اهم الأخبارخير بلدنا

عجز التسويق يُبدد المحاصيل.. أكثر من 6 ملايين طن في «مهب الريح»

alx adv

رغم الطفرات المتلاحقة التي يشهدها القطاع الزراعي في مصر، سواء في معدلات الإنتاج أو جودة المحاصيل، لا تزال منظومة التسويق الزراعي تمثل نقطة الضعف الأكثر إلحاحًا، ما يجعل كثيرًا من الإنجازات عرضة للخسارة والهدر، فمنذ سنوات طويلة، والفلاح المصري يواجه وحيدًا تحديات ما بعد الحصاد، في ظل غياب منظومة واضحة تضمن له بيع محاصيله بسعر عادل يوازي الجهد والتكلفة.

 

ولا يقتصر تأثير ضعف التسويق على الفلاح فقط، بل يمتد إلى السوق المحلية والمستهلك، حيث تتسبب الفوضى السعرية في تقلبات حادة بالأسعار، وتكدس محاصيل قابلة للتلف، فضلًا عن اختلال موازين العرض والطلب في مواسم الذروة، ويؤدي غياب جهة مركزية تتولى التخطيط التسويقي وشراء المحاصيل إلى إبقاء الفلاح تحت رحمة التجار والوسطاء، بينما تغيب الرؤية والتنسيق بين الجهات المعنية.

 

ومع كل موسم حصاد، تتكرر ذات المشاهد: شاحنات محملة بمحاصيل لا تجد سوقًا، ومزارعون يعرضون بضائعهم على الأرصفة، أو يبيعونها بثمن لا يغطي تكلفة الزراعة، ما ينعكس على قرارهم في الموسم التالي، ويدفع البعض للعزوف عن الزراعة خوفًا من الخسارة.

ويزيد من عمق الأزمة غياب تسعيرة مرجعية عادلة تُعلن قبل الموسم، ما يُبقي المزارع في دائرة من الترقب والقلق، ويمنح السوق العشوائية فرصة للتمدد، كما لا تزال الجمعيات الزراعية، التي من المفترض أن تكون داعمًا للفلاح، عاجزة عن أداء هذا الدور، إما بسبب نقص الإمكانيات أو غياب آليات فعّالة للشراء والتسويق.

شهادات من الأرض.. الفلاح بين الخسارة والصمت

في حديثهم عن واقع التسويق، عبر مزارعون عن إحباطهم المتكرر، مؤكدين أن الأزمة ليست في الزراعة أو التسميد أو الإنتاج، بل فيما بعد الحصاد، أحدهم قال بمرارة: «بنزرع وننتج ونخسر، لأن السوق مش بإيدنا»، فيما أشار آخر إلى أنه في آخر موسم باع محصوله بسعر أقل من تكلفته، متسائلًا: «لو استمر الوضع كده، مين هيكمل زراعة؟».

مزارع آخر حكى كيف أُجبر على التخلص من جزء من محصوله لعدم وجود مشترٍ، رغم أنه أنفق عليه شهورًا من العمل والإنفاق، بينما اشتكى آخر من تضاعف تكلفة النقل وعدم وجود منافذ توزيع مباشرة، وهو ما يضطرهم لقبول عروض الوسطاء مهما كانت مجحفة.

أرقام تُجسد الأزمة.. والهدر يتجاوز 6 ملايين طن سنويًا

الواقع الميداني تؤكده الأرقام، فإنتاج مصر من المحاصيل البستانية يتجاوز 24 مليون طن سنويًا، لكن جزءًا كبيرًا منها لا يصل إلى السوق في حالته المثلى، ويُقدّر أن نحو 6 ملايين طن من هذا الإنتاج يتعرض للتلف أو البيع بخسارة، بسبب غياب منظومات التبريد والنقل، وتكدس الأسواق، وانعدام التنسيق في توقيتات الزراعة والحصاد.

 

هذه الخسائر لا تمس الفلاح فقط، بل تضرب الأمن الغذائي أيضًا، وتحرم السوق من وفرة كان يمكن أن تُخفف الأسعار، وتحد من الاستيراد، وتُعزز من مخزون السلع.

جهود للتدخل.. لكن الطريق لا يزال طويلًا

تسعى الحكومة في الفترة الأخيرة إلى تطوير منظومة التسويق الزراعي، من خلال شراء المحاصيل من الفلاحين بشكل مباشر، وتوسيع دور المنافذ الحكومية في البيع، وإطلاق خطط لتسويق عدد من المحاصيل الموسمية عبر إدارات الزراعة، كما يجري إعداد قوائم بمحاصيل يمكن نقلها من الحقل إلى المنفذ مباشرة، ضمن خطط للتقليل من الوسطاء، وتحقيق سعر عادل للطرفين.

رغم أهمية هذه الجهود، إلا أنها لا تزال في بدايتها، ولا تشمل حتى الآن إلا عددًا محدودًا من المحافظات والمحاصيل، بينما تبقى السواد الأعظم من الأراضي والمحاصيل خارج هذه المنظومة، في انتظار تعميم فعلي وإجراءات صارمة تعيد للفلاح ثقته في السوق.

 

الحل في رؤية متكاملة

حل أزمة التسويق الزراعي لا يمكن أن يكون جزئيًا أو موسميًا، بل يحتاج إلى تبني رؤية شاملة تبدأ من التخطيط الزراعي، وتشمل التسعير المسبق، وتفعيل دور الجمعيات الزراعية كجهة تسويقية، وتوسيع البنية التحتية لمراكز التعبئة والفرز والتبريد، إضافة إلى تنظيم الأسواق وربطها بمنصات إلكترونية تساعد على استشراف العرض والطلب.

كما يجب أن يكون هناك تدخل مباشر في حال تراجع الأسعار دون المستوى العادل، لحماية الفلاح من الخسارة، وضمان استدامة الإنتاج الزراعي.

من دون إصلاح جذري لمنظومة تسويق المحاصيل، سيظل الفلاح المصري يزرع وهو قلق، ويحصُد وهو خاسر، وتظل الزراعة المصرية رغم كل جهود الإنتاج، في مواجهة دائمة مع خسائر لا داعي لها. الطريق ما زال مفتوحًا لتغيير هذه المعادلة.. لكن ذلك يتطلب إرادة حقيقية، وتحركًا سريعًا وشاملًا.

 

يقدم فريق بوابة عالم المال، تغطية حصرية ولحظية على مدار الساعة ، لآخر مستجدات البورصة والشركات المدرجة، البنوك وأسعار الدولاروالتأمين، العقاري، والصناعة والتجارة والتموين، الزراعة، الاتصالات، السياحة والطيران، الطاقة والبترول، نقل ولوجيستيات، سيارات، كما نحلل الأرقام والإحصائيات الصادرة عن المؤسسات والشركات والجهات من خلال الإنفو جراف والرسوم البيانية، الفيديو، فضلا عن تقديم عدد من البرامج المتخصة لتحليل كل ما يتعلق بالاقتصاد المصري من خلال تليفزيون عالم المال.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار