
خبير زراعي: الدولة تكثف دعمها لمواجهة الأزمات وتأمين المحاصيل
قال الدكتور محمد يوسف، أستاذ الزراعة والمكافحة الحيوية بكلية الزراعة جامعة الزقازيق، إن القيادة السياسية تكثف جهودها لدعم القطاع الزراعي بهدف تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق أعلى معدلات الاكتفاء الذاتي، خاصة من المحاصيل الاستراتيجية، وسط معوقات وتحديات إقليمية ودولية ضاغطة.
وأشار يوسف إلى أن مصر تواجه تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة، وصولًا إلى انعكاسات الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، والتي ألقت بظلالها على سلاسل الإمداد وأسعار الغذاء والنفط ومدخلات الإنتاج الزراعي، وعلى رأسها المبيدات والأسمدة.
إجراءات استباقية لحماية الغذاء والمزارع
ورغم تلك الظروف، أكد يوسف أن الدولة، بقيادة حكيمة، مضت في اتخاذ حزمة إجراءات استباقية شاملة لتأمين الغذاء، ووفرت مدخلات الإنتاج الزراعي وعلى رأسها المبيدات الحشرية والأسمدة، وبأسعار مناسبة للمزارعين والقطاع الخاص، وهو ما ساعد في تقليص الاعتماد على الاستيراد، خاصة استيراد المبيدات، عبر توفير بدائل مطابقة للمواصفات الفنية وغير محظورة التداول.
ما هي PHI ولماذا تهم صحة المصريين؟
تحدث يوسف بإسهاب عن مصطلح “فترة ما قبل الحصاد” أو PHI، موضحًا أنها المدة الفاصلة بين آخر رشة مبيد على المحصول وبدء حصاده، وهي تختلف من مبيد إلى آخر، وكلما قصرت الفترة، زادت أمانًا على صحة الإنسان. ولفت إلى أن لجنة المبيدات بوزارة الزراعة تختار المواد الفعالة للمبيدات بناءً على هذا المعيار، بما يضمن فعالية عالية ضد الآفات مع الحفاظ على صحة الإنسان.
وشدد على أن رش نفس نوع المبيد أكثر من مرة على نفس الآفة يُكسبها مقاومة، وبالتالي لا يتحقق الهدف من المكافحة، وهو خفض أعداد الآفة سواء في الحقول المفتوحة أو داخل الصوب.
بالأرقام.. استهلاك واستيراد مصر من المبيدات
أوضح يوسف أن مصر تستهلك سنويًا نحو 10 آلاف طن من المادة الفعالة للمبيدات خلال السنوات الثماني الأخيرة، تستورد منها نحو 7 آلاف طن، وتأتي الصين في صدارة الدول الموردة بنسبة 44%، حيث نستورد منها نحو 3080 طنًا.
وأكد أن الدولة تسعى لتقليل فاتورة استيراد المبيدات، خاصة في ظل الظروف الدولية الصعبة، والعمل على دمج القطاع الزراعي مع القطاع الصناعي لتحقيق القيمة المضافة.
48 مصنعًا و3300 مستحضر تجاري
أشار يوسف إلى أن مصر تمتلك نحو 48 مصنعًا للمبيدات الحشرية والاكاروسية، بينها 3 مصانع فقط تعمل خارج نطاق الحماية الفكرية. ويضم السوق المحلي نحو 3300 مستحضر تجاري من المبيدات تختلف في درجة السمية، والتي تراجعت نسبتها من 30% إلى 3.5% بفضل التحديثات الجارية في القطاع.
ولفت إلى أن الهدف هو أن تصبح مصر من أقل دول العالم استخدامًا للمبيدات بالنسبة لوحدة المساحة، بمعدل 100 جرام للفرد مقابل 350 جرامًا في بعض الدول.
كيف تؤثر الحرب على استيراد المبيدات؟
قال يوسف إن المبيدات يتم استيرادها كمواد فعالة عبر شركات مرخصة، وبكميات محددة لموسم زراعي واحد فقط، ولا يتم استيرادها دفعة واحدة، ويختلف سعرها حسب كل شحنة، مما يجعل من الصعب توحيد سعرها للمستهلك، وهو ما قد يضر بالمزارعين إذا تم تسعيرها على أعلى شحنة.
