
هل تنجح مصر في إعادة هيكلة عبء المديونية عبر “مبادلة الديون”؟
تسعى الحكومة المصرية بخطوات متزايدة نحو إبرام اتفاقيات مبادلة الديون، لتنويع مصادر التمويل وإيجاد حلول مبتكرة لإدارة الديون، ومن أحدث هذه الاتفاقيات ما أعلنت عنه وزارة التخطيط بشأن اتفاقية لمبادلة الديون مع ألمانيا.
وفي هذا السياق تُجري مفاوضات مع الكويت لتحويل وديعة بقيمة 5 مليارات دولار في البنك المركزي، إلى استثمارات مباشرة في الاقتصاد.
ماجد فهمي: وجود شروط وضوابط لضمان الفائدة ضرورة ملحة
وتعليقًا على ذلك، يرى ماجد فهمي، رئيس بنك التنمية الصناعية الأسبق والخبير المصرفي، أن هذه الخطوة “جيدة جدًا”، وتأتي في وقت أصبحت فيه الديون تشكل عبئًا مرهقًا على الاقتصاد، حيث تجاوزت القدرة على السداد المريح.

وأشار إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع زيادة المديونيات، مما يؤكد على ضرورة البحث عن حلول بديلة.
وأضاف: “تكمن أهمية مبادلة الديون في تحويلها إلى مشاريع استثمارية، وشدد الخبير على أن الأولوية يجب أن تكون للمشروعات الإنتاجية، مثل المشروعات الصناعية التي تساهم في زيادة الناتج القومي المحلي، وتقليل الاستيراد، وزيادة التصدير، أو المشروعات الخدمية والعقارية”.
ولتحقيق أقصى استفادة من هذه الاتفاقيات، يرى فهمي أن هناك شروطًا يجب مراعاتها، فالأفضل هو أن تتم المبادلة مقابل سلع يتم تصديرها للدول الدائنة، أو من خلال إقامة مشروعات استثمارية إنتاجية جديدة تضيف قيمة للاقتصاد.
واستطرد أن تحويل الديون إلى استثمارات مباشرة في مشروعات منتجة يعتبر الخيار الأمثل، لأنه يساهم في تشغيل الاقتصاد ويحقق قيمة مضافة، وطالب بالاستغلال الأفضل للمواقع المتميزة الموجودة في مصر.
أحمد مجدي منصور: تعزيز مناخ الاستثمار يضمن النمو المستدام
وبدوره يرى الدكتور أحمد مجدي منصور، الخبير المصرفي، أن أهمية هذا التوجه تكمن في قدرته على تحقيق عدة أهداف حيوية بشكل متزامن، لعل أبرزها تخفيف عبء الديون، وجذب الاستثمارات، وتعزيز الإنتاج، وكبح التضخم.
وأضاف أن تلك البرامج تسهم في خفض إجمالي حجم الدين الخارجي وتكاليف خدمته، مما يحرر موارد مالية كبيرة في الموازنة العامة للدولة، يمكن إعادة توجيهها لتمويل قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.

كما أن هذه الآلية تعمل على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، والتي بدورها تقوم بإنشاء مشروعات إنتاجية وتوفر فرص عمل للشباب، مما يسهم في خفض معدلات البطالة.
ولفت إلى أن زيادة الاستثمارات تؤدي إلى زيادة الإنتاج والمعروض من السلع والخدمات في السوق المحلي، وهو ما يلعب دورًا محوريًا في استقرار الأسعار والحد من الضغوط التضخمية.
ولتعظيم الفائدة من هذه الخطوات وضمان استدامتها، يرى الخبير المصرفي أهمية مواصلة الجهود لتحسين وتطوير مناخ الاستثمار في مصر ليصبح أكثر جاذبية. وفي هذا السياق، يمكن البناء على الجهود الحكومية المبذولة، مثل إطلاق “الرخصة الذهبية”.
واقترح مجدي النظر إلى النماذج الناجحة في المنطقة، مثل تجربتي الإمارات العربية المتحدة والمغرب، ودراسة الأنظمة والمنصات التكنولوجية التي أسهمت في خلق بيئة استثمارية فعالة لديهم، وإمكانية استنساخ هذه التجارب وتطبيقها في مصر لتسريع وتيرة التحول.
وطالب أيضًا بضرورة تطوير منظومة التراخيص، بإنشاء منظومة إلكترونية شاملة وفعالة لإصدار تراخيص المشروعات، بحيث تكون جميع الإجراءات مؤتمتة وواضحة، مما يوفر الوقت والجهد على المستثمرين ويقضي على أي تعقيدات بيروقراطية.
وذكر ضرورة العمل بجدية لتوفير بيئة عمل محلية تضمن للمستثمرين المصريين نفس المزايا التنافسية وتزيل أي عقبات قد تواجههم، فالمستثمر المحلي هو شريك أساسي في التنمية.
واستطرد بالقول إن برامج مبادلة الديون هي بالفعل أفكار رائعة وخارج الصندوق، وتمثل حلًا فعالًا على المدى القصير والمتوسط، ولكي تتحول إلى نجاح مستدام، يجب أن تتكامل مع رؤية شاملة لتطوير مناخ الاستثمار، وهو ما سيجعل مصر وجهة مفضلة للاستثمارات العالمية والوطنية على حد سواء، ويفتح الباب أمام تحقيق طفرة اقتصادية حقيقية.
الوديعة الكويتية
ووفقًا لبيان رسمي، بحث رئيس مجلس الوزراء الكويتي، الشيخ أحمد عبد الله الأحمد الصباح، خلال استقباله نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل المصري، الفريق كامل الوزير، سبل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وتناول اللقاء ثلاثة محاور رئيسية، شملت بحث تعظيم الاستثمارات الكويتية في مصر في مجالات الموانئ البحرية والجافة والمناطق اللوجستية والصناعية، ومناقشة تسهيل تسجيل الشركات المصرية في لجنة المناقصات الحكومية الكويتية، إضافة إلى تفعيل تحويل الوديعة الكويتية لدى البنك المركزي المصري إلى استثمارات مباشرة.
وبحسب ما أعلنته وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، فإن آلية مبادلة الديون تخضع لحوكمة دقيقة من الجانبين؛ إذ تقوم وزارة التخطيط بالتنسيق مع الوزارات المختلفة في مصر باختيار المشروعات ذات الأولوية، بينما يتولى الجانب الألماني مسؤولية التقييم الفني من خلال لجان مختصة.
وكشفت الوزارة أن حجم مبادلة الديون مع ألمانيا بلغ حتى الآن نحو 3.4 مليار يورو، مشيرة إلى وجود مباحثات جارية بشأن 100 مليون يورو إضافية، مقسمة على شريحتين؛ الأولى في ديسمبر 2025، والثانية في يونيو 2026، موضحة أنه يتم حاليًا التنسيق لاختيار المشروعات الأهم التي ستُدرج ضمن الاتفاق الجديد.
وأكدت المشّاط أن المبادلة تتجه بقوة نحو دعم العمل المناخي، إلى جانب القطاعات الحيوية الأخرى كالتعليم الفني، والصحة، وبناء القدرات، والتوسع في مدارس التكنولوجيا التطبيقية، مشددة على أن مصر دولة لا تسهم بشكل كبير في الانبعاثات العالمية، لكنها تتحمل عبئًا كبيرًا في التكيف مع آثارها السلبية.