخية” حتى ولو فرض أن أمريكا ساهمت فى بناء قناة السويس وهو غير حقيقى وتحرف للتاريخ وهو ما لم يحدث ،فإنه لا يترتب على ذلك أي حقوق قانونية أو إعفاءات من الرسوم، فالقانون الدولي يحكمه مبدأ السيادة ومبدأ عدم التمييز.

القانون الدولي في خطر– هل يشرّع ترامب للفوضى العالمية؟
ويطرح المفكر المصرى تساؤلاً حول كون القانون الدولي في خطر– هل يشرّع ترامب للفوضى العالمية؟ فيذكر ” تُعد قناة السويس من أهم الممرات المائية في العالم، لما لها من أهمية استراتيجية وتجارية كبرى تربط بين الشرق والغرب. وقد أثار تصريح منسوب للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يشير إلى وجوب مرور السفن الأمريكية التجارية والعسكرية مجانًا عبر القناة، جدلاً قانونيًا حول مدى شرعية مثل هذا الادعاء، وهو المخالف لمبادئ القانون الدولي العام، وأحكام محكمة العدل الدولية. ويمثل تصريح ترامب خروجًا على قواعد القانون الدولي العام، ويجب مواجهته بموقف قانوني مصري صلب، مدعوم بنصوص الاتفاقيات الدولية وأحكام محكمة العدل الدولية. فالقناة ليست فقط مرفقًا استراتيجيًا، بل رمزًا للسيادة والكرامة الوطنية.
ويوضح ” لقد باتت أحكام وقواعد القانون الدولي في خطر حقيقى , فهل يشرّع ترامب للفوضى العالمية؟ إن مثل هذا التصريح يشرّع للفوضى العالمية والرأى عندى أن مثل هذه التصريحات قد تُمهّد لانهيار النظام العالمي القائم على القوانين، وتفتح الباب لفوضى لا تحكمها سوى المصالح القوية. والرأى عندى أن مثل هذه التصريحات تُضعف من هيبة القوانين الدولية وقد تفتح الباب أمام دول أخرى لتبني سياسات أحادية تهدد الأمن العالمي وتشجع على الفوضى الدولية. وتصريح مثل هذا يقوّض مبادئ المساواة والسيادة في النظام الدولي، ويفتح الباب أمام الفوضى، إذا ما اتخذته دول أخرى ذريعة لخرق القانون الدولي. كما أنه يُضعف ثقة الدول الصغيرة والمتوسطة في النظام العالمي، ويعيد إلى الأذهان سياسات الهيمنة والاستعمار التي عانت منها البشرية طويلًا.”
تصريحات من هذا النوع قد تُعد تدخلاً في الشأن السيادي المصرى
ويذكر ” تصريحات من هذا النوع قد تُعد تدخلاً في الشأن السيادي المصرى , والقانون الدولي يمنع التدخل في شئون الدول، وفق المادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة، مما يجعل مثل هذه التصريحات غير مقبولة من الناحية الدبلوماسية والقانونية.

ويضيف “إن احترام القانون الدولي والتزام الدول الكبرى قبل الصغرى به، هو صمام أمان لحماية السلام العالمي. وتصريحات غير مسؤولة كتلك التي صدرت عن ترامب تمثل خطرًا حقيقيًا على هذا النظام، وتتنافى مع القيم الدولية والدينية والإنسانية التي تدعو إلى احترام الحق والسيادة، ونبذ الاستغلال والتمييز.
ويؤكد “يُعد احترام سيادة الدول ومبادئ القانون الدولي أمرًا جوهريًا لاستقرار العلاقات الدولية. وقد أثار تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بأن “السفن الأمريكية يجب أن تمر مجانًا عبر قناة السويس”، جدلًا واسعًا لما ينطوي عليه من انتهاك صريح لسيادة الدولة المصرية وتجاوز للاتفاقيات الدولية. ومن هذا المنطلق، يتناول هذا البحث أبعاد هذا التصريح وتأثيره على المجتمع الدولي، مع تحليل فقهي يُبرز مدى تعارضه مع المبادئ الشرعية.
ويختتم ” إن تصريحات ترامب بشأن المرور المجاني عبر قناة السويس لا تمثل مجرد رأي سياسي، بل تعد خرقًا لمواثيق دولية، واستخفافًا بحقوق الشعوب، وتهديدًا لأخلاقيات العلاقات الدولية. ويؤكد المنظور الفقهي أن احترام المواثيق، وتحقيق العدالة بين الدول، من أهم أسس الشرعية الدولية . ومن هنا يصبح الرد الدولي الحازم ضرورة لحماية القانون الدولي ومنع انزلاق العالم نحو فوضى الهيمنة والمصالح الأحادية.