ورغم الأزمات العالمية، أكد يوسف أن القطاع الزراعي المصري لن يتأثر سلبيًا، بفضل التوسع في إنتاج المبيدات والمركبات الحيوية من كائنات دقيقة مثل البكتيريا والفطريات والفيروسات، والتي تنتج محليًا بأسعار مناسبة.
بدائل آمنة: المبيدات الحيوية بدلًا من الكيميائية
كشف يوسف عن خطة استراتيجية تم وضعها لتقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية بنسبة تصل إلى 50% بحلول عام 2030، واستبدالها بالمبيدات الحيوية التي لا تترك متبقيات ضارة على المحاصيل، مما يجعلها صالحة للاستهلاك المحلي والتصدير.
كما شدد على أنه لا يتم تسجيل أي مبيد في مصر إلا بعد تجريبه ميدانيًا تحت الظروف البيئية المحلية، ومطابقته للمواصفات، مع تقييم تأثيره على الصحة والبيئة.
“فيتوسيلاس” يفترس العنكبوت الأحمر بدلًا من المبيدات
سلط يوسف الضوء على مشروع رائد في المكافحة الحيوية يعتمد على المفترس الأكاروسي “فيتوسيلاس” Phytoseiulus persimilis لمواجهة العنكبوت الأحمر، الذي يصيب محاصيل الخيار والفراولة، بدلًا من استخدام المبيدات.
وأوضح أن المفترس يُربى على أوراق فاصوليا مصابة بالعنكبوت داخل صوب بلاستيكية، ويتم نقله إلى الحقول في أكياس وتوزيعه بمعدل 5–10 مفترسات لكل جورة، مع تقييم كفاءته أسبوعيًا.
وتم تنفيذ هذه التجارب ميدانيًا في محافظات الإسماعيلية والقليوبية والشرقية والنوبارية، وداخل مشروع الصوب الزراعية بالعاشر من رمضان وأبو سلطان ومحطة الأمل شرق القناة وقاعدة محمد نجيب.
المكافحة الحيوية تحارب التغيرات المناخية
أكد يوسف أن إدخال المكافحة الحيوية يسهم في التكيف مع تغير المناخ من خلال تقليل استخدام المبيدات، وتعديل مواعيد الزراعة، والاستعانة بالمخصبات الحيوية ومنشطات الجذور الطبيعية، مما يساعد في زيادة دخل المزارعين وتحسين أوضاعهم المعيشية.
قائمة بأهم طرق المكافحة الحيوية المعتمدة
وأشار الخبير الزراعي إلى وجود عدة أساليب فعالة للمكافحة الحيوية، من بينها:
مكافحة الحشرات الثاقبة والماصة مثل المن والتربس والذبابة البيضاء باستخدام مركبات مثل BioMeta2.5% وBiobassiana.
مكافحة اليرقات والديدان القارضة بمركبات بكتيرية مثل BT بجرعات متنوعة حسب نوع الآفة.
مكافحة بيض الحشرات بإطلاق الطفيل التريكوجراما والنوع تيلينومس بمعدل 30 كارت للفدان.
مكافحة الذبابة الفاكهة باستخدام المصايد بعدد 8 مصايد للفدان.
مكافحة النيماتودا باستخدام مركبات بكتيرية من جنس BT.
مكافحة أعفان الجذور والثمار عبر استخدام الفطر Trichoderma بمعدل 2 كيس للفدان.
مكافحة ناخرات القلف عبر محلول مكون من فطر B. bassiana ومركب BT يُحقن في جذوع الأشجار.
مكافحة الحشرات المجنحة باستخدام المصايد الصفراء.
مكافحة الثاقبات والنطاط والجراد باستخدام فطر المسكردين الأخضر “البيورانزا”.
نحو زراعة أكثر أمانًا وإنتاجًا
اختتم يوسف حديثه بالتأكيد على أن التوسع في إنتاج المبيدات الحيوية والمفترسات النافعة، وتعزيز برامج المكافحة الحيوية، لم يعد خيارًا، بل بات ضرورة وطنية لتقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية، وتخفيض فاتورة الاستيراد، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، مع ضمان سلامة الإنسان والبيئة، وتعظيم القيمة المضافة للزراعة المصرية.