
الأسمدة بين التصدير والاحتكار.. واتهامات بتلاعب في الدعم الزراعي
وسط استمرار موجة الغلاء التي تضرب مستلزمات الإنتاج الزراعي، يشهد سوق الأسمدة حالة من التوتر والارتباك، بالتزامن مع قرب ذروة الموسم الصيفي الذي يُعد من أكثر المواسم الزراعية كثافة في الزراعة والاستهلاك، ورغم إعلان وزارة الزراعة انتظام صرف الحصص المدعمة عبر الجمعيات، وتأكيدها أن أسعار السوق الحرة خارج نطاق اختصاصها، يواجه المزارعون واقعًا مختلفًا على الأرض.
أسعار السوق الحر تشعل الأزمة
بحسب متعاملين في السوق، فقد ارتفعت أسعار شيكارة اليوريا (وزن 50 كجم) إلى 1700 جنيه، بينما وصل سعر شيكارة النترات إلى 1650 جنيهًا، في حين بلغ سعر شيكارة “السوبر فوسفات” حوالي 1350 جنيهًا، وتعد هذه الأرقام مرتفعة مقارنة بالمستويات السعرية خلال نفس الفترة من العام الماضي، ما زاد من الأعباء على الفلاحين، خاصة أصحاب الحيازات الصغيرة.
مزارعون يقلصون الاستخدام ويتجهون للأسمدة العضوية
يقول أحد المزارعين: “اضطريت أستخدم نص الكمية المعتادة من السماد الكيماوي، وسديت الباقي بالأسمدة العضوية، لأنها أرخص ولو إنها أقل كفاءة.. ما باليد حيلة، الأسعار نار ومفيش بديل.”
في حين أكد مزارعون آخرون أن بعض التجار يمتنعون عن بيع الأسمدة في الوقت الحالي، بدعوى “انتظار تسعيرة جديدة”، ما خلق حالة من التعطيش في السوق، ودفع الفلاحين للبحث عن مصادر بديلة رغم التكلفة العالية.
اتهامات بتلاعب في الحصص المدعمة
وعلى جانب آخر، اتهم عدد من المزارعين بعض أصحاب الحيازات الكبرى بالتلاعب في منظومة الدعم، من خلال صرف كميات مدعمة من الجمعيات وبيعها لاحقًا في السوق السوداء، لتحقيق أرباح سريعة، وهو ما يُعمق من أزمة نقص المعروض ويؤثر على العدالة في توزيع الدعم الحكومي.
مصر ضمن أكبر مصدري الأسمدة عالميًا
ورغم هذه الأزمة المحلية، فإن البيانات الرسمية تشير إلى أن مصر تنتج سنويًا نحو 17.9 مليون طن من الأسمدة، وهي كمية ضخمة تستخدم محليًا وتصدر أيضًا للخارج، وتحتل مصر حاليًا المركز السابع عالميًا في صادرات الأسمدة، ما يعكس حجم الاستثمارات والخبرات المتراكمة في هذا القطاع الحيوي.
إلا أن هذا التقدم التصديري لم يترجم إلى استقرار في الأسعار محليًا، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى فاعلية السياسات الحالية في تحقيق التوازن بين التصدير وتلبية احتياجات السوق الداخلي.
الزراعة: الصرف منتظم.. والسوق الحر خارج اختصاصنا
في المقابل، أكدت وزارة الزراعة على لسان المتحدث الرسمي الدكتور محمد القرش، أن الأسمدة المدعمة متوفرة في الجمعيات، ويتم صرفها للمزارعين من خلال منظومة “كارت الفلاح”، مع متابعة دورية تضمن عدالة التوزيع.
وأضاف أن الوزارة صرفت خلال الشهرين الماضيين أكثر من 300 ألف طن من الأسمدة، فيما يبلغ المخزون الاستراتيجي الحالي نحو 250 ألف طن، يتم توزيعه تدريجيًا لتلبية الطلب وضمان استقرار السوق.
وشدد المتحدث الرسمي على أن “الزراعة لا تتدخل في تسعير السوق الحر، الذي تحكمه آليات العرض والطلب”، مشيرًا إلى أن دور الوزارة يقتصر على توفير الأسمدة المدعمة عبر القنوات الرسمية فقط.
دعوات لضبط السوق ودعم الفلاحين
في ظل هذا المشهد، تتصاعد المطالب من النقابات الزراعية وجمعيات الفلاحين بضرورة تدخل الدولة لضبط السوق، من خلال:
مراجعة السياسات التصديرية بشكل يضمن عدم تأثر السوق المحلي.
زيادة الكميات الموجهة للجمعيات الزراعية في الفترات الحرجة.
تكثيف الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار أو تخزين الأسمدة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
معادلة دقيقة بين التصدير والاستقرار المحلي
تبقى الأزمة الحالية مؤشرًا على الحاجة لإعادة ضبط آليات إدارة سوق الأسمدة في مصر، بما يحقق معادلة دقيقة بين تعزيز مكانة البلاد كمصدر عالمي، وضمان توفير مستلزمات الإنتاج للفلاح المحلي بأسعار عادلة، باعتبار الزراعة من ركائز الأمن الغذائي القومي.