
الصين الشريك الأكبر في مدخلات الإنتاج و6 شركات تعزز قطاع الأعلاف
تسير العلاقات المصرية الصينية في مسار متصاعد على مختلف المستويات، ويُعد القطاع الزراعي أحد أبرز مجالات التعاون بين البلدين، سواء على صعيد التبادل التجاري أو تبادل الخبرات والتكنولوجيا، أو ضخ استثمارات مباشرة تستهدف تعزيز الإنتاج المحلي وخفض فاتورة الاستيراد، خاصة في ظل ما تواجهه المنطقة من تحديات متصاعدة في ملف الأمن الغذائي والتغيرات المناخية والتصحر.
ففي السنوات الأخيرة، كثفت مصر جهودها لتعزيز علاقاتها الزراعية مع الصين، ووقع الجانبان عددًا من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي استهدفت رفع كفاءة منظومة الزراعة المصرية، من خلال إدخال تقنيات حديثة، وتدريب الكوادر، وزيادة حجم التبادل التجاري في المنتجات الزراعية.
وتشير بيانات رسمية إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والصين بلغ 17 مليار دولار خلال عام 2024، بينما يحتل القطاع الزراعي مساحة مؤثرة من هذا التبادل، إذ بلغت قيمة الواردات الزراعية المصرية من الصين نحو 249 مليون دولار، مقابل صادرات زراعية مصرية بقيمة 198 مليون دولار، تشمل البرتقال والعنب والفاصوليا الخضراء والرمان.
وأكد الدكتور محمد المنسي رئيس الحجر الزراعي، أن عدد المنتجات الزراعية التي نجح الجانب المصري في إدخالها إلى السوق الصينية بلغ 22 منتجًا، أصبحت تحظى بوجود منتظم على مائدة المستهلك الصيني، في مؤشر واضح على جودة المنتجات الزراعية المصرية وارتفاع مستوى الالتزام بالاشتراطات الفنية الدولية.
وأضاف أن هناك 480 شركة مصرية مسجلة رسميًا لدى الجهات الصينية المختصة ومؤهلة لتصدير منتجاتها الزراعية إلى السوق الصينية، ما يعكس توسع قاعدة المصدرين المصريين وثقة بكين في المنظومة الرقابية الزراعية المصرية.
الصين الشريك الأكبر لمصر في قطاع مدخلات الإنتاج
وتُعد الصين الشريك الأكبر لمصر في قطاع مدخلات الإنتاج، وعلى رأسها المبيدات والأسمدة والآلات الزراعية والتقاوي، إذ تستورد مصر حوالي 70% من احتياجاتها من المبيدات من الخارج، وتستحوذ الصين وحدها على نحو 44% من هذه الكمية، ووفق بيانات حديثة، يبلغ متوسط استهلاك مصر من المبيدات خلال الفترة من 2015 إلى 2023 نحو 10 آلاف طن مادة فعالة سنويًا، بينما تضم السوق المحلية 48 مصنعًا لإنتاج المبيدات، لا يعمل منها سوى 3 مصانع في مجال التصنيع الكامل خارج الحماية الفكرية، وهو ما يعكس استمرار الاعتماد الكبير على الاستيراد، خصوصًا من السوق الصينية التي تلبي الطلب المحلي بجودة عالية وكلفة مناسبة.
ويعكس هذا التوسع حضورًا صينيًا متزايدًا في سوق الأعلاف المصرية، حيث توجد حاليًا 6 شركات صينية كبرى تعمل في مجال إنتاج الأعلاف وإضافاتها، إلى جانب مساهمتها في البحوث والتطوير ونقل التكنولوجيا الحديثة إلى الداخل المصري، ضمن منظومة متكاملة تهدف إلى تعزيز الاكتفاء المحلي وتطوير البنية الصناعية الزراعية.
ويمتد هذا التعاون إلى الاستثمارات المباشرة في الإنتاج، حيث كانت مجموعة “الأمل الجديد الصينية” قد كشفت، في وقت سابق خلال لقاء مع وزيرة التنمية المحلية، عن خطتها لضخ استثمارات جديدة في مصر بقيمة 100 مليون دولار لإنشاء مجمع صناعي لإنتاج الأعلاف في إحدى المناطق الصناعية بالمحافظات، في إطار تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع مصر، ودعم جهود الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأعلاف وخفض تكاليف التربية والإنتاج الحيواني والسمكي.
