
الزراعة في قلب الدولة.. استراتيجية مصرية نحو أمن غذائي مستدام
في ظل عالم يواجه أزمات متلاحقة، فرضت التغيرات المناخية والاضطرابات الجيوسياسية واقعًا جديدًا من التحديات، وضعت ملف الأمن الغذائي في مقدمة أولويات الدول، خصوصًا تلك التي تسعى لتعزيز استقرارها الداخلي وتحقيق تنمية مستدامة، ومصر لم تكن استثناءً، بل بادرت خلال السنوات الماضية إلى تبني نهج شامل يعيد صياغة منظومة الزراعة من جذورها، مستهدفة بذلك بناء قدرة ذاتية على تأمين غذاء شعبها، وتقليص الاعتماد على الخارج.
ومن هذا المنطلق، تبنت الدولة المصرية رؤية تنموية متكاملة وضعت فيها الزراعة في قلب الاستراتيجية الوطنية، باعتبارها أحد أهم مرتكزات الأمن القومي، وفي إطار “رؤية مصر 2030″، أطلقت الحكومة استراتيجية التنمية الزراعية المستدامة، والتي هدفت إلى تعظيم الاستفادة من الموارد الطبيعية، وتحسين إنتاجية القطاع الزراعي، وخلق مجتمعات زراعية جديدة، مع التركيز على التمكين الاقتصادي للفئات الريفية، لا سيما الشباب والنساء.
وعلى مدار السنوات الإحدى عشرة الماضية، شهد القطاع الزراعي المصري تحولات هيكلية وإنجازات كبرى، انعكست في مشروعات توسع أفقي ضخمة، وزيادة في الصادرات الزراعية، واعتماد متزايد على التكنولوجيا والرقمنة في إدارة الزراعة، كل هذه الخطوات جاءت كرد استباقي على ما شهده العالم من اختناقات في سلاسل الإمداد وتداعيات لتغير المناخ، وهو ما ساهم في ترسيخ مرونة المنظومة الغذائية المصرية في مواجهة الأزمات.
رؤية استراتيجية لتعزيز الاكتفاء والتنمية الشاملة
استهدفت الاستراتيجية الزراعية المصرية الحفاظ على الموارد الاقتصادية الزراعية وتنميتها، وتحقيق قدر كبير من الأمن الغذائي الوطني، إلى جانب دعم القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق المحلية والدولية، كما هدفت إلى التوسع في الصادرات الزراعية الطازجة والمصنعة، وإنشاء مجتمعات زراعية متكاملة توفر فرص عمل حقيقية، وتحقق شمولًا اقتصاديًا واجتماعيًا للسكان الريفيين، من خلال إدماجهم في برامج تمويل ميسرة، ما يسهم في تحقيق التنمية الاحتوائية والمستدامة.
وتُعد زيادة تنافسية المنتجات الزراعية المصرية أحد الأهداف المحورية في هذه الرؤية، وهو ما انعكس فعليًا في أداء الصادرات الزراعية خلال الفترة الأخيرة، فوفقًا للبيانات الرسمية، فقد شهد العام الجاري طفرة غير مسبوقة في حجم الصادرات الزراعية، إذ بلغت الكميات المصدرة حتى الآن نحو 4.8 مليون طن، بزيادة تقارب نصف مليون طن مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، التي سجلت 4.3 مليون طن.
التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي يدخلان الحقل المصري
وفي إطار سعي الدولة لمواكبة التحولات العالمية، جاء الاهتمام بالتحول الرقمي في القطاع الزراعي كخطوة ضرورية لإرساء قواعد الزراعة الذكية، وتحقيق أعلى كفاءة في إدارة الموارد والإنتاج. وقد تم التوسع في إطلاق الخدمات الرقمية الزراعية، وتوظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقديم التوصيات والإرشادات للمزارعين، بما يعزز من الإنتاجية ويقلل من آثار التغيرات المناخية.
وتسعى الدولة إلى ربط المزارعين بالأسواق والخدمات التمويلية والإرشادية عبر المنصات الإلكترونية، كما تم الانتهاء من منظومة “كارت الفلاح”، وتفعيل المنصة الزراعية الرقمية التي تتيح خدمات متنوعة تتعلق بالحجر الزراعي، وسلاسل التوريد، والرقابة على الجودة، في إطار شراكة وثيقة بين الحكومة والقطاع الخاص.