
الزراعة العضوية.. ركيزة مهمة للغذاء الأمن ودعم الاقتصاد الأخضر
في ظل التحديات البيئية والصحية التي تواجه العالم، تبرز الزراعة العضوية كخيار استراتيجي مستدام، يجمع بين سلامة الإنسان والحفاظ على الموارد الطبيعية، ويحقق في الوقت ذاته أهداف الأمن الغذائي والاقتصاد الأخضر.
لم تعد الزراعة العضوية رفاهية أو نمطًا محدود النطاق، بل أصبحت إحدى الركائز الأساسية للنظم الزراعية الحديثة، خصوصًا مع تزايد الطلب العالمي على الغذاء النظيف، وارتفاع وعي المستهلكين بالمعايير البيئية والصحية، ما جعل هذا القطاع مرشحًا بقوة ليكون قاطرة جديدة من قاطرات التنمية الزراعية والاقتصادية في مصر.
الدولة تسير بخطوات واثقة نحو تعزيز الزراعة العضوية
أكد الدكتور محمد القرش، المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، أن الدولة تسير بخطوات واثقة نحو تعزيز الزراعة العضوية كجزء من استراتيجية وطنية لدعم الصادرات وزيادة التنافسية في الأسواق الدولية.
وأشار إلى أن هذا التوجه يأتي استجابة للطلب العالمي المتنامي على المنتجات الزراعية النظيفة، وأن إصدار قانون الزراعة العضوية ولائحته التنفيذية يمثل خطوة محورية في تنظيم هذا القطاع الحيوي، وضمان نموه على أسس علمية ومعايير دقيقة.
وكشف المتحدث الرسمي عن إنشاء معمل متخصص تابع لمركز البحوث الزراعية، معني بمنح شهادات معتمدة للمنتجات العضوية، وهو ما يسهل من عمليات تسويقها عالميًا ويضمن جودتها.
وأوضح القرش أن الزراعة العضوية باتت جزءًا أساسيًا من مكونات المشروعات الزراعية القومية الكبرى، مثل “الدلتا الجديدة” وتوشكى وسيناء، التي تهدف إلى استصلاح أكثر من 3.5 مليون فدان، وتوفير قاعدة إنتاجية واسعة تُدار بنظم زراعة ذكية ونظيفة، ترتكز على ترشيد الموارد الطبيعية باستخدام الصوب الزراعية الحديثة.
تأهيل أكثر من 50 ألف شخص لضمان الاستخدام الآمن
وأشار كذلك إلى أن الوزارة أولت اهتمامًا كبيرًا بتدريب عمال رش المبيدات، حيث تم تأهيل أكثر من 50 ألف شخص لضمان الاستخدام الآمن، ومنع تلوث المحاصيل، ما يُعزز ثقة المستهلك في المنتج المصري ويؤهله للمنافسة عالميًا.
وشدد القرش على أن جهود الوزارة تتكامل لتوفير تتبع كامل لسلاسل الإنتاج الزراعي، التزامًا بالمعايير الدولية، ما يُرسخ من مكانة مصر كدولة منتجة ومصدرة للغذاء الآمن، خاصة في ظل تعاظم الطلب العالمي على هذا النمط من الزراعة.
تعتمد الزراعة العضوية على التوازن الطبيعي في البيئة، وتستبعد تمامًا استخدام المبيدات الكيميائية والأسمدة الصناعية، مستعيضة عنها بالأسمدة العضوية الطبيعية، والمكافحة الحيوية، والدورات الزراعية التي تحافظ على خصوبة التربة وجودة المحصول.
ومن أبرز فوائد هذا النمط الزراعي، أنه يوفر منتجات أكثر أمانًا على صحة الإنسان، ويحقق في الوقت نفسه عوائد اقتصادية مرتفعة نتيجة ارتفاع أسعار المنتجات العضوية وزيادة الطلب العالمي عليها.
كما أن الزراعة العضوية تحسن خصوبة التربة على المدى الطويل، وتقلل من تدهورها، وتحافظ على التنوع البيولوجي، وتقلل من تلوث التربة والمياه، والانبعاثات الكربونية الضارة، مما يجعلها خيارًا مثاليًا لمواجهة التغيرات المناخية.
التحديات قائمة.. لكن الفرص أكبر
رغم ما تحققه الزراعة العضوية من مزايا، إلا أنها تواجه عدة تحديات، على رأسها ضعف الوعي لدى بعض المزارعين، وارتفاع التكلفة المبدئية للتحول من الزراعة التقليدية، وقلة الدعم الفني في بعض المناطق الزراعية.
لكن وزارة الزراعة بدأت في تذليل هذه العقبات من خلال إطلاق وحدات متخصصة للزراعة العضوية داخل مراكز البحوث الزراعية، وتنفيذ برامج تدريبية للمزارعين، وتحفيز الاستثمار في هذا المجال الواعد.
في ظل هذا الدعم الرسمي وتوافر الفرص التصديرية، يُعد التحول إلى الزراعة العضوية خيارًا ذكيًا للمزارعين الراغبين في تحسين دخولهم والمساهمة في حماية البيئة، البداية تكون من خلال تسجيل المزرعة، والتدرج في استخدام البدائل الطبيعية، والحصول على الدعم الفني والتقني من المعاهد والمراكز البحثية المتخصصة.
ومن خلال التعاون مع معمل الزراعة العضوية بمركز البحوث الزراعية، يمكن للمزارعين الحصول على شهادات تؤهلهم لبيع منتجاتهم في الأسواق المحلية والدولية، وتحقيق مردود اقتصادي مستدام.
الزراعة العضوية ليست مجرد تقنية إنتاجية، بل هي نمط حياة وإنتاج يعكس وعيًا صحيًا وبيئيًا واقتصاديًا، ومع تصاعد الاهتمام العالمي بالغذاء الآمن، أصبحت مصر تمتلك فرصة ذهبية للانطلاق بقوة في هذا المسار، مستندة إلى خبرتها الزراعية الواسعة، ودعم الدولة المتزايد، ووعي المزارعين المتجدد، من أجل مستقبل زراعي أفضل وصحة مستدامة للأجيال القادمة.