إنشاء 5 مصانع لإنتاج الأعلاف في محافظات المنوفية
وأكدت، رئيسة إدارة المجموعة، خلال اللقاء، أن الشركة الصينية تعمل في مصر منذ عام 2011، وتمكنت من إنشاء 5 مصانع لإنتاج الأعلاف في محافظات المنوفية، وبني سويف، والبحيرة (بمدينتي حوش عيسى ووادى النطرون)، ومدينة جمصة بالدقهلية، بإجمالي استثمارات بلغت 70 مليون دولار، وتنتج هذه المصانع حاليًا نحو 650 ألف طن سنويًا، تمثل ما يقرب من 10% من إجمالي الإنتاج المحلي، مع خطة لرفع الطاقة الإنتاجية إلى مليون طن سنويًا خلال الفترة المقبلة.
وأضافت أن الشركة تصنّف ضمن المراتب العالمية في إنتاج الأعلاف وسلاسل الغذاء، وأن مصر تُعد من أهم الأسواق التي تسعى المجموعة إلى التوسع فيها، مشيدة بدعم الحكومة المصرية للمستثمرين الأجانب، لا سيما في ما يتعلق بضريبة القيمة المضافة، وتخصيص الأراضي الصناعية، وتبسيط إجراءات الترخيص والاستثمار، كما أوضحت أن نسبة العمالة المصرية في مصانع الشركة داخل مصر تبلغ نحو 94%، وأن المجموعة تسعى إلى نقل التكنولوجيا الصينية إلى الكوادر المحلية، في إطار شراكة تقوم على التوطين وبناء القدرات وتعزيز المهارات الوطنية.
وفي سياق موازى، يمثل التعاون في مجال الزراعة الذكية والتقنيات البيئية أحد أعمدة الشراكة بين البلدين، حيث تم تنفيذ مشروعات تجريبية في مصر بالتعاون مع مؤسسات صينية لاستخدام نظم الزراعة الدقيقة، والاستشعار عن بعد، وتكنولوجيا الري بالتنقيط، بهدف تعظيم إنتاجية الفدان وخفض معدلات استهلاك المياه، كما نقلت الصين خبراتها المتقدمة في استصلاح الأراضي والتربة المالحة إلى مصر من خلال مشروعات في الواحات وسيناء، تتكامل مع أهداف الدولة في زيادة الرقعة الزراعية وتعزيز القدرة الإنتاجية للمناطق الصحراوية.
التعاون الزراعي بين مصر والصين
وفي هذا السياق، يقول الدكتور محمد عبدالمجيد، أستاذ الاقتصاد الزراعي، إن التعاون الزراعي بين مصر والصين يكتسب أهمية خاصة في ظل التحديات العالمية التي تواجه الأمن الغذائي، موضحًا أن الصين تمتلك خبرات تكنولوجية متقدمة في الزراعة الذكية ومكافحة التصحر، وأن الاستفادة من هذه التجربة تمثل ركيزة رئيسية لتحسين الأداء الزراعي في مصر، لا سيما في ظل تزايد الضغوط على الموارد الطبيعية وارتفاع تكلفة الإنتاج المحلي.
وأضاف عبدالمجيد أن المشروعات المشتركة القائمة حاليًا مع الجانب الصيني تعكس توجهًا واضحًا نحو تعميق التصنيع الزراعي وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية، مشيرًا إلى أن دعم القدرات الفنية للمزارعين وتوسيع الاعتماد على أدوات التكنولوجيا الحديثة في الري والتسميد ومراقبة المحاصيل، يمكن أن يسهم في تقليل الفاقد، وتحسين جودة الصادرات، وفتح أسواق واعدة للمنتجات المصرية في شرق آسيا.
ضرورة تعزيز قدرات الدول النامية على إنتاج غذائها
ويمتد التعاون المصري الصيني ليشمل التوافق السياسي داخل المحافل الدولية بشأن قضايا الأمن الغذائي والتنمية المستدامة، حيث تلتقي الرؤى المصرية والصينية في ضرورة تعزيز قدرات الدول النامية على إنتاج غذائها، وتوفير حلول بديلة للتعامل مع محدودية المياه والموارد الطبيعية، وتبني نظم إنتاج زراعي أكثر كفاءة ومرونة في مواجهة الأزمات المناخية والاقتصادية.
وبينما تواصل مصر تنفيذ خطتها الطموحة نحو الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية وتنمية الريف، تفتح الشراكة مع الصين آفاقًا أوسع أمام إدخال تكنولوجيا متطورة تدعم هذا التوجه، وتعزز فرص التوسع في الأسواق الآسيوية، خصوصًا مع تنامي الطلب في السوق الصينية على المنتجات المصرية عالية الجودة، ويظل هذا التعاون نموذجًا ناجحًا يمكن البناء عليه، لا سيما في ظل تقارب الأولويات وتكامل المصالح بين البلدين في مجال الزراعة ومكافحة التصحر وتحقيق الأمن الغذائي المستدام.