
استثمارات الصناعة 130 مليار جنيه وتوفر 3 ملايين فرصة عمل
نستورد 80% من احتياجات الذرة و95% من فول الصويا
التوسع في الزراعات التعاقدية والمحاصيل العلفية ضرورة لحماية الأمن الغذائي
جذب الاستثمارات يتطلب تسهيل إجراءات الحصول على الأراضي والتراخيص
على الرغم من الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لصناعة الدواجن في ظل استثمارات تصل إلى 130 مليار جنيه، فإنها تواجه أزمة كبيرة بسبب الفوضى التي تسيطر على آليات التسعير، نظرا لعدم تفعيل عمل بورصة الدواجن، بالإضافة إلى هيمنة المستوردين والسماسرة على مفاصل الصناعة.
ويقول الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، إن صناعة الدواجن في مصر تعد من الصناعات الكبرى، مشيرًا إلى أن أعداد “الجدات” يصل إلى نحو 360 ألف جدة، فيما تتراوح أعداد الأمهات بين 13 و14 مليون أم، بينما يبلغ إنتاج دواجن التسمين نحو 1.5 مليار دجاجة، إضافة إلى ما يقرب من 34 مليون دجاجة بياض.
وأضاف أن هذه الصناعة لا تقتصر على الإنتاج فقط، بل تشمل أيضًا أكثر من ألف مصنع أعلاف، إلى جانب مجازر متنوعة بين الآلي والنصف آلي واليدوي، ما يعكس ضخامتها وتنوع بنيتها التحتية، لافتا إلى أن صناعة الدواجن تعد مصدرًا رئيسًا للبروتين الحيواني في مصر، حيث توفر نحو 75% من احتياجات المواطنين من البروتين الحيواني، ما يجعلها ذات أهمية قصوى في دعم الأمن الغذائي.
وأشار إلى أن هذه الصناعة توفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لما يقرب من 3 ملايين مواطن، ما يجعلها ركيزة اقتصادية لا يمكن إغفالها.
وعن أبرز التحديات التي تواجه صناعة الدواجن فى مصر، يرى رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، أن غياب منظومة التسعير العادلة، والحاجة المُلحة للتطوير وإعادة هيكلة القطاع، يمثلان أهم التحديات.
وشدد على ضرورة وضع “معادلة فعلية” لتحديد التكلفة الحقيقية للإنتاج. وتشمل هذه المعادلة جميع عناصر الإنتاج بداية من سعر الكتكوت، وتكلفة الأعلاف، ونسبة النفوق، وصولًا إلى نفقات التحصينات والعمالة. وبناء على هذه العناصر يتم احتساب تكلفة إنتاج الدجاجة، على سبيل المثال وزن 2 كيلوجرام، ويُضاف إليها هامش ربح بسيط لا يتجاوز 5%، لتحديد السعر العادل للمستهلك والمُنتج على السواء، مشددا على أهمية عودة بورصة الدواجن للعمل، شرط أن تضم كوادر فنية متخصصة تمتلك دراية حقيقية بتفاصيل الصناعة.
أسباب تذبذب الأسعار
وعن الأسباب الرئيسة وراء تذبذب أسعار الدواجن في السوق قال عبد العزيز السيد: “هيمنة وتحكم مجموعة من السماسرة في مفاصل الصناعة، واصفًا ذلك بأنه “خطأ جسيم”، لأنه من غير المنطقي ترك صناعة بهذا الحجم وتلك الأهمية رهينة لتلاعب عدد محدود من الوسطاء، متسائلًا: لماذا لا يتم وضع آلية واضحة ومنظمة لضبط السوق”.
وأضاف أنه مع استقرار الصناعة وعودة جميع المنتجين إلى العمل بكامل طاقتهم، تصبح الفرصة مواتية للتوسع في التصدير الخارجي، وهو ما يعد خطوة شديدة الأهمية للاقتصاد الوطني.
وأشار إلى أن موقع مصر الجغرافي كمحور يربط بين ثلاث قارات، يمنحها ميزة تنافسية كبيرة تتيح الانفتاح على الأسواق المجاورة وتوسيع قاعدة الصادرات، بما يعزز الاقتصاد القومي من خلال زيادة المدخلات وتحقيق عوائد مستدامة.
التصدير ليس رفاهية
كما أكد أن التصدير لا يُعد رفاهية، بل ضرورة استراتيجية لدعم الصناعة وتنميتها، شريطة توفير البنية المناسبة واستقرار السوق المحلية أولًا.
وعن أسعار الأعلاف أوضح الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، أن أسعار الأعلاف تشهد تذبذبًا ملحوظًا في السوق، وهو ما يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه صناعة الدواجن، مرجعًا ذلك إلى اعتماد الصناعة على مدخلات إنتاج مستوردة بشكل شبه كامل، موضحًا أن منظومة الإنتاج تبدأ من “الجدود”، والتي يتم استيرادها من أمريكا وأوروبا، باعتبارها الأصول التي تُنتج منها لاحقًا “الأمهات”، ثم بيض التفريخ، وصولًا إلى دواجن التسمين.
وأضاف أن الأزمة لا تقتصر على الجدات فقط، بل تمتد إلى الأعلاف، حيث تستورد مصر نحو 80% من احتياجاتها من الذرة، و95% من احتياجاتها من فول الصويا، وهو ما اعتبره وضعًا غير منطقي لدولة تسعى لتحقيق أمنها الغذائي.
ولفت إلى أن هذا الاعتماد الكبير على الخارج يفقد السوق القدرة على التحكم في الأسعار، ويجعلها عرضة لتقلبات الأسواق العالمية وأزمات سلاسل الإمداد.
كما شدد على ضرورة تحرك الدولة بشكل عاجل لتقليل هذا الاعتماد، من خلال التوسع في الزراعات التعاقدية وزيادة المساحات المزروعة بالمحاصيل العلفية مثل الذرة وفول الصويا وعباد الشمس.
في الوقت ذاته أشار الدكتور عبد العزيز السيد إلى أن الأزمة تمتد أيضًا إلى الزيوت، حيث إن ضعف زراعة المحاصيل الزيتية يؤدي إلى استيراد كميات ضخمة من الخارج، ما يجعل الأسعار محكومة بالتقلبات العالمية.
وأوضح أن أزمة 2022 كانت نموذجًا صارخًا لما يمكن أن تسببه الأزمات الخارجية من اضطرابات داخلية، إذ أدت أزمة الدولار حينها إلى تكدس البضائع في المواني، وتعطّل حركة استيراد الأعلاف ومدخلات الإنتاج، لكنه في الوقت نفسه أثنى على تحركات الدولة الإيجابية مؤخرًا، والتي ساعدت على تخفيف حدة الأزمة، واستئناف عمليات الاستيراد تدريجيًا.
الاكتفاء الذاتي من المحاصيل العلفية
وطالب الدكتور عبد العزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة باتحاد الغرف التجارية، بتحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل العلفية والزيتية، باعتباره ضرورة استراتيجية لحماية الأمن الغذائي، واستقرار صناعة الدواجن.
أكد أن السوق المصرية يُعد من الأسواق الواعدة في قطاع الأعلاف، مشيرًا إلى أن إحدى الشركات الصينية نجحت في الاستحواذ على نحو 11% من السوق المحلية، وهو ما يعكس جاذبية هذا القطاع وقدرته على استيعاب استثمارات كبرى.
وأضاف أن المستثمر الأجنبي لا يكتفي بضخ رؤوس الأموال فحسب، بل يُحقق قيمة مضافة حقيقية من خلال توفير فرص العمل، وتقديم منتجات عالية الجودة، والمساهمة في تطوير الصناعة المحلية. وقال: “أي مستثمر يوفر فرص عمل، ويرفع الطاقة الإنتاجية، ويُقدم منتجًا جيدًا، نحن نرحب به ونعتبره إضافة مهمة، ونقول له: أهلاً بك في أي وقت”.
وشدد على ضرورة دعم وتشجيع المستثمرين الأجانب، خاصة أولئك الذين يثبتون جديتهم ويحققون توسعات فعلية على أرض الواقع، مشيرًا إلى نموذج إحدى الشركات التي بدأت بمصنع واحد وتحولت إلى ستة مصانع تعمل بكفاءة عالية داخل مصر.
وأوضح أن جذب الاستثمارات يتطلب بيئة تشريعية وإجرائية مشجعة، مؤكدًا أن الدولة يجب أن تسهّل إجراءات الحصول على الأراضي والتراخيص، وتُوفر حوافز واضحة تضمن جذب المستثمرين، بما يسهم في تعزيز الطاقة الإنتاجية، وخلق مزيد من فرص العمل، ورفع جودة المنتجات في السوق المحلية.
وأوضح أن أحد الأسباب الجوهرية لتذبذب أسعار الدواجن في السوق المحلية هو اعتماد الصناعة على استيراد المواد الخام، وفي مقدمتها الذرة، التي تُعد المكون الأساسي في صناعة الأعلاف، مشيرًا إلى أن أي تغير في أسعار هذه الخامات عالميًا ينعكس بشكل مباشر على تكلفة الإنتاج محليًا.
وأضاف أن هناك جانبًا آخر لا يقل أهمية يتمثل في ملف الأدوية واللقاحات البيطرية، مؤكدًا أنه من الملفات التي تحتاج إلى اهتمام بالغ، نظرًا لتأثيرها المباشر على صحة القطيع وكفاءة الإنتاج. مشددًا على أن هذه نقطة جوهرية لضمان فاعلية اللقاحات المستخدمة.
وأكد عبد العزيز السيد أن مصر تمتلك شركات دواء ولقاحات بيطرية ذات كفاءة عالية، وتنتج كميات كبيرة تغطي احتياجات السوق بنسبة تصل إلى 50–60%، خصوصًا عبر المؤسسات الحكومية الكبرى مثل معهد العباسية.
كما أشار إلى وجود شركات خاصة تتمتع بسمعة طيبة، إلى جانب بعض الشركات الأجنبية التي يتم استيراد منتجاتها ذات الجودة العالية.
وانتقد بشدة لجوء بعض المنتجين إلى شركات غير موثوقة في محاولة لتقليل التكلفة، وشراء لقاحات “رخيصة” من مصادر غير معروفة أو “تحت بير السلم”، ثم إلقاء اللوم على جودة اللقاحات بشكل عام. وقال: “المشكلة مش في السوق.. المشكلة إنك سبت الجيد ورحت للرديء، مع إن الكويس متاح”.
وكشف السيد عن أن الدولة تخطو خطوات كبيرة في هذا الملف، حيث يتم حاليًا إنشاء مصنع ضخم للقاحات في محافظة الإسماعيلية، أُعلن عنه رسميًا خلال افتتاحات رئاسية، ويُتوقع الانتهاء منه خلال فترة قصيرة. واعتبر أن هذا المصنع سيمثل طفرة حقيقية في إنتاج اللقاحات البيطرية، وقد يسمح لمصر مستقبلاً بالتصدير إلى دول الجوار.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن صناعة الدواجن في الأساس صناعة خاصة، لكنها تحتاج إلى إطار تنظيمي قوي وإجراءات داعمة، لضمان جودة مدخلات الإنتاج واستقرار السوق، خاصة في ظل التحديات العالمية الراهنة.